الرباط: جدد العاهل المغربي الملك محمد السادس التأكيد على ضرورة وضع مشاكل الشباب على رأس أولويات مخططات التنمية الجهوية، معتبرا أن المبادرات المتخذة في هذا المجال ظلت دون التطلعات.&

ودعا العاهل المغربي، في رسالة وجهها اليوم الاربعاء إلى الملتقى البرلماني الثالث للجهات بالرباط، لتظافر جهود كل السلطات والفعاليات المركزية والجهوية لتحقيق هذا الهدف، بما يسهم في تفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ويقوي آليات الوساطة على المستوى الترابي.

وقال العاهل المغربي، في الرسالة التي وجهها للمشاركين في الملتقى، تلاها عليهم مستشاره عبد اللطيف المنوني"لقد سبق أن دعونا المنتخبين خلال الدورة الثانية لملتقاكم هذا، إلى ابتكار حلول محلية تتلاءم مع مشاكل الشباب. غير أننا لاحظنا أن مبادرات الجهات بهذا الخصوص ظلت دون طموحنا، فضلا عن كونها لا تستجيب لتطلعات الفئات المعنية".

وجدد العاهل المغربي، في رسالته للملتقى الذي ينظمه مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان ) بشراكة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وجمعية رؤساء الجهات والجمعية المغربية لرؤساء الجماعات (البلديات) ،التأكيد على الطابع الأولوي غير القابل للتأجيل لهذا الموضوع، مشددا على وجه الخصوص، على العمل، وفق منهجية تشاركية، لبلورة خطط وبرامج جهوية لإدماج الشباب، مع مراعاة التكامل والانسجام مع الاستراتيجية الوطنية المندمجة للشباب، ومع برامج التنمية الجهوية".

كما دعا العاهل المغربي "الحكومة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وباقي الهيئات العمومية المعنية، إلى مواكبة الجهات بهذا الخصوص، ودعمها لتحقيق هذا الهدف، بما يسهم في تفعيل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ويقوي آليات الوساطة على المستوى الترابي".

وأضاف العاهل المغربي قائلا "ومن هذا المنطلق، فإن ملتقاكم مدعو إلى التفكير في سبل تفعيل الآليات التشاركية للحوار والتشاور، بما في ذلك كيفيات إشراك الفاعلين الجدد في مختلف الديناميات الاجتماعية على المستوى الجهوي، ضمانا لنجاعة العمل التشاركي مع المجالس الجهوية، وإبرازا للطابع الدامج لهذه الآليات، لاسيما للنساء وللشباب".

وأشار الملك محمد السادس في رسالته إلى أنه سبق أن دعا الجماعات الترابية (البلديات) إلى "أن تدرج ضمن برامجها مشاريع كفيلة بتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية والترابية، وتقليص مظاهر التهميش والإقصاء"، مضيفا "اننا لنوجه هذه الجماعات إلى العمل، بشراكة مع الدولة وباقي الفاعلين الترابيين، على وضع برامج ومشاريع تهدف إلى تقوية قدرات الفئات الوسطى في المجالات الحضرية، بموازاة مع تحفيز انبثاق وتوسيع طبقة وسطى فلاحية".

وأكد العاهل المغربي حرصه على "إنجاح الورش الإصلاحي الهيكلي للجهوية المتقدمة"، مشيرا إلى أنه يضعه في صلب توجهاته الاستراتيجية الرامية إلى ترسيخ مسار التحديث المؤسسي للبلاد و"توطيد بناء مغرب التضامن، والكرامة، والعدالة الاجتماعية والمجالية، والنهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة لفائدة كافة المواطنين".

وقال "ولا يخفى عليكم بأن النهوض الأمثل بهذا الورش الحاسم، لا يتوقف فقط على حجم الصلاحيات المخولة للجماعات الترابية، خاصة الجهات، بل يرتبط أساسا بكيفية ممارستها، وقدرة كافة الفاعلين، لاسيما المنتخبين، على التحلي بروح المسؤولية العالية، وترجيح العمل الجماعي البناء، والهادف إلى جعل خدمة المواطن أولوية الأولويات وتجاوز كل الاعتبارات الضيقة. ذلك أن المغاربة لا يريدون مؤسسات جهوية حبرا على ورق، وإنما يتطلعون لجهات فاعلة، تتجاوب مع انشغالاتهم الملحة، وتساهم في تحسين معيشهم اليومي".

