نصر المجالي: لم يشهد التاريخ قديمه وحديثه جدلا حول رجل كما شهد حول صاحب بل المقولة الشهيرة: "كن قاسيا أو اخرج"، والتي عرفت بمبدأ "القسوة أو الخروج". برنارد لويس أحد عمالقة الفكر الذي غادر عالمنا يوم 19 مايو 2018 عن ناهز 102 سنة في نيوجيرسي في الولايات المتحدة.

تقول المصادر المعرفية إن تأثير برنارد لويس يمتد إلى ما وراء العمل الأكاديمي، ليبلغ الناس. فهو باحث رائد في التاريخ الاجتماعي والاقتصادي الشرق أوسطي، ومعروف ببحوثه الشاملة في الأرشيف العثماني، وكان ابتدأ مهامه البحثية بدراسة عرب القرون الوسطى، لا سيما تاريخ السوريين. 

لكن لويس اضطر لتغيير اختصاصه بعد اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي واتجه إلى الدراسات التركية نتيجة منع معظم الدول العربية من دخوله لأراضيها للدراسة والبحث التاريخي لأنه يهودي الأصول. 

التاريخ الاسلامي والعربي 

واعتبرت محاضرته الأولى التي كرست للنقابات المهنية لدى مسلمي القرون الوسطى العمل الأكثر إعتمادية عليه لما يناهز الثلاثين سنة الأخيرة. ثم انتقل لويس لدراسة الدولة العثمانية، فيما واصل البحث في التاريخ العربي من خلال الأرشيف العثماني. 

وأدت سلسلة الأبحاث التي نشرها لويس على امتداد بضعة سنوات لاحقة إلى تثوير تاريخ الشرق الأوسط عبر تقديمه صورة واسعة للمجتمع الإسلامي، تشمل الحكومة والإقتصاد والجغرافيا السكانية.

ووفق تحليل لصحيفة (واشنطن بوست)، فإن كتابات برنارد لويس المولود لغائلة يهودية متوسطة الحال في لندن، أثرت كتاباته في أجيال من المختصين في الإسلام، ولكنه كان أيضا درس في جامعاتها وكذلك في باريس، قبل أن يصبح أستاذا محاضرا للدراسات الإسلامية سنة 1938، ثم عمل مع المخابرات البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك درس طويلا في جامعة برنس تاون في نيوجيرسي.

تأييد إسرائيل 

ويعد لويس مؤيدا بشدة لإسرائيل ومقرب من المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وهو من بين الشخصيات المؤثرة في البيت الأبيض والبنتاغون، الذين خططوا للاجتياح الأميركي للعراق سنة 2003، غير أن لويس نفى تأييده لغزو العراق، رغم أنه من مؤيدي انتهاج السياسات الصارمة الخاصة بالشرق الأوسط.

وخلال مشواره الطويل، تركزت أعمال برنارد لويس بصفة خاصة على معالم إعادة تشكيل الشرق الأوسط، كالانقسامات العرقية والتشدد الإسلامي والأنظمة الاستبدادية المدعومة أحيانا من الغرب. 

عقيدة تآكلت

وبينما كان برناد لويس يمتدح الإسلام ويعتبره عقيدة عظيمة، إلا أنه كان يقول إنه عقيدة تآكلت بفعل ارتهانها لردات فعل الغضب وعدم التسامح والمفاهيم الخاطئة. وكان المقال الذي حصل عليه على جائزة "George Polk" عنوانه (أزمة الإسلام) والذي أصبح في ما بعد عنوانا لكتاب.

ويبرر لويس الاضطرابات الحاصلة في الشرق الأوسط بأنها نابعة من مجتمعات الدول ذاتها، وأن معظم تلك الاضطرابات ليست نتيجة للأمراض الموروثة من الاستعمار، أو التدخلات الخارجية.

