الموصل: اصطف أهالي الموصل في شمال العراق بطوابير طويلة تظهر رغبة السكان في تغيير صورة المحافظة التي كانت الانتخابات فيها قبل عام "حراما" في قانون تنظيم داعش، وسعيا إلى انتخاب "الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار".

تقول أم سبهان (63 عاما) التي وصلت إلى مركز الاقتراع بابتسامة تكسر سواد عباءتها القديمة "انتخبت من أجل الأمن. نريد الأمان وإعادة الإعمار في نينوى والعراق بعدما تحررنا من داعش".

هذه الانتخابات التشريعية هي الأولى التي يشهدها العراق بعد هزيمة تنظيم داعش الذي كانت الموصل "عاصمة خلافته" واستعادتها القوات الأمنية في العاشر من يوليو الماضي.

تضم محافظات نينوى قوميات وإثنيات مختلفة من عرب وأكراد وتركمان وأيزيديين ومسيحيين وشبك. ولذا، فقد خصص لها 34 مقعدا في البرلمان العراقي، ثلاثة منها للأقليات. ومع فتح مراكز الاقتراع عند الساعة 07,00 (04,00 ت غ)، بدأ الناخبون بالتجمع في طوابير طويلة للإدلاء بأصواتهم.

في مدرسة "عامر عبدالله" المتوسطة في حي الثقافة بشرق الموصل، يؤكد أبو حسان بجلابيته البيضاء أن مرضه لم يمنعه من التخلف عن الحضور والإدلاء بصوته، رغم أن حظر التجول أجبر البعض على الوصول إلى المراكز سيرا، ما عدا باصات قليلة سمح لها بنقل المواطنين.

يقول الخمسيني الذي تبدو ملامح التعب على وجهه إن "بناء عراق جديد يستحق العناء. انتخبت للتغيير واختيار من يقود البلد نحو الاستقرار والأمان وتوفير الخدمات". ويعوّل الشاب صقر صدام سالم (20 عاما) من الزنجيلي، على المرشحين الجدد لتحقيق ذلك.

يقول سالم "انتخبت الأمان والاستقرار بعد المعاناة. أتمنى من الوجوه الجديدة أن تحارب الفساد" الذي يشكل قلقا لسكان العراق الذي يحتل مراكز متقدمة في لوائح الفساد العالمية.

فقدنا الثقة
انتشرت القوات الأمنية العراقية في المدينة السبت، وضربت طوقا أمنيا في محيط مراكز الاقتراع لتجنب أي حوادث، خصوصا بعد تهديد تنظيم داعش أخيرًا باستهداف الناخبين.

لم تستعد القوات الأمنية مدينة الموصل إلا بعد تسعة أشهر من المعارك الدامية بدأت في شرق المدينة، حتى غربها الذي شهد حربا ضروسا خصوصا في المدينة القديمة. ولئن عادت الحياة إلى طبيعتها في الجزء الشرقي من الموصل، فان الدمار لا يزال شاخصا في غربها، حيث أكوام الركام والحطام، وحتى رائحة جثث متحللة من تحت الأنقاض إلى جانب عبوات لم يتم تفكيكها بعد.

تلك الحالة التي لم تتغير، دفعت بالبعض إلى اليأس من أي محاولة لإصلاح ما أفسدته سنوات حكم الجهاديين. في حي الزنجيلي في غرب الموصل، يفترش بعض الناخبين من رجال ونساء، كبارا وصغارا، الأرض أمام مركز "متوسطة بدر الكبرى". من بين هؤلاء أبو شرف (45 عاما) الذي قرر المقاطعة، لكنه جاء ليلغي بطاقته منعا لاستغلالها في أي عملية تزوير محتملة كما يقول.

يبرر الموصلي العاطل عن العمل امتناعه عن التصويت بالقول "فقدت الثقة بالجميع، بعد الخذلان الذي رأيته من المسؤولين طيلة السنوات الماضية".

لكن الشاب قاسم فهد (28 عاما) الذي يعمل بائعا للشاي في المنطقة، لا يوافقه الرأي. فرغم كل شيء، ما زال فهد يأمل بمستقبل أفضل. ويقول "انتخبت هذا اليوم، عسى أن أحظى بفرصة عمل. أنا خريج منذ سنوات".

تنظيم العلاقة مع بغداد
بعد الغزو الأميركي للعراقي في العام 2003، تحولت الموصل ذات الغالبية السنية والأقليتين الكردية والمسيحية، إلى معقل رئيس لتنظيم القاعدة وأنصار الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.

لم تلامس نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية الماضية، التي أجريت قبل أشهر قليلة من اجتياح تنظيم داعش للمدينة في يونيو 2014، إلا خمسين في المئة بسبب الخوف من تهديدات الجهاديين آنذاك. ويرى مراقبون أن أهمية هذه الانتخابات تكمن في أنها ستحدد مستقبل محافظة نينوى وعلاقتها مع المركز قياسا بالدورات السابقة.

الدليل على نية التغيير في المحافظة، هو أن 75 في المئة من المرشحين هم من الوجوه الجديدة، والأحزاب السنية السائدة غيرت أسماءها لعدم ربطها بالأحداث الماضية.

في هذا السياق، يوضح المحلل السياسي علي الزبيدي أن نتائج عملية الاقتراع الحالية "ستحدد مستقبل نينوى المحررة من سيطرة داعش".

يضيف أن المحافظة ستسعى إلى "تنظيم علاقتها مع الحكومة المركزية بشكل أفضل"، من خلال المرشحين المستقلين الجدد الذين تربطتهم أفضل العلاقات مع بغداد، بحسب قوله.