إيلاف من القاهرة: أعلنت غالبية قراء "إيلاف" من المشاركين في الاستفتاء الأسبوعي أن تيار الإسلام السياسي لا تتوافر لديه نوايا طيبة، لإجراء حوار مع التيار المدني.

سألت إيلاف القراء: هل تعتقد أن الإسلام السياسي راغب في حوار حقيقي مع العلمانية والليبرالية؟ "ممكن" أم "مستبعد"؟

وشارك 1065 قارئًا في الاستفتاء، التي أجري عبر الموقع الإلكتروني ومنصة إيلاف في &"فيسبوك" و"تويتر".

واستبعدت الغالبية الساحقة وتقدر بنسبة 89% من المشاركين في الاستفتاء، إمكانية إجراء حوار بين الإسلام السياسي والعلمانية والليبرالية، بينما مالت الأقلية وتقدر بنسبة 11% إلى التفاؤل، وأن الحوار يمكن إجراؤه بين الطرفين.

ويرى الخبراء في شؤون جماعات الإسلام السياسي، أن الحوار بينها وبين العلمانية والليبرالية يواجه صعوبات كثيرة، وقال الشيخ نبيل نعيم، القيادي السابق في جماعة الجهاد، إن الأزمة الحقيقية في جماعات الإسلام السياسي هي عدم الاعتراف بالآخر، بل وتكفيره، لاسيما المختلفين معها في الفكر، سواء العلمانيين أو الليبراليين، أو التيار المدني عمومًا.

وأضاف لـ"إيلاف" أن جماعات الإسلام السياسي ترى أنها هي الإسلام نفسه، وتحتكر الحديث باسمه كما هو الحال جماعة الإخوان المسلمون، التي قال عنها مؤسسها حسن البنا: هل مازالوا يسألون عنكم؟ قولوا لهم: نحن الإسلام".

ولفت إلى أن الحوار بين تيار الإسلام السياسي والتيار المدني، يجب أن يرتكز على أسس ثابتة، ويجب أن يبنى على مراجعات فكرية من قبل جماعاته، تتخلى فيها عن التكفير وانكار حق الآخر في الحياة بسلام، واعتناق الأفكار التي يراها صحيحة ما دامت غير عنيفة.

وأشار إلى أن غالبية المراجعات التي تمت من قبل بعض قيادات جماعات الإسلام السياسي لم تكن صادقة، بل كان الهدف منها تخفيف الضغوط الأمنية عليهم، مشيرًا إلى أن إجراء حوار في المرحلة الراهنة يواجه صعوبات بالغة، تجعله غير ممكن.

وقال الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، محمد عبد السلام، إن أي حوار بين تياري الإسلام السياسي والمدني، لن يكون حوارًا جديًا، ما لم يتخل كل طرف عن قناعته بشأن الطرف الآخر مسبقًا.

وأضاف لـ"إيلاف" أنه يجب على جماعات الإسلام السياسي التخلي على رفض الآخر وتكفيره، وهدر دمائه، واستباحة أمواله وأعراضه، مشيرًا إلى أنه بينما يجب على التيار المدني التخلي عن عدائه المطلق للجماعات الإسلامية والتفريق بين ما يعتنق العنف منها والمعتدل، وأن يؤمن بحقها في ممارسة السياسية والوصول إلى الحكم، في إطار سلمي.

وأوضح أنه في هذه الحالة سوف يكون الحوار مثمرًا، وينتج عنه تقارب يصب في صالح الأمة الإسلامية وتنمية ورفاهية شعوبها، وبدون ذلك سوف يصبح حوار الطرشان، ولن يؤتي إلا المزيد من الكراهية والعنف.

