ما عادت الحروب التقليدية كافية، فثمة رديف لها. حروب معلومات الرأي العام هي ما يحسم الموقف، خصوصًا في الشرق الأوسط، حيث تدير أشد الصراعات التي لا تنتهي.

إيلاف من بيروت: ازدادت أهمية دور وسائل التواصل الاجتماعي في سياسة الشرق الأوسط منذ ربيع عام 2011. فقد سعت جهات فاعلة مثل إيران إلى استخدام هذه الوسائل للتأثير في الحوار في الداخل، وتقويض الخصوم في الخارج.

كيف ستكون مجريات هذا العصر الجديد من المعارضة وجيوش المتصيّدين (الترول) على الإنترنت؟

حروب معلومات

في الوقت الذي هيمنت فيه الحروب المستمرة في سوريا&واليمن على أخبار الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، أصبح للرأي العام العالمي مستوى جديد من الأهمية بالنسبة إلى الجهات الفاعلة الإقليمية المشاركة في هذه الصراعات.&

تعتبر وسائل الإعلام الإجتماعي من بين العوامل المؤثّرة الرئيسة في هذا الرأي العام. فهي أداة أحدثت تحولات جذرية في الاتصالات العالمية، والطريقة التي تستعملها مجتمعاتنا لمشاركة المعلومات والأفكار.

جرى نقاش في 16 نوفمبر في مركز المصلحة الوطنية تناول "حروب معلومات" الرأي العام التي ظهرت على الإنترنت، بالتوازي مع الصراعات العديدة التي تجري في جميع أنحاء المنطقة.

أدار النقاش جيلمان بارندولار، مدير دراسات الشرق الأوسط في مركز المصلحة الوطنية، كما برز في هذا النقاش خالد الجابر، مدير معهد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأستاذ مساعد في جامعة قطر وجامعة نورث ويسترن في الدوحة، ونيكي أخافان، أستاذة ورئيسة قسم الدراسات الإعلامية بالجامعة الكاثوليكية الأميركية.

غزو ثقافي

إدارة الإعلام الاجتماعي عمل يحقّق التوازن في الأنظمة الاستبدادية (أو شبه الاستبدادية) الشرق أوسطية، التي سعت إلى السيطرة على الحوار المحلي على الإنترنت وحمايته من التأثيرات الخارجية، بينما سعت إلى استخدام وسائل الإعلام الاجتماعي للتأثير في الرأي العام الدولي. عن تجربة إيران، على سبيل المثال، تقول أخافان: "لطالما كان لإيران هذا الموقف المتناقض في ما يتعلق بالإعلام المتواجد ووسائل الإعلام الناشئة. ولطالما عبّرت عن مخاوفها منذ البداية من أن وسائل الإعلام هذه يمكن استخدامها بوصفها شكلًا من أشكال الغزو الثقافي من الخارج، من أعداء إيران، لكنّها قي الوقت نفسه أدركت دائمًا قوة وسائل الإعلام في دفع جدول أعمالها إلى الأمام".

في البداية، أعطت وسائل الإعلام الاجتماعي أملًا للشرق الأوسط. كما أنشأ الربيع العربي، الذي نتج جزئيًا عن الحوار والتنظيم على الإنترنت، انفتاحًا جديدًا سمح بانتقاد الحكومات الأوتوقراطية. إذًا، اختلف الوضع عن السابق. وفي هذا السياق، أشار الجابر قائلًا: "كان برنامجًا مختلفًا، ولم تكن الحكومة قادرة على التحكم فيه بشكل دقيق كما تفعل مع وسائل الإعلام الأخرى".&

لكن سرعان ما ظهرت الأصوات الناقدة لوسائل التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى "الثورة المضادة" للحكومة. أضاف الجابر أن الحكومات في جميع أنحاء المنطقة تهيمن بشكل متزايد على منصات وسائل الإعلام الاجتماعي، باستخدام جيوش من الترول أو المتصيّدين على الإنترنت للتأثير في المناقشات العامة.

تتجنب دورها

كذلك، تستخدم الحكومات وسائل الإعلام الإجتماعي لحشد الدعم المحلي والأجنبي لسياساتها. صوّرت إيران تدخلها في سوريا&بأنه ضروري لمكافحة الإرهاب والتطرف. في المقابل، تجنّبت إيران التركيز على تورّطها الخاص في اليمن، وبدلًا من ذلك سلطت الضوء على الصراع باعتباره كارثة إنسانية عجّل بها خصمها أي السعودية.

وفقًا لأخافان، هذا ضروري لأن حتى في الفضاء السيبراني الإيراني، يتمتع نظام الأسد بسمعة وحشية، لذا فإنّ الدولة تصوّر تدخّلها كجهد لمكافحة الإرهاب بدلًا من حملة مؤيدة للأسد.&

تعكس وسائل الإعلام الاجتماعي المدعومة من الدولة هذا الأمر، مركّزة على تهديد الإرهاب، ناشرة بانتظام صورًا عنيفة لمقاتلي داعش، والجنود والضحايا الذين يقتلهم المتطرفون، والصور الرسمية لقادة إيرانيين تهدف إلى توفير جو من القوة والاستقرار. على النقيض من ذلك، ظلت وسائل الإعلام المحيطة بالتدخل في اليمن مركّزة على دور السعودية (ودور الولايات المتحدة بشكل غير مباشر) في إدامة أزمة إنسانية داخل الدولة الفقيرة.

