في تحرير الكويت، رفض بوش الأب غزو العراق. وعند انهيار جدار برلين، رفض إعلان النصر في الحرب الباردة. لطالما تجنب الطريق السهل، لأنه كان يعرف إنه الطريق الخطأ.

إيلاف من لندن: فيما تعدد أميركا مناقب رئيسها الراحل جورج بوش الأب، هناك من يرى أنها يجب أن تتوقف عند ما لم يفعله حين كان الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة. فحياته وسجله مثال على أن القيادة الحقيقية كثيرًا ما ترتبط بالشجاعة على تفادي الأشياء السهلة، لا الجرأة على الأفعال صعبة فحسب.

نجاحان

في هذا الشأن، كتبت صحيفة وول ستريت جورنال أن التاريخ سيُبين أن أكبر نجاحين في رئاسة بوش الأب، أي الانتصار في حرب الخليج والنجاح في إنهاء الحرب الباردة نهاية سلمية، تحققا لأنه قاوم الضغوط التي مُورست عليه للسير في الطريق السهل سياسيًا. وفي الحالتين، تعرض لانتقادات واتهم بالتردد. لكن شجاعته في مقاومة الطريق المغري صنعت الفارق بين الفشل والإنجاز التاريخي، على حد تعبير وول ستريت جورنال.

كانت اللحظة الحاسمة في حرب الخليج هي أواخر فبراير 1991 عندما نجحت قوات التحالف الدولي في طرد قوات صدام حسين من الكويت بعد احتلال دام سبعة أشهر.

كان النصر العسكري سريعًا، حتى أن بعضهم بدأ يحث الولايات المتحدة على اجتياح العراق لإسقاط صدام، لا سيما بعد انتفاضة المحافظات الجنوبية وكردستان العراق.

لكن بوش رفض، قائلًا إن هذا ليس التفويض الذي تلقاه من الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة. وتذكر مستشاروه الكارثة التي حلت بالولايات المتحدة عندما اندفعت قواتها خلال الحرب الكورية إلى الحدود الصينية.

قاوم الإغراء

كتب بوش ومستشاره لشؤون الأمن القومي برينت سكوكروفت في كتابهما المشترك "عالم متحول" (A World Transformed) أن القرار باجتياح العراق وإسقاط صدام حسين "كان سيكلف أثمانًا بشرية وسياسية لا يمكن حسابها"، وفي مقدمها انهيار التحالف الدولي الذي دعم الحرب، وانسحاب الدول العربية التي شاركت فيه.

قالا في كتابهما الصادر في عام 1998: "من الجائز أن الولايات المتحدة كانت ستبقى قوة محتلة حتى الآن لو سرنا في طريق الغزو".

لاحظت الصحيفة أن هذا المآل المفجع على وجه التحديد هو ما حدث عندما احتلت الولايات المتحدة العراق بعد خمسة أعوام على هذه الكلمات، في عهد جورج بوش الابن. وهكذا، صدق بوش الأب في توقعه العواقب التي اختار منتقدوه أن يتجاهلوها في حينه.

مرة أخرى، عندما سقط جدار برلين في أواخر 1989 ليُحدث شرخًا هائلًا في أركان الاتحاد السوفياتي، قاوم بوش إغراء الإعلان عن انتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة والتحرك بضغوط دبلوماسية واقتصادية وحتى عسكرية لإعادة توحيد المانيا وتركيع الاتحاد السوفياتي. وبلغة ذلك الزمن، كانت لديه فرصة "الرقص على الجدار".

سهل لكنه خاطئ

بوش رفض مثل هذا التوجه لأن هدفه لم يكن إعلان النصر، بل تمكين شطري ألمانيا من إعادة وحدتهما وترك الكتلة السوفياتية تتفكك بطريقة سلمية. كان يعرف أن هذا الهدف الأهم يتطلب مساعدة الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف على البقاء والإمساك بزمام الأمور.

هكذا، فإن بوش بدلًا من الإنجرار وراء نشوة النصر، كانت ردة فعله هادئة، ولم يحتفل. وأمر بألا تكون هناك أي شماتة. وعندما ألح عليه الصحافيون أن يبدي قدرًا من الابتهاج، قال: "ذهني ظل يفكر في إمكانية انطلاق حملة سوفياتية تحول كل السعادة إلى مأساة. وكانت إجاباتي حذرة"، كما كشف لاحقًا في كتابه.

بحسب وول ستريت جورنال، عندما اجتمع بوش بغورباتشوف لبحث فقدان سيطرة السوفيات على ألمانيا الشرقية، أعلن: "سنعامله معاملة الند للند".

تعرض بوش لانتقادات لاذاعة على "حصافته"، لكنه كوفئ بعد أشهر بتفكك الاتحاد السوفياتي سلميًا. فالطريق السهل سياسيًا كان الطريق الخاطئ.

أعدت "إيلاف" هذا المقالة عن "وول ستريت جورنال".