القاهرة: أصدر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرًا كشف فيه أن داعش بدأ في استراتيجية جديدة لإعادة إحياء التنظيم، تحت عنوان "داعش ومحاولات النجاة عبر اللامركزية وتفويض الصلاحيات" رصد فيه أبرز محاولات التنظيم للظهور والعودة مرة أخرى عبر مسارات عدة.

وأوضح التقرير أن تنظيم "داعش"، منذ أن تم تضييق الخناق عليه، اعتمد على استراتيجية للانسحاب التكتيكي لصالح التمدد في أماكن أخرى والانتشار في مساحات بديلة وتوظيف آليات مغايرة للتجنيد والاستقطاب، حيث لن تكون هذه مجرد خلايا نائمة بقدر ما هي اندماج في كيانات بديلة، عبر محاولة إقامة تنظيمات أخرى تشبه التنظيم الأم، وتندرج بعد ذلك تحت رايته.

وبيَّن أن التنظيم اعتمد على نمط اللامركزية في الانتشار والتمدد، وذلك من خلال تجميع الفارين من التنظيم لأنفسهم وتكوين كيانات وتنظيمات أخرى تسير على نهج التنظيم الأكبر، مبينًا أن هذه العناصر شكَّلت تنظيمات تحت أسماء عدة كتنظيم الرايات البيضاء، وأنصار البخاري، وأنصار الفرقان، وهي تنظيمات من المتوقع أن تكون هي الوريثَ الشرعي لتنظيم داعش. ويحاول التنظيم عبر هذه الخطوة أن يعود للسيطرة وخلق مؤيدين له لأن التنظيم كان قد بالغ في التكفير وعمليات سفك الدماء بصورة كبيرة جعلت الكثيرين من المنضمين له ينشقون عنه.

وأشار إلى أن تنظيم داعش بات يبحث عن طرق عديدة للعودة مرة أخرى إلى السيطرة وبسط النفوذ، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه كافة دول العالم في كيفية التصدي وكشف محاولات التنظيم للعودة من جديد، حيث تشير التقارير والدراسات إلى أن التنظيم اتجه نحو التحالف مع تنظيمات متطرفة للبحث عن مناطق بديلة من أجل التمدد والانتشار، بل سيكون أكثر إجرامًا، وفقًا لما صرح به وزير الخارجية الأميركي السابق "ريكس تيلرسون".

وذكر التقرير أن التنظيم بعد أن فقد عددًا من قياداته في المعارك والاغتيالات التي نفِّذت ضدهم تعرض إلى هزات داخلية جعلته يدخل في حالة من التخبط؛ نظرًا لأهمية هذه العناصر في هيكله التنظيمي، وهو ما دفع بالتنظيم إلى توزيع المهام والمسؤوليات على أفراد أقل خبرة من قيادات الصف الأول، حيث عمل على تفويض مسؤولية صنع القرار إلى مستويات أدنى للقادة المحليين من التنظيم، حيث إن التنظيم عانى في الفترة الأخيرة من تصدعات هيكلية داخلية، ودبت الانقسامات الداخلية بين عناصره، وهو ما يعني أن داعش أصبح يواجه تهديدات خارجية وداخلية معًا.

وأضاف أن تنظيم داعش توسع في استخدام الإنترنت، ليس فقط بهدف الاستقطاب، بل بهدف التوظيف والقيادة وتوزيع المهام والمسؤوليات وفقًا لما عرف بـ "الخلافة الافتراضية"، وقد أورد التقرير في هذا الجانب عمليات بيع تتم للتنظيم عبر الإنترنت، وهي وسيلة للتنظيم بات يعتمد عليها في استقطاب المقاتلين خاصة من الخارج، وبالتالي صار بالإمكان لأي شخص إتمام البيعة في أي مكان عبر منصاته عبر مواقع الإنترنت، كما أن هذه المنصات سوف توفر للتنظيم ملجأ في العالم الافتراضي يمكنه من مواصلة تنسيق الاعتداءات والإيحاء بها ونشر أفكاره وتغيير قياداته.