يبدو أن هناك توافقًا في الآراء حول الطيف السياسي الإيراني بأنّ دور السعودية في النزاع اليمني لم يؤدّ إلّا إلى تفاقم المعاناة الإنسانية. وقالت أخافان إنّه من خلال استخدام صور مروعة، فإنّ إيران تستعين بوسائل الإعلام عبر الإنترنت لتقديم وجهة نظرها حول الصراعات في سوريا&واليمن. بينما تتناول طهران الحربين بشكل مختلف.

قبلة الموت

ناقشت أخافان أيضًا العواقب غير المقصودة للهجة الحكومة الأميركية في المنطقة. وهي تشير إلى أن الولايات المتحدة سعت إلى تفعيل الحركات النسائية الإيرانية لتقويض النظام. والجدير ذكره أنّه على الرغم من أن الدعم الأميركي لقضايا معينة قد يساعد هذه الحركات على ما يبدو، "عندما يكون هناك بيان من مصادر رسمية في الولايات المتحدة تدّعي التضامن، فهو بمثابة قبلة الموت [للحركات النسائية في إيران] لأنه يمكن عندئذ الاعتبار بأنها تعمل مع الولايات المتحدة أو لمصلحتها.

لا يعتقد الجابر أن أي شخص يتحكم في المعلومات عبر الإنترنت. بدلًا من ذلك، يشرح أنه توجد منظمات كبيرة تدير وسائل الإعلام الاجتماعية إلى درجة أنّها أصبحت "أداة الحكومة"، ما يعني أن إحدى الطرق الوحيدة لمطالبة المواطنين بالإصلاح قد ضاعت.

وفقًا لأخافان، وضعت إيران الكثير من الموارد في تصرف "جيوش المتصيّدين أو الترول". وأثمر الاستثمار في حالة سوريا، حيث تمكّنت طهران من تعكير المياه بما يكفي بحيث يتساءل المواطنون عن المعارضة بقدر ما يفعلون مع نظام الأسد.

غير أن المعارضة الإيرانية تتضمن بعض الأعضاء المحنكين في وسائل الإعلام الذين يسعون إلى كشف المراقبة عبر الإنترنت. يشير الجابر إلى أن القنوات الإخبارية مثل قناة الجزيرة، أدّت دورًا حاسمًا في الربيع العربي من خلال إلقاء الضوء على الحكومات الفاسدة. مع ذلك، ناضلت الحكومات لتكرار نجاح قناة الجزيرة في قنواتها الإخبارية الخاضعة للدولة.

غرف الصدى

إنّ السيطرة على الخطاب العام في الشرق الأوسط أداة غير كاملة. على سبيل المثال، يتمّ الحفاظ على سرعات الإنترنت في إيران منخفضة بشكل مصطنع، وتقوم السلطات بالفلترة ومحاولة حظر الأشياء، لكنّ جهودها تتلاشى وتتضاءل اعتمادًا على الاتجاهات الحالية والمناخ السياسي.&

يستمر المواطنون الأذكياء في الالتفاف على الرقابة مع الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، وهي اتصالات تسمح بالنشاط المشفر عبر الإنترنت. بالنسبة إلى معظم الناس، تعتبر الرقابة والضوابط على الإنترنت عائقًا، وهي ليست فاعلة تمامًا.

تتفق أخافان مع الجابر في أن التناقض غالبًا ما ينشأ بين الرسائل الموجهة إلى المواطنين، وما يتم تصويره للجمهور في الخارج. أثرت الانتكاسات من العقوبات الأجنبية، والمنافَسة من خصوم مثل (بي بي سي) سلبًا في الإذاعة التي تديرها الدولة في إيران (IRIB)، وهي لاعب رئيس في نشر الرسائل إلى الشعب الإيراني.

على الانترنت، هناك انفصال واضح بين الخطابين الأجنبي والمحلي. ففي حين أن المتصيّدين عبر الإنترنت لا يعطّلون الخطاب بشكل فاعل، إلا أنهم ينشئون غرف الصدى ويثنون الآخرين عن المساهمة في آراء مختلفة على منابر الإنترنت.

لمواجهة هذه القيود الواقعية على حرية التعبير، يجادل الجابر أن فايسبوك وتويتر وغيرهما من المنصات يجب أن تفعل&المزيد لمواجهة المتصيدين (الترول) عبر الإنترنت. إلا أن أخافان تلفت إلى أن حظر المستخدمين ليس حلًا مثاليًا، لأن المعايير التي تتعلّق بمن وما ينبغي منعه، تكون أحيانًا تعسفية، ما يخلق قيودًا على المناقشة العامة المفتوحة.&

أعدّت إيلاف هذا التقرير عن "ناشونال إنترست". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/how-social-media-being-used-middle-east-36857