وإلى ذلك، فإن الانتقادات التي ظلت لعقود موجة للويس كانت بشأن رؤيته المركزية لصراع الحضارات في الشرق الأوسط، والتي تطرق لها قبل سنوات قليلة من صامويل هانتغنتون. 

ومن بين منتقدي برنارد لويس المفكر والناقد الفلسطيني الأميركي إدوارد سعيد، الخبير في دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولمبيا الأميركية، والذي وصف برنارد لويس سنة 1982 "بعالم السياسة النشط وأحد عناصر مجموعات الضغط (لوبي) ومروجي الدعاية". في المقابل اتهم لويس ادوارد سعيد "بإطلاق العنان لخليط بغيض من السخرية والتشويه".

عبقري وشيطان

ورغم كل الانتقادات والجدل المثار حوله بالنقد، إلا أنه حظي ايضا بالمديح، وكان هو نفسه وضع توصفا لنفسه في حديث لدورية التعليم العالي عام 2012 حيث قال: "بالنسبة للبعض أنا عبقري كبير، وللبعض الآخر أنا تجسيد للشيطان".

ومما وجه إيه من المديح على سبيل المثال، ما كان قاله نائب الرئيس الأميركي الأسبقديك تشيني: "إن صانعي السياسة والدبلوماسيين وأقرانه من الأكاديميين والإعلام الجديد يسعون يومياً إلى حكمته في هذا القرن الجديد".

وقال عنه المؤرخ الأميركي جول بنين من جامعة ستانفورد والمختص بدراسات الشرق الأوسط بأنه "لربما أكثر مناصري الصهيونية المتعلمين ذوي اللسان المبين في الأوساط الأكاديمية المعنية بالدراسات الشرق الأوسطية على قارة أميركا الشمالية".

ومن كتبه التاريخية الشهيرة "أصول الاسماعيلية"، "العرب في التاريخ"،"الحشاشون فرقة متطرفة في الاسلام"، الاسلام في التاريخ" "اكتشاف المسلمين لأوروبا"، " الاسلام من النبي محمد الى الاستيلاء على القسطنطينية" و"العرق والعبودية في الشرق الأوسط: استقصاء تاريخي"، ومن ابرز كتبه التي تناولت الشرق الأوسط الحديث: "مستقبل الشرق الأوسط" و"تعدد الهويات في الشرق الأوسط" و"ظهور تركيا الحديثة" و"تشكيل الشرق الأوسط الحديث".

الجنسية الأميركية

يذكر أن برنارد لويس كان انتقل من بريطانيا إلى الولايات المتحدة حيث أصبح أستاذا محاضرا بجامعة برنستون وجامعة كورنل في السبعينات. وحصل على الجنسية الأميركية سنة 1982 كما حاز على العديد من الجوائز من قبل مؤسسات تعليمية أميركية لكتبه ومقالاته في مجال الإنسانيات.

وكان لويس الذي اجتذبته اللغات ودراسة التاريخ منذ سن مبكرة، اكتشف عندما كان شابا اهتمامه باللغة العبرية ثم انتقل إلى دراسة الآرامية والعربية، ثم بعد ذلك اللاتينية واليونانية والفارسية والتركية. 

تخرج عام 1936 من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (SOAS)، في جامعة لندن، في التاريخ مع تخصص في الشرق الأدنى والأوسط. حصل على الدكتوراه بعد ثلاث سنوات، من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية متخصصاً في تاريخ الإسلام.

وكان لويس اتجه أيضا لدراسة القانون، قاطعاً جزءاً من الطريق نحو أن يصبح محاميا، ثم عاد إلى دراسة تاريخ الشرق الأوسط 1937. والتحق بالدراسات العليا في جامعة باريس السوربون، حيث درس مع لويس ماسينيون وحصل على دبلوم في الدراسات السامية عام 1937. عاد إلى SOAS في عام 1938 كمساعد محاضر في التاريخ الإسلامي.