وأفاد المرصد في تقريره أن داعش اعتمد على تبني فكرة الدفع نحو زيادة الهجمات الإرهابية خارج مناطق سيطرته عبر "الذئاب المنفردة" مستخدمًا في ذلك الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، هذا بالإضافة إلى الدعوة إلى إرهاب المواطنين عبر الخطف، حيث رُصد في العراق -عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي شهدتها العراق- زيادة في نسب عمليات الخطف في الفترة من مايو إلى أغسطس بتسجيل ما يقرب من 130 حالة اختطاف لشخصيات عامة ومواطنين.

وأكد التقرير على أن عودة قوة تنظيم "داعش" مرتبطة بشكل كبير بقدرته على استحداث فصيل جديد من التنظيم الأم، وفي هذه الحالة سيأخذ التنظيم وقتًا لحين القدرة على السيطرة والتمدد، خاصة أن التنظيم واقعيًّا خسر مناطق استراتيجية كانت تحت سيطرته.

وقال المرصد في تقرير آخر، إن عمليات الإرهاب التي اجتاحت العالم خلال الساعات القليلة الماضية في كلٍّ من كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأميركية وملبورن الأسترالية، إضافة إلى جاكرتا عاصمة إندونيسيا، تأتي نتيجة الاستغاثة التي أطلقها تنظيم داعش الإرهابي عبر إصدار مرئي جديد حمل اسم "دولة الخلافة من الداخل 8" دعا فيها المنتمين إليه في الخارج والحاملين لأفكاره التكفيرية إلى النفير والقيام بالعمليات الإرهابية في أعماق الدول.

وجاء في الإصدار الذي تبلغ مدته 16 دقيقة و18 ثانية أنه يواجه حملة إعلامية شرسة من قِبل مَن أسماهم "الصليبيين"، مستنجدًا بالمقاتلين في الخارج للقيام بعمليات فردية، مع تضخيمه المُبَالغ فيه لأهميتهم وأهمية عملياتهم، التي وصلت إلى حد وصفها بأنها تعادل 1000 عملية مما سواها.

ولفت المرصد الانتباه إلى أن التنظيم ركَّز خطابه الإعلامي – المتراجع – نحو الخارج، مستهدفًا الجذب والتجنيد للعناصر الجديدة، واستنفار الخلايا النائمة للقيام بالأعمال الإرهابية التي تشد من عضد التنظيم وتعيده إلى الواجهة وتعوض خسائره المتتالية في مناطق سيطرته والحملات الدولية المتزايدة عليه، التي أدت إلى تراجعه بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية.

كما قام عدد من التابعين للتنظيم بإصدار مجلة جديدة تحت اسم "شباب الخلافة" ادعوا أنها صادرة عن المناصرين للتنظيم والمؤيدين له، تحت إشراف ما يسمى بـ"مؤسسة العبد الفقير"، حَوَت بعضَ الصور والمقالات والكتابات والصور المؤيدة للتنظيم، إلا أن التدقيق في مضمون المجلة والرسائل التي تحويها يكشف أنها صنيعة الدواعش أنفسهم، وادعاء أنها لمناصرين لهم ليظهروا بمظهر القادرين على جذب المؤيدين وأن لهم الكثير من الأتباع والمناصرين في مختلف المناطق، وهي الرسالة التي أكد عليها الإصدار المرئي "جنود الخلافة من الداخل 8"، والذي قدم لعدد من المقاتلين في صفوف التنظيم من مختلف الجنسيات، لتأكيد الرسالة نفسها ومفادها أن التنظيم محل إجماع من مختلف دول المسلمين.

ودعا المرصد دول العالم، وخاصة الدول الغربية المشاركة في التحالف الدولي لمواجهة داعش، للحذر بشكل مكثف، لاحتمالية استجابة عناصر تكفيرية لاستغاثة التنظيم التي أصدرها منذ أيام وأكدت عليها كافة إصداراته التي نشرها عبر منصاته المختلفة.