أصيلة: استضاف منتدى أصيلة الثقافي الدولي طوال يومي الأربعاء والخميس الحادي عشر والثاني عشر من شهر تموز الجاري نخبة متنوعة من الباحثين والخبراء والساسة العرب لمناقشة المأزق العربي الراهن لبحث الممكنات والأفاق التي يمكن بها العبور من مرحلة المأزق الى الانفراج.

ويأتي اختيار موسم أصيلة لموضوع الندوة لما يثير المواطن في كل الاقطار العربية من وضع راهن مليء بالتقلبات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد أن خدرته الانظمة السياسية بمسوغات قومية ووطنية لتمرير فشلها وفسادها لعل أبرزها القضية الفلسطينية التي ظلت اجيال عربية تؤمن بقدسيتها لتحبطه ذات الانظمة بتخليها عن هذه القضية تحت مسوغات جديدة أبرزها التكيز على الوضع الداخلي ومجابهة التهديدات الداخلية وصعود حمى الطائفية التي كانت الأنظمة ذاتها سبباً في تأجيجيها.

ولتحليل هذا المأزق الذي المأزق الراهن جمع منتدى أصيلة الثقافي الدولي نخبة كبيرة من الساسة والباحثين والخبراء لتحليل أسباب الفشل من خلال ثلاثة محاور: حراك الشارع والمأزق العربي الراهن، الأنظمة الاستبدادية والتحول الديمقراطي المعاق ومصاعب العبور من المأزق الى الانفراج.

أدار الجلسة الاولى من الندوة استاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس في الرباط محمد تاج الدين الحسيني وضمت كلاّ من: الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية وزير الخارجية المصري السابق عمرو موسى، المبعوث الخاص للديوان الملكي البحريني وزير الدولة لشؤون الاعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة البحرينية سابقا سميرة إبراهيم بن رجب، وزير الاعلام الاردني السابق صالح الغلاب والكاتب اللبناني محمد القواس.

الأمين العام لمنتدى أصيلة الثقافي الدولي وزير الخارجية المغربي السابق محمد بنعيسى تحدث في كلمة افتتاحية للندوة بيّن فيها أن "ندوة مأزق الوضع العرابي الراهن: الممكنات والآفاق، ليست مجرد ترف فكريأو دردشات ثقافية، بل هي في نظرنا استجابة لنداء ملح يلاحق النخب والرأي العام على السواء، في كل الأقطار العربية، سواء تلك التي تعاني ظروفاً صعبة أو مثيلاتها التي تتوجس من المجهول".
و"إن الاحساس بالأزمة ووطأة الظروف يتقاسمه بل يعاني منه أغلبية العرب، لأنهم أولاً جزء من هذا العالم المضطرب، ولأن لهم نصيباً من مشاكلهم الداخلية".

وأضاف بنعيسى الحديث عن مأزق الوضع العربي، في الندوة، لايعني التعميم أو المبالغة،"إنما تحديداً مناطق بعينها، تعرف للاسف الشيديد أزمات بلغت مستوى الحروب الداخلية، وكأن العقل السياسي فيها أخذ عطلة ممدّدة أو استقال عن التفكير بتعبير المفكر محمد عابد الجابري".

وتطرق بنعيسى الى التجربة السياسية المغربية التي مهدت أجواء الحوةاء والتشاور فيها لاستشراف مختلف القضايا ومعالجتها بالحوار والتوافق.

قبل قيامة 2011

الأمين العام السابق لجامعة الدول العرية عمرو موسى أسهب في الحديث عن تعريف المأزق العربي الذي قال عنه من السهل أن نقول إنه "مأزق له آثاره في كل دولة عربية.

واعتبر ما يعاني منه العالم العربي بسبب فشل النظام العربي، الذي ولد في الاربعينيات، في التداخل مع العصور والنظم والأفكار المطروحة في العالم كله.

ورأى موسى أن "اعترافنا بالفشل هو البداية الضرورية للبحث عن حل، محملاً ادارات الحكم في كثير من الدول العربية. فشل في الخدمات وفي إسعاد الناس ومكافحة الفساد، مما أدى الى تفكك النظام العربي قبل قيامة 2011 التي أسميت بالربيع العربي".

وأضاف أن ليس الهدف من هذه الندوة تحليل الوضع العربي إنما تفهمنا وتوافقنا للشارع الذي يعني المواطن يطالب بحياة أفضل، فمسألة المواطنة يجب أن تكون أساسية فهمنا للوضع العربي".

