تحلّ في 2019 الذكرى السنوية الخمسمائة لوفاة ليوناردو دافينشي. ماذا كان ليكتب هذا المبدع لو سافر في الزمن 500 عام، ورأى التطور الذي نعيشه اليوم؟... هذه رسالته الخيالية.

إيلاف من دبي: إنك لا تنزل النهر نفسه مرتين، كما قال هيرقليطس. فما تمسّ من ماء جارٍ هو آخر الماء العابر وأول الماء الآتي.&
الأمر نفسه ينسحب على الوقت الحاضر. لكن، ظهر عليّ اليوم فجأة زائر في الإستوديو الخاص بي، خارجًا من فقاعة كبيرة في الهواء. ولأنه يسكن في زمن غير زمني، يجد تسليته في نقل الناس إلى عصور بعيدة عن عصورهم، لكن سرًا، لأن شعبه منعه من ذلك. عرض نقلي 500 عام نحو المستقبل، شرط أن أحافظ على سرّه، فوافقت فورًا، مدفوعًا برغبة طبيعية في المعرفة.

بناء على اقتراح مضيفي، كان عليّ ارتداء ملابس بسيطة. يلائمه أنني فيلسوف يعيش في عزلة سنوات عديدة، ويفضل عدم الحديث. أعطاني مستطيلًا زجاجيا&أسود، وحلقًا أثبته في أذني يترجم كلام الناس حولي بلغتي الخاصة. وقال لي أن أحمل المستطيل الزجاجي معي في جميع الأوقات، فحينئذٍ سيكون مظهري عاديًا.

سائل غريب
كأصحاب الخطوة الذين ينتقلون بوسائل غريبة إلى مختلف أنحاء العالم من دون أن يتحركوا قيد أنملة، أخذني مضيفي إلى شانغهاي، البعيدة في الشرق، وإلى نيويورك، البعيدة إلى الغرب، في أراضٍ سمّيت تيمنًا بأميريغو فيسبوتشي. هناك، ثمة مبانٍ ذات ارتفاع هائل، مصنوعة من زجاج على ما يبدو، غير مدعومة بحجر أو طوب، زُيّن بعضها بأضواء ملونة تتحرك، فتخلق وهم نافذة في مكان آخر.

فوق هذه المباني، ترتفع آلات طائرة، تقلّ الناس وتحمل البضائع. على عكس تلك التي رأيتها في أحلامي، لا تتحرك أجنحتها كطائر أو فراشة، بل هي ثابتة. تستمد قوتها المحركة من نوع من السوائل على غرار النافتا. عند عودتها إلى الأرض، تغذّى&هذه الآلات بهذه السوائل، كما يُغذى&المصباح بالزيت.

في الطرق المتعرجة بين مباني هذه المدن العظيمة عربات مدرعة بأعداد لا حصر لها، تدفع نفسها بنفسها من دون خيول، تغذى&أيضًا بسائل النافتا. الأجزاء غير المدرعة مصنوعة من مادة غريبة خفيفة ومرنة، لكنها قوية، ويمكن تشكيلها بأي شكل أو لون، وتستخدم أيضًا في صنع العديد من الأشياء الأخرى.

الأشد غموضًا
الأضواء التي تزين المباني لا تتغذى بسائل النافتا، لكن بسائل آخر غير مرئي للعين، يُجرّ في أسلاك معدنية مطلية بمادة غريبة.&
بهذا السائل الغريب يمكن تسخين الأفران من دون الحاجة إلى خشب أو أي وقود آخر، كما يمكن صنع السلالم والمربعات المعدنية لنقل الناس داخل المباني. يمكن أن يرفع هذا السائل أيضًا صوت العود، أو أي أداة أخرى، بشكل كبير، فتسمع صوته مجموعة كبيرة من الناس.

الأشد غموضًا بالنسبة إليّ هو سائل ثالث يتدفق بشكل خفي عبر الهواء، وينقل الكتابة والأصوات والصور بين المستطيلات الزجاجية، ما يسمح لها بالعمل كنوافذ مطلة على أماكن أخرى، ولالتقاط صور الأشياء بأمانة أكثر من أي لوحة. هذه القوة العجيبة تدفع الناس إلى النظر باستمرار إلى مستطيلاتهم الزجاجية، والتحديق في الصور الموجودة فيها. لم تعد اللوحة هي المقلد الوحيد لجميع أعمال الطبيعة المرئية، وكما إن المرآة سيدة الرسم، كذلك هذا النوع من المرآة الذي يثبت الصور في مكانها.

حتى الجوكوندا
نزور أرض كاليفورنيا لنراقب تحليق آلة ترفع الأجسام في السماء على عمود من نار، ثم تعود إلى الأرض؛ تلك الأشياء التي تحملها تُلقى في جميع أنحاء الأرض، بحيث تبقى عاليًا، وتدور في مدار حول الكرة الأرضية، كما يفعل القمر.

كما قام مخترع هذه الآلات بإنشاء عربات ذاتية الدفع، قادرة على التحرك من دون إشراف بشري. أتمنى أن أقابل هذا الرجل، لكن مضيفي يخشى أن يتعرف إليّ، إذ يبدو أن اسمي ومظهري معروفان، حتى في هذا الوقت، وأعمالي محفوظة.

يسعدني أن أرى العديد من أفكاري قد أُنجزت باستخدام المواد والأساليب التي لم تكن معروفة في زمني، بما في ذلك آلة الطيران التي تعتليها الأجنحة الدوارة، وجهاز يمكن الإنسان أن يتنفس تحته. ويسعدني أيضًا أن لوحاتي تحظى بالكثير من الاحترام. قبل إعادتي إلى زمني، يأخذني مضيفي إلى باريس، لأرى لوحتي "الجوكوندا" معلقة في مكان مشرف. هذا يذكرني: "عليّ حقًا يجب أن أنهيها".
&
&
&أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.economist.com/the-world-in/2018/11/22/leonardo-da-vinci-visits-2019
&
&