قال وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي، ناصر بوريطة، الثلاثاء في نيويورك، إن اقتراح العاهل المغربي الملك محمد السادس خلق مرصد أفريقي للهجرة، الذي اعتمد من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في مايو الماضي، وأجازت القمة الأفريقية الـ31 التي انعقدت في يوليو الماضي في نواكشوط قرار إحداثه، سيمكن من تعزيز الحوكمة الأفريقية في مجال الهجرة، من خلال ثلاثية "الفهم والاستباق والعمل".

إيلاف من نيويورك: أشار بوريطة، الذي كان يتحدث خلال اجتماع نظم على هامش الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة حول "الهجرة والتحولات البنيوية في أفريقيا"، اشار إلى أن هذا المرصد الأفريقي تمت الإشارة إليه كنموذج في الميثاق العالمي حول الهجرة.

وتحدث بوريطة عن المبادئ المنبثقة من الأجندة الأفريقية حول الهجرة، والتي تهدف إلى تعزيز مساهمة الهجرة في التنمية وفي التحول البنيوي للقارة، مشيرًا إلى أن هذه الأجندة، التي تعد ثمرة تشاور موسع، تروم جعل الهجرة رافعة للتنمية المشتركة، وركيزة للتعاون جنوب - جنوب، وكذا رافعة للتضامن.

في معرض تطرقه إلى المبادئ الثلاثة المنبثقة من الأجندة الأفريقية حول الهجرة، شدد بوريطة على أن الهجرة ينظر إليها أساسًا على أنها أفريقية وغير قانونية، مع أنها ليست كذلك، موضحًا أن التوظيف الإعلامي والخطابات السياسية تنزع نحو تكريس صورة غزو تعكس، في واقع الأمر، جهلًا عميقًا بهذه الظاهرة، وعجزًا عن إعادة وضع الهجرة الأفريقية في السياق العالمي.

فإذا كان صحيحًا، يضيف بوريطة، أن شبكات تهريب المهاجرين تنشط من أجل إيجاد مسارات للهجرة غير القانونية، فإن اثنين فقط من أصل كل 10 مهاجرين ليسوا في وضعية قانونية. فضلًا عن ذلك، فإن أقل من واحد من بين كل خمسة مهاجرين دوليين ينحدر من أفريقيا.

وأشار إلى أن المهاجرين الأفارقة يمثلون، في المقابل، أكثر من ثلث الوفيات التي تسجل على طول طرق الهجرة، لافتًا إلى أن الحقيقة التي تزعج، في واقع الأمر، هي أن أفريقيا تهاجر بشكل قليل على الصعيد الدولي، حيث إن أقل من 12 بالمائة من إجمالي تدفقات الهجرة نحو أوروبا تأتي من أفريقيا.&

كما أوضح أن هجرة الأفارقة تتجه أساسًا نحو البلدان المجاورة، ذلك أن 4 من بين كل 5 مهاجرين يبقون في أفريقيا. وبالتالي، فإن أفريقيا تشكل أساسًا وجهة للهجرة بالنسبة إلى الأفارقة أنفسهم، وليس أرضًا مصدرة للهجرة. كما إن عدد المهاجرين داخل أفريقيا نفسها ارتفع بنسبة 67 في المائة في ظرف 10 سنوات، وهي زيادة أكبر من نظيراتها في باقي القارات.

وأكد بوريطة أن تبديد الأحكام المسبقة بات ضروريًا، ويقتضي تحسينًا للمعطيات من حيث النوع والكمّ، ذلك أنه لا يمكن الاقتصار على إحصائيات جزئية أو مجزأة أو ظرفية.

وقال "إننا بحاجة إلى التوافر، بانتظام، على معطيات موثوقة وتحليلات وتصورات عملية"، مشيرًا إلى أن مشروع الميثاق العالمي بشأن الهجرة خصص هدفه الأول لجمع واستخدام بيانات دقيقة تعتمد كأساس لتطوير سياسات الهجرة، فيما يهدف المبدأ الثاني إلى "جعل الهجرة محركًا، وليس كابحًا للتنمية".

شدد بوريطة على أن الهجرة تساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلدان الانطلاق والوصول، حيث ينفق المهاجرون نحو 85 بالمائة من دخلهم، رغم أن الإمكانات التي تتيحها ثنائية الهجرة - التنمية ليست مستغلة بما فيه الكفاية، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن التحويلات تشكل مصدرًا أساسيًا ومستقرًا للتمويل الخارجي لأفريقيا، وتتجاوز مساعدات التنمية العمومية نفسها، فإنه ينبغي دعم مقاربة تتجه نحو الاستثمار بدلًا من الاكتفاء بالهجرة كمجرد مصدر دخل.

أضاف أن المهاجرين غالبًا ما يعطون أكثر مما يتلقون، حيث إنهم، وفضلًا عن التحويلات المالية، يساهمون في تعزيز التنمية المحلية ونقل التكنولوجيا والكفاءات، وفي إعطاء دينامية إلى الفضاء الاقتصادي الأفريقي، مؤكدًا على أنه "يتعيّن اليوم جعل هذه المساهمات - الإيجابية للغاية – رافعة للنهوض بالقارة.

أما المبدأ الثالث لهذه الأجندة فيتمثل في جعل الهجرة خيارًا، وليس ضرورة، حيث من المتوقع أن يتضاعف النمو الديموغرافي في القارة بحلول سنة 2050. لكن بعيدًا عن التصور الجماعي، يوضح بوريطة أن "هذا لا يعني أن شدة الهجرة نحو أوروبا ستتضاعف بدورها. في المقابل، فإن هذا يضاعف الفرص بالنسبة إلى قارتنا، وكذا الحاجة إلى الاستجابة للتحديات التي تواجهنا".

وذكر بوريطة أن أفريقيا حققت بشكل عام، خلال السنوات الأخيرة، تقدمًا ملحوظًا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يشمل إصلاحات سياسية عميقة وانخفاضًا كبيرًا لتواتر النزاعات المسلحة. مع ذلك، فإن هذا التقدم لم يبلغ العمق والاستدامة التي تمنع شبابًا أفارقة من تعريض حياتهم للخطر.
&