متشحة بملابس الحداد السوداء، جلست شريفة محمد أحمد، والدة الشاب محمد عبد الحكيم، تتلقي العزاء من جيرانها بعد أيام من وفاة ابنها داخل قسم شرطة عقب ساعات من إلقاء القبض عليه.

تقول الأم المكلومة إنها تلقت خبر وفاة ابنها، الشهير بـ"عفروتو"، من أحد أصدقائه الذي علم بدوره من مجموعة محتجزين كانوا معه بأحد غرف قسم المقطم، جنوبي القاهرة.

وهناك مزاعم بأن الابن تعرض للإيذاء البدني والضرب المبرح وسُكبت عليه مياه بادرة.

"القصاص العادل"

تطالب شريفة، وهي عاملة نظافة بإحدى المدارس الخاصة، بـ"القصاص العادل" ممن قتل ابنها، ولكنها تخشى أن يكون هذا حلما كونها تنتمي لعائلة فقيرة لا تكاد تملك قوت يومها، حسب قولها.

وقررت النيابة العامة الاثنين حبس ضابط شرطة برتبة نقيب وأمين شرطة (مساعد ضابط) لأربعة أيام على ذمة التحقيقات بتهمة "القتل العمد وإحداث إصابات" بالقتيل بعد القبض عليه الجمعة الماضية.

عبد الحكيم محمود، والد عفروتو، قال لبي بي سي إنه حصل على وعد من وكيل النيابة الذي يحقق قتل ابنه بأن "دمه لن يضيع هباء وأن المخطىء سينال عقابه".

لكن والد القتيل يقول إن تعامل الشرطة في المنطقة التي يعيش فيها، والتي تسمى بمساكن الزلزال في حي المقطم، يتسم بـ"العنف المفرط وعدم مراعاة ظروف المواطنين الذين تقع غالبيتهم في شريحة العمال أو صغار الموظفين والحرفيين،" على حد وصفه.

وألقي القبض على الشاب بسبب اشتباه في حيازة مخدرات حسبما ذكرت تقارير صحفية نقلا عن مصادر أمنية.

وتجمع المئات من أهالي المتوفى وأقاربه أمام القسم عقب علمهم بوفاته، وقاموا برشقه بالحجارة وكرات اللهب، وأحرقوا سيارات شرطة، فيما ردت قوات الأمن باطلاق قنابل مسيلة للدموع للسيطرة على الموقف، وألقت القبض المتجمهرين.

وقررت النيابة حبس 43 متهما لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق في وقائع إثارة الشغب والتجمهر وحرق سيارات خارج القسم التي أعقبت إعلان وفاة "عفروتو" الجمعة.

أقارب عفروتو
BBC
أقارب القتيل ينتظرون القصاص له

"شاب مكافح"

غرفة "عفروتو" بمنزله لا تزال تزينها صوره في مناسبات مختلفة.

ويقول شقيقه محمود إنه كان "شابا مكافحا يسعى للحصول على لقمة العيش، حيث يعمل في مجال دهان الحوائط بالمنازل، بدخل معقول".

ونفي محمود الاتهامات التي ثارت حول شقيقه وأنه يتاجر في المواد المخدرة أو مسجل جنائيا في القسم.

وأدت المواجهات التي وقعت أمام قسم شرطة المقطم بين قوات الأمن والعشرات من الشباب الغاضبين عقب ساعات من انتشار خبر مقتل "عفروتو" بحجز القسم إلى وقوع نحو 10 حالات إصابة.

وحركت تلك الأحداث النيابة العامة التي بدأت تحقيقا عاجلا حول الواقعة مستندا على تقرير مبدئي للطب الشرعي أثبت أن الوفاة حدثت نتيجة تهتك بالطحال أدى لنزيف داخلي وليس بسبب تعاطي مخدرا، وإن كان التقرير التشريحي النهائي لم يصدر بعد.

مساءلة جنائية وإدارية

أبدت لجنة حقوق الانسان بمجلس النواب رضاها عن سير التحقيقات حول القضية ، وقال شريف الورداني، عضو أمين سر اللجنة المعنية بمراقبة أوضاع حقوق الانسان، في جميع مؤسسات الدولة إن النيابة العامة تحركت بسرعة للتحقيق في الواقعة.

منزل محمد عفروتو
BBC
غرفة عفروتو بمنزله لا تزال تزينها صوره في مناسبات مختلفة،

وأوضح الوراداني أن الضابط المسؤل عن القسم إلى جانب أحد أمناء الشرطة الذي تقول إفادات شهود عيان إنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن مقتل عفروتو يخضعان لتحقيق جنائي حول الحادثة، وأنه لا يوجد تستر على مثل تلك الجرائم.

وأضاف عضو لجنة حقوق الانسان بمجلس النواب أن قطاع التفتيش التابع لوزارة الداخلية يتابع مثل هذه الأمور، مشيرا إلى أن الاجراءات التي يتم اتخاذها ضد المتجاوزين من عناصرها تفوق ما يمكن أن تتعرض له تلك العناصر حتى في حالة المساءلة الجنائية.

مطلوب تعديل تشريعي

ويقول حقوقيون إن تكرار وقائع التعذيب داخل السجون وأقسام الشرطة تندرج تحت جرائم العنف التي لا تسقط بالتقادم وتستوجب المساءلة الجنائية وليس توجيه تهمة القتل الخطأ كما هو معمول به حاليا.

ويرى المحامي الحقوقي نجاد البرعي أن الأمر يستوجب تعديلا تشريعا لتوجيه تهمة التعذيب والقتل خارج إطار القانون وهي الجريمة التي تكون عقوبتها رداعة وتصل إلى حد الإعدام أو السجن المؤبد.

وتتهم منظمات حقوقية محلية ودولية الشرطة المصرية بممارسة التعذيب بشكل ممنهج في مقار الاحتجاز، وهي اتهامات تنكرها الشرطة وتقول إنها تتصدى لبعض الحالات الفردية بشكل حاسم.

كما يرى البرعي ضرورة خضوع رجال الشرطة لفحوص دورية بشأن الحالة النفسية والعصبية، مشيرا إلى أن ضغوط العمل الأمني اليومي قد تسهم في توتير عناصر الشرطة الأمر الذي يعرضهم لارتكاب التجاوزات.

وتقول الشرطة المصرية إنها تحاسب المتجاوزين من عناصرها عبر جهاز التفتيش الداخلي التابع لوزارة الداخلية، كما تتابع الإدارة العامة لحقوق الانسان بالوزارة أي شكاوى يتوجه بها المواطنون أو الهيئات بشأن الأداء الأمني المتعلق بحقوق الانسان.