احتفلت عائلة الجنرال الأميركي ومستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلين، طويلًا، ليل الثلاثاء الأربعاء، بعد الكشف عن فحوى المذكرة المُرسلة من قبل المحقق الخاص روبرت مولر إلى القضاء الأميركي.

إيلاف من نيويورك: أوصى المحقق الخاص بعدم سجن فلين في المحاكمة المزمع إجراؤها في الثامن عشر من شهر ديسمبر الحالي، على خلفية تعاونه بشكل كبير مع الإدّعاء، والمساعدة في التحقيقات المتعددة، وإدلائه بمعلومات تتعلق بالتنسيق بين الحكومة الروسية وحملة ترمب الانتخابية خلال الفترة الانتقالية.

صعود سريع وهبوط أسرع
تميّز الجنرال المتقاعد بصعوده السريع في السياسة الأميركية، وهبوطه الأسرع، فكان واحدًا من أوائل الشخصيات التي حجزت لها مكانًا في إدارة ترمب بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية.&

كما سجل اسمه كأول مسؤول رفيع المستوى يغادر الإدارة بعد إنكشاف أمر تضليله لنائب الرئيس مايك بنس، بخصوص المباحثات التي أجراها مع السفير الروسي السابق في واشنطن، سيرغي كيسلياك، وتطرقه إلى ملف العقوبات المفروضة من قبل إدارة أوباما على موسكو.

معاناة التحقيق
عانى مايكل فلين كثيرًا من التحقيقات الروسية، فمحققو "إف بي آي" لم يتوقفوا عند موضوع إدلائه بمعلومات كاذبة حول اللقاء مع كيسلياك فقط، بل عمدوا إلى فتح ملفات تتعلق به وبنجله مايكل فلين جونيور، كالعمل لمصلحة جماعات أجنبية من دون التسجيل في وزارة العدل، والتخطيط لإختطاف رجل الدين التركي فتح الله غولن المناهض لرجب طيب أردوغان.

فرحة عارمة
وبعد مذكرة مولر، الذي أوصى بعدم سجن مستشار الأمن القومي السابق، خرج نجل الأخير ليغرّد فرحًا ومتوجّهًا بالشكر إلى كل من وقفوا إلى جانب والده.&

اختلفت ردود الفعل بين أنصار الرئيس والمعارضة. فحاول رودي جولياني، محامي ترمب، التقليل من أهمية التعاون، معتبرًا أن "فلين لو امتلك معلومات ضارة بحق الرئيس، وأدلى بها إلى مولر، لكان ذلك قد انكشف"، بينما رأى عدد من المشرعين الديمقراطيين أن توصية مولر قد تهدف إلى تشجيع آخرين على التعاون مقابل عقوبات مخففة.

نهاية مشوار وبداية آخر
مشوار فلين العسكري انتهى عام 2014 في عهد الرئيس باراك أوباما، لتبدأ بعدها رحلة الجنرال في عالم السياسة. تعرف إلى ترمب للمرة الأولى في صيف عام 2015، أي في فترة إعلان الرئيس الحالي ترشحه للانتخابات الرئاسية.

قبل عامين من الآن تقريبًا، حل فلين ضيفًا على روسيا، في زيارة مدفوعة الأجر، للمشاركة في احتفال نظمته شبكة RT، وجلس خلال العشاء إلى جانب الرئيس فلاديمير بوتين. وفي عام 2016 إنضم إلى حملة ترمب الانتخابية، وبعد الانقلاب الفاشل في تركيا، خاض في مجال جماعات الضغط، فعمل لمصلحة حكومة أنقرة مقابل مبلغ مالي تجاوز خمسمئة ألف دولار من دون أن يسجل في وزارة العدل أنه يعمل لمصلحة كيان أجنبي.

الاتصال "الملعون"
انتصار ترمب في انتخابات نوفمبر جعله محط أنظار العالم، بعد تعيينه كمستشار في الأمن القومي. وقبل أن يطوي هذا العام صفحته فرضت إدارة أوباما عقوبات على روسيا، وطردت عددًا من دبلوماسييها. وفي المقابل قررت موسكو عدم التصعيد، ولعل هذه الحادثة شكلت منعطفًا كبيرًا في حياة فلين، الذي تواصل مع السفير الروسي، طالبًا منه عدم الرد على العقوبات، رغم نفيه القاطع في بداية الأمر.

الإدارة دعمته
تصاعدت الهجمة على فلين أكثر، واندفعت إدارة ترمب للوقوف إلى جانبه. فأكد نائب الرئيس مايك بنس، والمتحدث الإعلامي شون سبيسر، أن مستشار الأمن القومي لم يناقض ملف العقوبات، واكتفى فقط بالحديث عن ترتيب موعد اتصال بين الرئيسين الروسي والأميركي.&

لكن فريق الرئيس أوباما الأمني كمدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، والاستخبارات المركزية جون برينان، ووزيرة العدل بالوكالة سالي يتس بعثوا برسائل إلى الإدارة مفادها بأن فلين ضللهم.

تراجع لافت
استمرت الإدارة على موقفها، وطرد ترمب سالي يتس من منصبها، على خلفية موقفها من قرار منع مواطني سبع دول إسلامية من دخول أميركا موقتًا. وبدأ مكتب "إف بي آي" بإجراء تحقيقات حول مضمون الاتصال بين فلين وكيسلياك.&

عاد الأول ليقول إنه ليس متأكدًا مئة بالمئة من مناقشاته مع السفير الروسي. وأوردت وسائل الإعلام في بدايات شهر فبراير 2017 خبرًا يتعلق بتقديم فلين اعتذارًا من بنس، لتنتهي مسيرته في البيت الأبيض في الثالث عشر من الشهر نفسه.

أبواب الجحيم
الخروج من واشنطن فتح أبواب الجحيم في وجه مستشار الأمن القومي، ففُتحت ملفاته المالية، التي أظهرت تلقيه ما يقارب نصف مليون دولار من جهات تركية، وخمسة وأربعين ألف دولار من شبكة RT مقابل زيارة موسكو وإلقاء كلمة في الاحتفال.&

ولم يكد شهر إبريل يبدأ حتى رفضت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ تقديم الحصانة له، مقابل شهادته في موضوع التواصل مع روسيا.

تورط نجله
توالت الأحداث، فطرد ترمب جيمس كومي من منصبه، وعيّن روبرت مولر كمحقق خاص في التدخل الروسي، بناء على قرار رود روزنستاين نائب وزير العدل. وضاقت السبل أكثر على فلين، بعدما أضحى ابنه في مرمى المحققين. وساهمت علاقته بتركيا والوعودات التي قدمها مقابل منافع مادية في تضييق الخناق عليه.

فقد الجنرال هامش المناورة، وطفت إلى العلن معلومات تتحدث عن تمكن المحققين من الحصول على أدلة كافية لتجريمه ونجله. بادر باتجاه مولر، فقطع محاميه التعاون، وتبادل المعلومات مع فريق ترمب القانوني كخطوة أولى، ثم أُعلن رسميًا اعترافه بالكذب على المحققين، واستعداده للتعاون في مطلع ديسمبر 2017 ليوصي مولر فيه خيرًا بعد عام تقريبًا.
&