وحسب دراسة بعنوان "التقارب الإسلامي العلماني في العالم العربي : من أجل السلم المدني في المنطقة"، للباحث عبد اللطيف الحماموشي، فإن الحوار بين تيار الإسلام السياسي والعلمانية في العالم العربي أصبح ممكنًا، وقالت إن "المراجعات التي قامت بها بعض المجموعات من الطرفين (العلمانيين والاسلاميين) مثلت ابتداء من العقد الأول من هذا القرن، تحولا بارزا في العلاقة. فحزب الأمة المغربي (حزب محظور) ذو التوجه الإسلامي مثلا، يطالب بحرية العقيدة والمعتقد بالنسبة لجميع المغاربة، كما أنه يتبنى قراءات تنويرية للتراث الإسلامي، مع تأكيده على إعادة الاعتبار للعقل، كما يُعَرّف نفسه في وثائقه المرجعية على أنه حزب اجتماعي نهضوي تجديدي وديمقراطي. ومن غير المستغرب أنه (حزب الأمة) عقد مؤتمره التأسيسي سنة 2007 بمقر الحزب الاشتراكي الموحّد ذو التوجّه اليساري العلماني فيما كان هذا الأمر غير ممكن خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي".

وأضافت: كما أن شخصا كعبد المنعم عبد الفتوح وهو العضو السابق بمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، ومؤسّس حزب مصر القوية، لا يتردد في الدفاع عن الحوار العلماني-الإسلامي، والدولة المدنية وأهمية الحريات والحقوق في مصر بعد الثورة، مما يعتبره الكثير من المهتمين والمراقبين، على أنه من الشخصيات "الإخوانية" التي ساهمت في بلورة نظرة جديدة وفهم حديث داخل نسق الإسلام السياسي، فهو يعتبر أن من المستحيل أن تَتَشكل دولة الحق والقانون في ظل دولة دينية، تهيمن عليها جماعة أو حزب أو مذهب معيّن، يتم خلالها اضطهاد أقلية معيّنة على اساس انتمائها سواء كان ديني أو ايديولوجي مخالف".

وتابعت الدراسة: لا يختلف الأمر بالنسبة للعلمانيين، فقد أصبحنا نرى مؤخرا أن الكثير من الأحزاب الشيوعية العربية، تضم داخلها مناضلين متديّنين ومؤمنين، بل تنصّ وثائقها المرجعية على احترام الشعور الديني للمجتمع وعدم الوقوف ضده"، مشيرة إلى أنه "عدد لا بأس به من المثقفين العلمانيين، كالرئيس السابق للجمهورية التونسية منصف المرزوقي، دحضوا ما يُروّج له البعض عن العلمانية، فعملوا على توضيح المفهوم الحقيقي لهذه الأخيرة، أي هو إحكام العقل والمنطق واحترام حقوق الإنسان في شموليّتها وغيرها من الأفكار المرتبطة بحرية الفرد والجماعة، من دون القطع أو مناهضة كل ما هو ديني".

غير أن الدراسة، ترى: "لا زالت أحزاب وتيارات وجماعات إسلامية متشدّدة، تتغذّى من السلفية المتطرّفة، تعتبر أن الديمقراطية بدعة، وأن حقوق الإنسان في شموليتها كفر، وأن كل يساري أو ليبرالي زنديق، كما أن العديد من هذه الحركات تختصر الديمقراطية في المسألة العددية، وتعتبرها ماهي إلا وسيلة للوصول إلى السلطة لا غير"، منوهًا بأنه "نفس ذلك ولكن بوتيرة مختلفة، نجده عند التيّار الاستئصالي (الغير ديمقراطي) من العلمانيين، الذي يعتبر أن كل الإسلاميين بمن فيهم المعتدلين، إرهابيين وظلاميين ويخدمون أجندات أجنبية معينة. لذلك فليس كل العلمانيين ديمقراطيين وليس كل الإسلاميين كذلك".

وأشارت الدراسة إلى أن "التقارب العلماني-الإسلامي لا يلغي الاختلافات والتباينات الفكرية بين الطرفين، بل العكس، فهو ينمي النقاشات حول مختلف المواضيع الإشكالية، مادام ذلك يتم في إطار ديمقراطي وسلمي".