لم يكد يمر أسبوع على فوز فلاديمير بوتين بمنصب الرئاسة في روسيا للمرة الرابعة، فإنه وجد نفسه في أصعب معارك موسكو مع الغرب منذ انتهاء الحرب الباردة، وتتمثل في الحصار الدبلوماسي الذي بدأ ضد بلاده بانتظار إجراءات عقابية أخرى.

إيلاف: التوتر الذي دخل مرة صعبة بين روسيا ودول الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، جاء بمثابة قنبلة موقوته في وجه بوتين، ولم يكن في حساباته حادثة تسميم الجاسوس سيرغي سكريبال.

ويبدو أن حادثة الجاسوس جاءت كـ"الشوكة التي كسرت ظهر البعير"، وهي فجرت النقمة الحقيقية ضد أفعال موسكو مع الغرب، وهي قائمة طويلة من أوكرانيا، وضم القرم، إلى التدخل في سوريا، واستمرار الاختراقات والاستفزازات الجوية والبحرية الروسية لسيادة دول الاتحاد ألوروبي ودول البلطيق.

وكانت توقعات كبيرة من جانب مصادر قرار ومحللين استراتيجيين روس وغربيين تحدثت عن المواجهة المحتملة بقوة بين بوتين والغرب عد انتخابه. 

ومن بين التوقعات ما نقلته صحيفة (واشنطن بوست) الأميركية قبل أسبوع عن جليب بافلوفسكي، مستشار الكرملين السابق الذي أصبح معارضًا لبوتين، حيث قال إن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قدمت لبوتين هدية الانتخابات باتهامه سريعًا بالوقوف وراء الهجوم على الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال، وأشار إلى أن رد الفعل البريطاني قد أغضب الروس، وكان دافعًا لبعض الناخبين الذين كان من الممكن أن يظلوا في منازلهم.

وكان بوتين قال عن قضية سكريبال أنه يعتقد أن أي شخص لديه منطق يفهم أنه من الجنون والحماقة والهراء التفكير بأن أي شخص في روسيا قد يسمح لنفسه بفعل شيىء مثل هذا عشية الانتخابات الرئاسية وكأس العالم التي ستضيفها روسيا في الصيف المقبل.

وأعلنت الولايات المتحدة الاثنين طرد 60 "جاسوسًا" روسيًا في إطار عمل منسق بين الدول الغربية للرد على قضية تسميم عميل روسي سابق وابنته بغاز الاعصاب في بريطانيا وتتهم موسكو بالوقوف وراء هذه العملية.

طرد عملاء
وقال مسؤول في الادارة الاميركية ان 48 "عميلا استخباراتيا معروفا" في القنصلية الروسية في سياتل (شمال غرب الولايات المتحدة) و12 من البعثة الروسية في الامم المتحدة أمهلوا سبعة أيام لمغادرة الولايات المتحدة. وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب إغلاق القنصلية في سياتل.

على هذا الصعيد، أعلن رئيس المفوضية الاوروبية، دونالد توسك، أن 14 دولة من دول الاتحاد الأوروبي قررت إبعاد ديبلوماسيين روس من أراضيها تضامنًا مع الموقف البريطاني، وهو ما يعد أسوأ أزمة ديبلوماسية بين الغرب وروسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم.

وأكد توسك أن الاتحاد الاوروبي قد يتخذ إجراءات إضافية ضد روسيا، وهو ما يراه مراقبون إشارة إلى روسيا كي تحسب حساب أي إجراءات مضادة قد تتخذها..

احتجاج 
إلى ذلك أبلغ السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنطونوف، الخارجية الأميركية باحتجاج روسيا الشديد على ترحيل 60 من دبلوماسييها من أمريكا وأكد أن هذا الإجراء استفزاز لن يمر بلا عقاب.

وقال أنطونوف، في تصريحات أدلى بها اليوم الاثنين عقب إعلان الإدارة الأمريكية عن ترحيل 60 دبلوماسيا روسيا على خلفية قضية تسميم العقيد السابق في الاستخبارات الروسية، سيرغي سكريبال: "اليوم في الساعة 08:00 صباحا وصلت إلى الخارجية الأميركية بدعوة منها للقاء نائب وزير الخارجية، ويس ميتشيل، الذي أبلغني بترحيل 48 دبلوماسيا وموظفا في البعثات الدبلوماسية الروسية، وبينهم 46 من واشنطن و2 من قنصليتنا العامة في نيويورك، ومنذ وقت قليل تلقيت معلومات إضافية حول إعلان 12 من موظفي بعثتنا في مقر الأمم المتحدة بنيويورك شخصيات غير مرغوب فيها، وإضافة إلى ذلك سيتم إغلاق قنصليتنا العامة في سياتل".

قنصلية سياتل
وبيّن المسؤول الروسي أن موظفي القنصلية في سياتل سينتقلون إلى بعثات دبلوماسية أخرى أو سيعودون إلى روسيا. وتابع أنطونوف: "بعد الاطلاع على هذه المعلومات أعربت عن احتجاجي الشديد على الإجراءات غير المشروعة للولايات المتحدة وشددت على أنه ليس هناك دليل واحد على تورط روسيا في المأساة التي حصلت في سالزبوري".

واعتبر أنطونوف أن اتخاذ هذا الإجراء دليل على أن "الولايات المتحدة تدمر ما تبقى من العلاقات الروسية الأميركية"، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تمثل ضربة موجعة إلى تشكيلة البعثة الدبلوماسية الروسية في أميركا.

وشدد أنطونوف على أن موسكو ستفعل كل ما هو ممكن لضمان عودة الدبلوماسيين الروس المرحلين من الولايات المتحدة إلى روسيا بسلامة خلال الفترة الزمنية المحددة.

وأكد أنطونوف على أن المسؤولية عن تقويض العلاقات الأميركية الروسية تتحملها الولايات المتحدة، فيما لفت إلى أنه "يجب ألا تمر مثل هذه الخطوات الاستفزازية بلا عقاب".

لغة القوة
وأوضح السفير الروسي، تعليقا على الرد المحتمل على هذا الإجراء أن "الولايات المتحدة لا تفهم إلا لغة القوة"، مشيرا إلى أن الخطوات الجوابية التي ستتخذها روسيا "ستكون مناسبة".

من جهته، اعتبر المندوب الروسي الدائم لدى الاتحاد الأوروبي، فلاديمير تشيجوف، أن طرد دبلوماسيين روس من عدد من الدول الأعضاء، سيحدث مشكلات في العلاقات الثنائية بين روسيا والدول التي أقدمت على هذه الخطوة.

وفي حديث لوكالة "إنترفاس" أعرب تشيجوف عن قناعته بأن القرار المذكور المتخذ من باب "التضامن الزائف مع الموقف البريطاني" لن يخدم إعادة الوضع في أوروبا إلى طبيعته".