واشنطن: تبدو الولايات المتحدة على استعداد لتقبل انتصار عسكري لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، رغم تحذيرات رمزية موجهة إلى دمشق وموسكو قبل هجوم وشيك على محافظة إدلب، آخر أبرز معاقل الفصائل المسلحة في سوريا، وإزاء المخاوف من استخدام أسلحة كيميائية.

اتّهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الجمعة نظيره الروسي سيرغي لافروف بـ"الدفاع عن الهجوم السوري والروسي على إدلب"، آخر أبرز معاقل الفصائل المعارضة في سوريا، مضيفًا أن "الولايات المتحدة تعتبر أن هذا الأمر تصعيد في نزاع هو أصلًا خطير".

جاء هذا التحذير الأميركي في ختام عشرة أيام من الجدال الحاد بين الغربيين من جهة، والنظام السوري وروسيا من جهة أخرى، في وقت تستعد القوات السورية لتنفيذ هجوم على المحافظة الواقعة في شمال غرب البلاد على الحدود مع تركيا، مستندة إلى الدعم الروسي الذي مكن دمشق منذ العام 2015 من استعادة 60% من الأراضي التي خسرت السيطرة عليها في النزاع.

ذكرت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بخطها الأحمر، بعدما نفذت معًا في منتصف أبريل ضربات على منشآت سورية ردًا على هجوم بغاز السارين في الغوطة الشرقية حمّلت نظام الأسد مسؤوليته. وأكدت الدول الثلاث في بيان مشترك صدر في 21 أغسطس أنه "مثلما أثبتنا سابقًا، فإننا سنرد بالشكل المناسب على أي استخدام جديد للأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري".

تعقيبًا على ذلك، توعد مستشار البيت الابيض للأمن القومي جون بولتون بالرد "بشدة بالغة" في حال وقوع هجوم كيميائي. وعلق لافروف الأربعاء مبديًا أمله في ألا تعمد الدول الغربية إلى "عرقلة عملية مكافحة الإرهاب" في إدلب.

وأكد أنه "من الملحّ أن يتم الفصل بين ما نسميها معارضة معتدلة والإرهابيين، وأن يتم التحضير لعملية ضد هؤلاء عبر الإقلال قدر الإمكان من الأخطار على السكان المدنيين"، مؤكدًا بذلك على ما يبدو التحضير لهجوم وشيك.

ترك الأمور تجري
ونشطت الدبلوماسية الأميركية في الكواليس لتحذير موسكو التي اتهمت في الماضي بغضّ الطرف حيال استخدام دمشق أسلحة كيميائية. لكن الباحث في معهد "هادسون" للدراسات في واشنطن جوناس باريلو بليسنر رأى أن هذه "التحذيرات الشفهية" في تباين مع "واقع سوريا عام 2018".

وأوضح الباحث الذي صدرت له أخيرًا دراسة تناولت النهج الأميركي في المنطقة أنه في الواقع "الأسد يتقدم ميدانيًا بمساعدة إيران على الأرض وروسيا في الجو"، في حين أن الإدارة الأميركية لا تزال تعطي الأولوية لمفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة رغم أن هذه الآلية "تنازع".

وفي حال وقوع هجوم كيميائي، يبقى "من الممكن حصول رد مماثل" لرد الغربيين في أبريل، لكنه برأي الخبير لن يؤثر على "المقاربة العسكرية للإدارة الأميركية في سوريا القائمة على ترك الأمور تجري". وأعلن ترمب في الربيع عزمه سحب القوات الأميركية بأسرع ما يمكن فور القضاء نهائيًا على تنظيم الدولة الإسلامية.

لم تعط واشنطن إشارة البدء بسحب القوات، غير أن هذا القرار يكشف عن وقف الالتزام الأميركي في نزاع مستمر منذ أكثر من سبع سنوات. ولفت الخبير في "المركز الأطلسي" الأميركي للدراسات فيصل عيتاني إلى أن "الولايات المتحدة تقبلت منذ الآن استعادة النظام باقي سوريا".

وقال لوكالة فرانس برس "بعدما تقبلوا ذلك في الجنوب، في دمشق وحلب وسواهما (...) لم تعد للأميركيين أي مصداقية ولا أي وسيلة ضغط" مشيرًا إلى أن "النظام (السوري) وروسيا أدركا ذلك جيدًا".

ورأى أنه بعدما يستتب الوضع بشكل نهائي على الأرض، ستكون الساحة خالية مرة جديدة للدبلوماسية ولحل سياسي، وفق الأولوية التي تتمسك بها واشنطن. "لكنه لن يبقى هناك عندها ما يمكن التفاوض عليه، باستثناء الإقرار رسميًا بالوقائع السياسية التي تعكس الوقائع العسكرية، وهي مواتية للنظام السوري".