وشدد على عدد من النقاط التي يطالب بها المواطن العربي مثل مبدأ المواطنة وعدم التفرقة وومكافحة الفساد المستشري في غالبية المؤسسات في العالم العربي ودعم مؤسسات المجتمع المدني التي رأى أن القرن الحادي والعشرين ليس قرن الدولة وحدها بل قرن الدولة والجتمع المدني.

وحول التدخل الخارجي قال موسى أن سببه ضعف النسيج الوطني وفشل النظم ادارة الدول بطريقة صحيحة.

وأكد موسى رفضه لما بات يعرف بصفقة القرن لحل القضية الفلسطينية قائلاً: إن صفقة القرن الحقيقية يجب أن تكون المبادرة العربية التي أطلقها العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز عام2002 لأنها كانت متوازنة مساءل مثل الأمن والحقوق المتنزاع عليها والتعايش والتطبيع والاعتراف"، مشدداً على أن أي صفقة لا تؤدي الى صيغة منصفة ومقبولة من العرب لن يكتب لها البقاء.

وخلص موسى أن هذه المرحلة يمكن أن تكون عابرة أذا أصلحنا مجتمعاتنا، مستذكراً كيف بدأ هو لما كان وزيراً للخارجية بوضع اللبنات الأولى مع وزير خارجية المغرب السابق محمد بنعيسى لما عُرف لاحقاُ بـ"اتفاقية أغاديرللشراكة الاقتصادية والتبادل الحر" بين المغرب ومصر والادرن وتونس لتكون إطاراً مشابهاً لاتفاقية الاتحاد الأوربي التي بدأت بالسوق الاوربية المشتركة من ستة أعضاء.

تغييب النخب

المبعوث الخاص للديوان الملكي البحريني وزير الدولة لشؤون الاعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة البحرينية سابقا سميرة إبراهيم بن رجب تحدثت عن تعامل كل دولة عربية مع أزمة الواقع العربي بطريقتها الخاصة. ورأت أن للمأزق العربي أسباب تستدعي علاجها من قبل الجميع.

وقالت بن رجب إن "السياسات العربية تميزت بتهميش النخب، فأدى ذلك لابتعاد الشعوب عن ممارسة دورها الشرعي في دعم الأنظمة، فتسبب ذلك بعدم الرضا من قبل المواطن مما مهد للتدخل الخارجي الذي استغل عدم الرضا هذا".

وأضافت أن "العرب دخلوا القرن الجديد من خلال كذبة اسمها القرية الكونية والعولمة التي تم استغلالها بحرفة اعلامية غربية لتصويرنا كارهابيين وتم فرض هذا الوصف علينا كعرب".

وأكدت أن دولاً مثل الصين وروسيا واندنوسيا والهند استطعات النهوض دون فرض الديمقراطية الغربية عليها. وأوضحت أن فرض الديمقراطية الليبرالية علينا وتنميطها يعتبر أمراً خاطئاً، لأنها لا تلائم العالم العربي، فقد ظهرت في القرن الثامن العشر في المجتمعات الغربية.

 وتساءلت عن سبب عدم عمل النخب السياسية، خاصة المعارضة، بالديمقراطية فتكلست حتى انفض الجمهور عنها. ورأت أن كل ذلك بحاجة لدراسة انثربولوجية واسعة لمعرفة أسباب الفشل.

دول الجوار

الكاتب ووزير الاعلام الاردني السابق صالح الغلاب تساءل عن كيفية حل أزمات كبيرة في سورية أو العراق أو ليبيا التي بات شخصياً عاجزا عن أيجاد حل لها. واسهب في الحديث عن دول الجوار العربي مثل تركيا وإيران واسرائيل التي باتت فاعلة وتدير الصراع في سورية وتضع حلولا تناسبها وحدها للصراع في هذا البلد العربي.

حيثيات محلية

الكانتب اللبناني محمد قواص رأى أن الحديث عن العامل العربي كان بالامكان أن نشرع به قبل أربعين عاماً. وتطرق الى ما جرى في تونس الذي كان بحيثيات تونسية وعلى الرغم من من انتقال العدوى، تالياً الى مصر وليبيا، لكن الحراك فيهما كان بحيثيات مصرية وليبية.

