لندن: كان برنارد لويس باحثًا غزير الانتاج، أسهمت أعماله التي تزيد على 30 كتابًا بقسط كبير في تشكيل آراء الغرب بالشرق الأوسط. وكان أكبر الباحثين الغربيين المختصين بتركيا في القرن العشرين. ويمكن القول إن نظرة الاوساط الاكاديمية التركية إليه تختلف اختلافًا تامًا عن صورته في الدراسات العربية. وقال لويس ذات مرة: "عند البعض، أنا عبقري نابغة، وعند البعض الآخر أنا الشيطان مجسدًا".

نظر كثيرون إلى برنارد لويس على أنه قام بدور كبير في ظهور الاستشراق والاسلاموفوبيا. وهو الباحث الذي نحت مصطلح "صدام الحضارات" الذي استعاره لاحقًا صاموئيل هنتنغتون. ومن المواضيع الأخرى المثيرة للجدل في حياة لويس الأكاديمية المديدة معارضته لوصف ما حدث في عام 1915 بأنه "إبادة جماعية بحق الأرمن". واتُهم بالتقليل من خطورة جريمة الإبادة الجماعية وحتى إنكارها.

في ما يتعلق بتكريس حياته الأكاديمية لدراسة الشرق الأوسط، قال إنه ليس نادمًا. واضاف: "تعلمتُ تقدير ثقافات أخرى، حضارات أخرى، أزمنة أخرى، أماكن أخرى، شعوب أخرى والبقاء مرتاحًا مع مَنْ أكون وماذا أكون وأين أكون".

شاهد على التاريخ

في آخر مقابلة مع برنارد لويس نُشرت مقتطفات منها في مجلة بوليتوركو، سُئل إن كان يفضل أن يكون شاعرًا أو روائيًا بدلًا من مؤرخ مرموق. واعترف في معرض رده بأن مشروع حياته الأول كان مختلفًا.

قال: "طموحي الأول كان أن اصبح كاتبًا ودراستي التاريخ اعطتني شيئًا أكتب عنه. الشعر يتعلق بالمشاعر والرواية بشخصيات وأحداث خيالية، أما التاريخ فيتعامل مع أشخاص حقيقيين، واحداث حقيقية، والمؤرخون يصفونها ويناقشونها".

لم يكن لويس مؤرخًا فحسب، بل شاهدًا على التاريخ ايضًا. وحين كان طالبًا شابًا تعلم التركية في باريس من عدنان إديفار، وهو عالم تركي معروف كان ضمن الدائرة القريبة من كمال اتاتورك. وقال لويس إن عدنان "بيه" كان "احد المؤثرات التكوينية في حياتي، وعرَّفني على سعة الأدب التركي وعمقه، وسأكون دائم الامتنان لذلك".

استمرت علاقة لويس بالنخبة التركية في السنوات اللاحقة حين كان يدرّس تاريخ الشرق الأوسط في جامعة برينستون. وكان صديقًا حميمًا للرئيس التركي الثامن تورغوت اوزال الذي توفي في عام 1993. وقال لويس إنه التقى أوزال قبل أن يصبح سياسيًا معروفًا بزمن طويل.

معارضة إدوارد سعيد

تطرق لويس في حديثه إلى وضع الدراسات الشرق أوسطية في الغرب حاليًا، قائلًا إن تأثير إدوارد سعيد كبير وتلاميذه متنفذون، لكنه اقر بأن هذا النفوذ لا يمتد إلى كل أقسام دراسة الشرق الأوسط في الجامعات الغربية. قال: "المعارضة ضد تأثير سعيد تتنامى وتتسع".

أشار الصحافي الذي أجرى المقابلة مع لويس إلى حس الفكاهة الذي لفت انتباهه في مذكراته.

قال لويس في هذا الشأن: "إن شكلًا من الفكاهة جزء ضروري من أي حضارة. والنكتة تكون احيانًا شكل النقد أو المعارضة الوحيدة التي يمكن التعبير عنها في مجتمعات سلطوية، أي في أغلبية العالم وأغلبية التاريخ".

اضاف أن هناك ما يتعلمه المرء من الضحك على نكتة قيلت منذ زمن طويل، ولا سيما أن "الموضوعات كثيرًا ما تكون واحدة لكنها احيانًا متعارضة. وعلى سبيل المثال، إن النكات عن الحماة تُروى في المجتمعات الشرقية والغربية ولكن الموضوعة تكون من جهة عما يعانيه الرجل من أم زوجته ومن الجهة الأخرى ما تعانيه المرأة من أم زوجها".

أتعامل مع الماضي

حين سُئل برنارد لويس عن الدعوى التي أُقيمت ضده في فرنسا بتهمة إنكار جريمة إبادة الأرمن، قال: "انا لستُ مواطنًا فرنسيًا ولا مقيمًا في فرنسا ومنذ أن بدأت هذه الاجراءات القانونية اللامعقولة لم أزر البلد ولن أزوره. وبالتالي، هذه القضايا لا تهمني، لكنها يجب أن تهم كل فرنسي يحترم نفسه".

اكد أن مقاضاته في المحاكم الفرنسية "كانت خبرة مؤلمة، لكنها ليست أهم المراحل في حياتي. والمشاكل التاريخية يجب ألا تُحل بالتشريع ومحاولة ذلك لامعقولة ومؤذية على السواء".

يقتبس برنارد لويس في مذكراته تعليق المفكر السوري الراحل صادق جلال العظم على مستقبل اوروبا، وهل ستكون هناك اوروبا مؤسلَمة أم اسلام متأورب. وحين سُئل لويس عن هذا الاقتباس اجاب انه ليس متنبئًا ولا إبن متنبئ بل "أنا مؤرخ أتعامل مع الماضي وليس مع المستقبل".

اعرب برنارد لويس عن قلقه بشأن الاتجاه الذي تسير فيه تركيا، وقال إنها لم تعد بلدًا علمانيًا وابدى شكوكًا في مستقبل الديمقراطية في تركيا. وحين سُئل عن مستقبل تركيا هز كتفيه وأجاب: "كما قلتُ سابقًا، أنا مؤرخ، أتعامل مع الماضي لا المستقبل. وعلى الأتراك أن يقرروا إلى أين يسيرون وبأي طريق".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "بوليتوركو". الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.politurco.com/bernard-lewis-the-last-interview.html