صناعة الدمى في مالي صعبة على النساء بسبب قيود اجتماعية تحتّم عليها أن تُبقي طموحها محدودًا، لكن دائمًا تبرز الاستثناءات، إنها مواوا كوني التي أبت ألا تتحدى المألوف.

إيلاف من بيروت: تستفيق الفنانة مواوا كوني كل صباح تحت مجموعةٍ من الأقنعة والدمى المعلّقة على حائط غرفتها في العاصمة المالية باماكو.

كوني هي المرأة الوحيدة في مالي التي تعمل في صناعة الدمى التي يخافها الرجال في مالي، لأنهم يعتقدون أنها تصنعها بقوى سحرية. فبنظرهم، ليس بوسع المرأة أن تكون صانعة دمى. أما هي، فقد سمح لها طموحها أن تتخطى حدود الشوفينية، لكنها اصطدمت بعقبةٍ أخرى.

مسرح الدمى موجود في مالي منذ قرون، واعتمد هذا التقليد بالتزامن مع انتشار الإسلام، الديانة الرئيسة في البلاد. أما العروض التقليدية فتتطرّق إلى تاريخ المجتمع، وتستخلص العبر وتحدّد دور الرجل والمرأة. كما تحتفل بقدوم موسمي المطر والحصاد. وتمثّل الأقنعة والدمى الإنسان والحيوان، كما تتحدّث عن الصفات الشخصية والأرواح والأجداد.

ممنوعة على النساء
عبر التاريخ، مُنعت النساء من صناعة الدمى كما من تقديم العروض. ويقول صانع الدمى برولاي كامارا إن صانع الدمى يخاطب الأرواح التي تحملها الدمى، ولا يحق للنساء ممارسة هذا الفن، ولا يتم تدريبهن عليه، لأنهن كثيرات الثرثرة ولا يحفظن الأسرار.

أما كوني التي تبلغ من العمر 60 عامًا، فتوضح أن الدمى التي تصنعها لا تمت إلى الدمى التقليدية بصلة. فهي لا تحمل الأرواح ومصنوعة من الطين والورق. كما تقول إن الدمى بذاتها لا تفعل شيئًا، إنما الرجال الذين يتحكمون بها هم المستعدون للقيام بأعمالٍ شريرةٍ.

كوني ولدت في عائلةٍ من النبلاء مكونة من 12 أخًا وأختًا، حيث كانت الوحيدة التي اختارت الدخول إلى عالم الفن، الأمر الذي لم يتقبّله والداها. كما هي الفتاة الوحيدة التي اختارت ألا تنجب كي لا تعوق تربية الأولاد طموحها.

كانت كوني محظوظة في المجال التي اختارته. فقد ولدت في السنوات الأولى من استقلال البلاد، واستطاعت أن تستفيد من استثمار الرئيس الأول للبلاد موديبو كيتا في الفنون. وكانت هذه أحد&العوامل التي ساعدتها على مواجهة الحواجز التي باتت مفروضة في السنوات الأخيرة.

تخطّت المحرّمات
كوني نفسها كسرت حاجز المحرّمات مراتٍ عديدةٍ. صنعت منحوتاتٍ لمهبلٍ مشقوقٍ كي تعبّر عن العذاب التي تتعرّض له الفتيات في بلادها، وأخرى تعكس صورة العنف المنزلي. كما صنعت مجسّمات&ساخرة&لنساءٍ يرتدين النقاب لتستنكر من خلالها هذه العادة المنتشرة في بلادها. وكانت قد قدّمت عرضًا مع فرقتها في عام 1990 عالجت خلاله موضوعات مماثلة.

لكن ما لبث هذا الطموح الفني أن توقّف بعد احتلالٍ جزئيٍ للجهاديين في عام 2012، والانقلاب على السلطة، فلم يعد الأجانب يأتون لحضور العروض وورشات العمل التي تحضّرها كوني. كما إن الدعوات لم تعد تأتي من الدول الأوروبية للمشاركة في المهرجانات.

تقول كوني: "إن الأوروبيين باتوا يخافون منا". كما إن المموّلين باتوا يفضّلون صرف الأموال على خدمات الأمن بدلًا من الفنون. لكن على الرغم من الظروف الصعبة، يستمر أعضاء فرقة كوني "شعلة الحرية" في صناعة الدمى عندما يجتمعون كل مساء، إلا أنهم نادرًا ما يستطيعون تقديم العروض.
&
&
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.economist.com/books-and-arts/2018/11/08/maoua-kones-taboo-busting-art?frsc=dg%7Ce
&