وأشار للمزايدة التي استخدمتها الأنظمة العربية باستخدام القضية الفلسطينية مبرراً تقصيرها عن معالجة مقومات الفشل الداخلي. لكن اليوم بتنا نسمع عن قضايا غير القضية الفلسطينية مثل القضية السورية والليبية والعراقية. وضرب مثلاً في تفهم الدول في المغرب والاردن لخروج الشارع فكان ذلك أساس التفهم أساساً لوضع الحلول. 

ودعا الى عودة العرب، اليوم، للقضية الفلسطينية لتكون مركزية، لا ليزايدوا بها، بل ليعالجوا مشاكلهم مجتمعين. والى طرح سؤال ماذا يريد المواطن العربي من الغد، فهو أمر في غاية الأهمية لوضح الحلول.

وشهدت الجلسة مداخلات من الحضور والردود عليها كان أبرزها تأكيد عمرو موسى على عدم وجود أمة عربية واحدة بل عالم عربي فيه العرب والأمازيغ والكودر والتركمان وبقية القوميات.

الديمقراطيون أيتام

جلسات اليوم الثاني أمتدت طوال يوم الخميس صباحاً ومساءً ففي الجلسة التي أدارها الكاتب اللبناني محمد قواص وضمت استاذ العلوم االسياسية في جامعة الامارات العربية المتحدة وعبد الله ولد باه المحلل السياسي وعميد كلية الاداب والعلوم الانسانية في نواكشوط ووزير الاعلام الفلسطيني السابق نبيل عمرو والكاتب وسفير اليمن السابق في اسبانيا مصطفى النعمان، طرح عبد الخالق عبد الله سؤالا جوهرياً حول سبب عدم التحول الديمقراطي في الوطن العربي الذي لم يتحقق خلال 100 سنة، ورأى أن جميع مناطق العالم شهدت تحولات ديمقراطية منذ 30 عاماً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أنجزت تحولها الديمقراطي بنجاح معين حتى أفريقيا الا المنطقة العربية، فلم يبرز فيها نموذج واحد للديمقراطية يمكن أن يكون ملهما، حتى تونس التي صنفت في مؤشر الديمقراطية ضمن التسلسل 69 جاءت في خانة الديمقراطريات الهشة. وتوقع عبد الله عدم ظهور نموذج عربي للديمقراطية خلال السنوات العشر المقبلة. ورأى أن النتائج الكارثية للربيع العربي كلها تخدم أعداء الديمقراطية في الوطن العربي. وخلص الى أن الديمقراطية اليوم يتيمة بلا أب ولا أم والديمقراطيون أيتام وحدهم في الساحة وسط توق الشعوب لنموذج الرجل القوي.

عبد الله ولد باه ركز على أمرين هما تسابق دول المغرب العربي للالتحاق بالانظمة الاقليمية الأفريقية. وفي المشرق انفجارات كلية قلبت الجغرافيا السياسية القديمة وجاءت بأخرى بداـ تتشكل في العالم العربي قائمة على بذور الطائفية والانفصال والتفكك.

أما نبيل عمرو فتحدث عن التجربة الفلسطينية وكيف تبنى الدولة مستعرضاً قصة السلام مع حزب العمل الاسرائيلي الذي كان حاكما قبل أن يبرز اليمين متمثلاً بالليكود الذي كانت غايته نسف اتفاق أوسلو.
وحذر عمرو من أن صفقة القرن يجري تطبيقها على أرض الواقع حالياً دون أعلانها! فالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الاميركية لها من أساسيات هذه الصفقة، كاشفاً عن أن الرئيس الاميركي ترامب رفض نصائح مستشاريه لتأخير بناء السفارة الاميركية بالقدس والاكتفاء بالاعلان فقط، بل شدد ترامب على البناء والمضي قدماً بذلك.وتحدث بألم عن أن اسرائيل هي من يصدر الى غزة اليوم المواد الغذائية، وتطلع في النهاية الى الخروج من هذا المأزق الى أفق ايجابي.

لن تتحقق

وفي الجسلة الثالثة التي أدارها رئيس مركز أسبار للدراسات والبحوث في الرياض فهد العرابي الحارثي قدم الكاتب التونسي نجيب فريجي ملاحظات تجربته في العمل بالامم المتحدة حول الربيع العربي مخصصاً بلده تونس التي انطلق فيها الحراك من الجنوب ضد نظام بن علي الذي قال ان شريحة كبيرة من الشعب التونسي تتحسر عليه بعد فشل الاسلاميين جاؤوا بعد بن علي فشلوا فشلاً ذريعاً حكم البلاد ووضع حد للمأزق الذي تمر به.

