التضامن: بعد سيطرة القوات الحكومية على حي التضامن في جنوب دمشق، ظن النازحون منه أن عودتهم قريبة. لكن آمالهم تبدّدت مع اعتبار لجنة رسمية العدد الأكبر من منازله غير صالحة للسكن.

يعتبر الحي من أبرز مناطق البناء العشوائي في دمشق، ما يفاقم من الصعوبات التي يواجهها سكانه، في ظل عزم السلطات إخضاع الحي للتنظيم بحسب القانون رقم 10 الذي يسمح للحكومة بإقامة مشاريع عمرانية في منطقة معينة، على أن يُعوَّض أصحاب الممتلكات بحصص إذا أثبتوا ملكياتهم خلال عام من إعلانها منطقة تنظيمية.

في العام 2015، استولى تنظيم الدولة الإسلامية على القسم الجنوبي من حي التضامن، الملاصق لمخيم اليرموك، بعدما كانت فصائل معارضة سيطرت عليه في العام 2012. وتمكنت القوات الحكومية مع مقاتلين من أبناء الحي، انضموا إلى صفوف قوات الدفاع الوطني، من طرد التنظيم في مايو، بعد معارك وغارات عنيفة.

تعرّض القسم، الذي كان تحت سيطرة التنظيم، لدمار كبير، وفق مسؤولين محليين. وتخضع مداخله لإجراءات أمنية مشددة، وتقتصر الحركة داخله على من بقي فيه أصلًا. ولم يسمح عناصر أمن لفريق من وكالة فرانس برس بالدخول إليه.

على بعد أمتار من آخر نقطة أمنية يمكن الوصول إليها، تسدّ أكوام من الركام الطريق المؤدي إلى عمق الحي، بينما استحالت أبنية طبقات مكدسة فوق بعضها. وتتوسط فجوة كبيرة مئذنة جامع جراء قصف أصابه.

يقول المحامي عثمان العيسمي (55 عامًا) النازح من حي التضامن منذ سنوات إلى ضواحي دمشق لفرانس برس "بعد انتهاء العمليات العسكرية، دخلت الحي، وكنت أتوقع دمارًا كبيرًا. لكنني وجدت زجاج بيتي المؤلف من أربع طبقات محطمًا فقط. فلِمَ لا أعود إلى منزلي، أنا والآلاف غيري من السكان؟".

أثار إعلان لجنة كلفتها محافظة دمشق مسح الأضرار أنه لا يمكن للنازحين العودة إلى منازلهم قبل انتهاء عملية تصنيفها، للتأكيد ما إذا كانت صالحة للسكن أم لا، احتجاجات واسعة. وشكل الأهالي لجنة تعقد اجتماعات متتالية مع محافظة دمشق، بعدما تبيّن لها أن عددًا كبيرًا من المنازل المصنفة غير صالحة للسكن لم تتضرر كثيرًا جراء المعارك.

يوضح أبو محمد، وهو اسم مستعار لأحد النازحين من الحي، لفرانس برس، أنه تفقد منزله الواقع في القسم الجنوبي من الحي، ولم يجد "طلقة رصاص واحدة" فيه، "جلّ ما في الأمر أنه نُهب". ويقع منزله في كتلة أبنية تم تصنيفها غير صالحة للسكن، على حد قوله.

على صفحة على موقع "فايسبوك" تحمل تسمية "مهجري حي التضامن"، كتب أحدهم "من حقنا عودتنا إلى بيوتنا وأملاكنا وكدّ آبائنا". ونشر آخر صورة للحي مع تعليق "لن نسكت حتى نسكن".

من بساتين إلى منطقة عشوائية
حتى العام 1967، كانت المنطقة عبارة عن بساتين فرّ إليها آلاف النازحين من جنوب البلاد، بعد احتلال إسرائيل هضبة الجولان. وغضّت دمشق الطرف عن البناء العشوائي، الذي سرعان ما توسع، مع توافد عائلات من محافظات عدة، قصدوا العاصمة للعمل أو التعلم، وفضلوا الإقامة فيها. وتضاعفت مساحة الحي تدريجيًا.

مع توسّع المعارك منذ العام 2012، انخفض عدد سكان الحي من نحو 250 ألفًا إلى 65 ألفًا، بينهم 25 ألفًا نزحوا من أحياء مجاورة، وفق مختار الحي. وقسّمت محافظة دمشق حي التضامن، الذي يقدر عدد منازله بـ25 ألفًا، إلى ثلاث مناطق جغرافية، تمّ مسح الأضرار في الأولى، ويكاد ينتهي في الثانية.

يقول رئيس اللجنة المكلفة من المحافظة مسح الأضرار فيصل سرور لفرانس برس "زرنا حتى الآن عشرة آلاف منزل، وأصدرنا تقارير عن صلاحية 2500 منها للسكن، مقابل عدم صلاحية ألف أخرى". ويرجّح سرور أن تكون الغالبية الساحقة من منازل المنطقة الثالثة غير صالحة للسكن، "كونها شكلت مناطق الاشتباكات، وهي منطقة أنفاق ومفخخات".

ترقيم وشمع أحمر
وتعمل اللجنة على ترقيم المنازل الصالحة للسكن وختمها بالشمع الأحمر، على أن يستلمها أصحابها بعد تقديم وثائق تثبت ملكيتهم لها. وستخضع المنطقة في وقت لاحق لإعادة التنظيم وفق القانون رقم 10، ما يعني أن مصير الأبنية الصالحة وغير الصالحة، عندما يبدأ تنفيذ المخطط العمراني، الهدم.

يثير هذا القانون انتقادات واسعة. وأعربت منظمات حقوقية عن خشيتها من ألا يتمكن كثيرون من إثبات ملكياتهم، بسبب عدم تمكنهم من العودة إلى مناطقهم أو الى سوريا، أو لفقدانهم وثائق الملكية.

يزيد واقع البناء العشوائي من التعقيدات في حي التضامن، حيث عشرة في المئة فقط من الملكيات نظامية، وفق محافظة دمشق، ما يعني أنه ليست لدى غالبية الأهالي صكوك ملكية مسجلة في الدوائر العقارية، بل إفادات سكن مكّنتهم من الاستفادة من خدمات البنى التحتية وتسديد الضرائب.

وتميّز دمشق في عملية التنظيم بين الأحياء ذات البناء النظامي وتلك العشوائية. وفي الحالة الأخيرة، لن يحصل السكان على أسهم كونهم لا يملكون الأرض. ويوضح سرور "لن تُرمى الناس في الشوارع، بل ستُمنح بدل سكن أو سكنًا بديلًا". لكن بالنسبة إلى أبي محمد، "ما يحصل ظلم لمواطنين سوريين صبروا لسنوات واختاروا الوقوف مع الدولة". &

يستغرق وضع مخطط تنظيمي للحي بين أربع وخمس سنوات، وفق سرور. وفي الفترة الفاصلة عن تلك المرحلة، يؤكد مختار حي التضامن أحمد اسكندر أن "الدولة جادة في أن تعيد المواطن إلى منزله بأمان"، ولكن بعد تأهيل البنى التحتية والخدمية.

بعدها يمكن لمن يجد منزله مختومًا أن يراجع الجهات المعنية "ويستعيده بشكل عادي بعدما يثبت ملكيته". ويقول المختار الذي تتصدر مكتبه الواقع عند طرف الحي، صورة كبيرة للرئيس بشار الأسد مرتديًا بزة عسكرية ونظارات شمسية، "على غرار كل المناطق الخاضعة للتنظيم، لن يحدث ذلك في يوم وليلة".
&