وأضاف العاهل المغربي "إن التدابير والأوراش التي بادرنا إلى إطلاقها في الآونة الأخيرة، لاسيما منها المتعلقة باللاتركيز الإداري، وإصلاح منظومة الدعم والحماية الاجتماعية، ومنظومة التكوين المهني، وإعادة النظر في الإطار القانوني والتنظيمي للمراكز الجهوية للاستثمار، تندرج ضمن منظورنا الشامل، الهادف لتوفير أسباب النجاح لمسار التنمية الجهوية، والرفع من وتيرة تفعيله، وتأهيل جميع الجهات لممارسة اختصاصاتها على أحسن وجه". ومن هذا المنطلق، يضيف العاهل المغربي "نؤكد اليوم على ضرورة الحرص على التناسق والتكامل بين المهام الموكولة لكل الفاعلين العموميين الترابيين، وخاصة منهم الجماعات الترابية، علما بأن القوانين المنظمة لهذه الجماعات حددت للجهات مهام النهوض بالتنمية المندمجة والدائمة، كما رسمت لمجالس العمالات والأقاليم مهام النهوض بالتنمية الاجتماعية، خاصة في المجال القروي كما في المجالات الحضرية، وسطرت للجماعات مهام تقديم خدمات القرب للساكنة".

ودعا العاهل المغربي، المشاركين في الملتقى إلى "المساهمة في التفكير في وضع إطار منهجي، محدد من حيث الجدولة الزمنية، لمراحل ممارسة الجهات لاختصاصاتها، بشكل يراعي متطلبات التكامل بين الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة، آخذا بعين الاعتبار أيضا القدرات المالية والتدبيرية الخاصة بكل جهة، مع استحضار الحلول المؤسساتية الحديثة، التي أثبتت نجاعتها".

وقال "وإذ نسجل في هذا الصدد أن مختلف جهات المملكة قد قطعت أشواطا متفاوتة في وضع برامج التنمية الجهوية، فإن ضمان ترجمة هذه البرامج إلى منجزات فعلية متكاملة مع السياسات القطاعية على المستوى الترابي، يقتضي من الجهات عدم الاقتصار على قنوات التمويل المعتادة فقط، وإنما يتطلب إمعان التفكير في كيفية تعبئة التمويلات الضرورية لهذه البرامج وتنويعها عبر مختلف الشراكات بما فيها التعاون اللامركزي.

كما ندعو في نفس الإطار، الجهات إلى استثمار فرصة التقييمات المرحلية المقبلة لبرامج التنمية الجهوية، من أجل تقوية هندسة تمويل المشاريع المبرمجة في إطار هذه المخططات، ضمانا لواقعيتها ولنجاعتها".
وارتباطا بموضوع التمويلات، قال العاهل المغربي "لا داعي للتذكير هنا بمحدودية الإمكانيات المالية للدولة ككل. ومن تم، فإن الجماعات الترابية مطالبة بوضع برامج تنموية وبرامج عمل تراعي هذه الإكراهات، وخاصة من خلال السهر على تدبير مواردها المالية بكل نجاعة وفعالية، وتسخيرها للاستثمار الموفر للتشغيل المنتج ولصالح الحاجيات الحقيقية والملحة للساكنة".

وأضاف العاهل المغربي، في رسالته للمشاركين في الملتقى "إننا نعلم حجم انتظاراتكم المرتبطة بتنزيل الميثاق الجديد للاتمركز الإداري، وبالمراكز الجهوية للاستثمار، في صيغتها الجديدة، اعتبارا لما أصبحت تتوفر عليه من صلاحية عملية واسعة. وفي هذا الصدد، نوصي الجماعات الترابية أن تواكب المستجدات، وتراعي التطورات العميقة والمتسارعة، التي يعرفها المغرب والعالم من حولنا. كما يتعين عليها المبادرة لإقامة شراكات فاعلة ومنتجة مع الهياكل الإدارية اللامتمركزة، ومع الفاعلين في القطاع الخاص وفعاليات المجتمع المدني، ومواكبة تحسين مناخ ومساطر الاستثمار على المستوى الترابي".

كما شدد العاهل المغربي على أهمية اعتماد مبادئ الحوكمة الجيدة، وربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، التي اعتبرها "حجر الزاوية في تعزيز نجاعة المؤسسات، والنهوض بالتنمية الجهوية والمحلية المندمجة".&

وقال "ومن هذ المنطلق، ندعو الجماعات الترابية وكل المشاركين في هذا الملتقى إلى إعطاء المكانة التي تستحقها لهذا الموضوع، نقاشا وتطبيقا على أرض الواقع، حتى لا تظل الحكامة مجرد شعار أجوف،من دون مضمون حقيقي، ومن دون أثر ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين. فمن تثمين القدرات البشرية إلى المسؤولية والمساءلة، مرورا بالأنماط التدبيرية والآليات الإنجازية الحديثة، هناك مواضيع عديدة تسائلكم، وتنتظر منكم الوقوف على الأسباب الحقيقية للوضع الراهن، من أجل إيجاد الحلول الواقعية والشفافة للمشاكل المطروحة، والتجاوب الإيجابي مع مطالب وانتظارات المواطنات والمواطنين. وذلكم هو السبيل القويم للرفع من أداء المؤسسات، على المستوى الوطني والترابي على حد سواء، وتعزيز ثقة المواطنين فيها، والمساهمة في تحقيق التنمية المندمجة والعدالة الاجتماعية والمجالية".