الباحث السياسي الفلسطيني نظير مجلي دعا الى استبدال الحديث عن الوحدة العربية التي لن تتحقق، فنحن بحاجة الى تعلم لغة الاختلاف مع الآخر. وأشار الى تراجع الوضع السياسي في اسرائيل الذي رأى فيه ضرر بالفلسطينيين الذين يعيشون داخل حدود اسرائيل في اراضي السلطة الفلسطينية، فاليمين الاسرائيلي بقيادة نتنياهو نجح في اسقاط اولمرت الذي لم يكن فاسدا بحجم فساد نتنياهو الذي سيطر على القضاء في اسرائيل.

وتساءل مجلي بألم عن تعامل العرب اليوم مع الأقليات "هل يعل أن نتعامل مع المسيحيين كأقلية وهم مؤسسون في هذه البلدان العربية؟ وهل من المعقول النظر للدروز كأقلية وهم العرب الأقحاح؟" ودعا الجميع أنظمة ومواطنين الى ازالة مقولة الأقليات قاموس التخاطب السياسي.

الروائي والباحث المغربي المقيم في باريس أحمد المديني تحدث عن التحديات التي تواجه الكاتب وأبرزها الاستبداد وإلغاء الإنسان. منبهاً الى ارتياب جميع الاصلاحيين منذ أفلاطون الى نيتشة حتى ماركس من الفن رغم انه جزء لا يتجزأ من فكرة التمرد. وتساءل المديني عن سبب هذا الخوف، فمشروع الفن أو الابداع عامة إعادة صنع العالم. وطرح ثلاثة نماذج من الكتاب الذين واجهوا الاستبداد بفنهم وهم جورج أورويل والبير كامي وعبد الرحمن منيف عن طريق توظيف ابداعهم لرفض الواقع والتمرد عليه. 
مقارنة
من جهته قارن الكاتب الفلسطيني حسن عبد الرحمن بين دول وشعوب أميركا اللاتينية مثل السلفادور والعالم العربية وأوضح أن هذه الدول أقل من الدول العربية تعليماً وبنى وثروات لكنها جمدت النظر للخلف خلف انتقالها من الاستبداد للديمقراطية. ونظرت للمستقبل باتفاق بين الشعب والنخب السياسية.

وضرب مثلا مصر التي أصرت على محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي كان جنرالاً مثب بينوشيه في تشيلي لكن بعد الثورة عليه لم يحاكم حتى قويت مرتكزات المؤسسات الدستورية التي أعقب حكمه المستبد. ومثل مصر بقية دول الربيع العربي التي بدأت بمحاكمة الماضي ولم تشرع حتى الان بالنظر للمستقبل.

الكاتب اللبناني اياد أبو شقرا طرح تساؤلات حول الانسان العربي وموقع المجتمعات العربية في الخارطة العالمية. ودعا لمراجعة نظرة الانسان العربي للمجتمع المدني.

غياب المعلومة

ولعل ما يعيق توخي الدقة في الوثائق والبحوث العربية هو غياب المعلومة التي لما تزل محجوبة عن الباحث. هذا كان جوهر ما طرحه الكاتب المصري مأمون فندي الذي تساءل عن سبب عدم فسح المجال للباحث أو نشر المعلومات عن حرب اكتوبر التي مر عليها أكثر من 50 عاماً. ففي أميركا وأروربا تزال السرية عن المعلومات بعد مرور 20 عاماً، لذلك نرى أن كل البحوث الغربية دقيقة لانها مدعمة بالمعلومة الصحيحة. حتى دور النشر الغربية لديها فريق تدقيق للمعلومة كي تنال مصداقة للكتاب الذي تصدره.

وحول الخروج من المأزق العربي الراهن الذي كان موضوع آخر الجلسات قارن فندي بين الجنرال فرانكو وبين الجنرال مبارك. ففي اسبانيا تم الانتقال الى الدستورية الملكية لكن في مصر لم نتكمن من عبور المأزق بسبب ما أسماه بالعدالة الانتقامية فالنظام الذي أرادت الثورة أن تغيره هو من حاكم مبارك. ورأى أن في العالم العربي غياب للنخبة الراغبة بالانتقال بل جماعات لديها مصالح لاستمرار النظام القائم.

عصر النهضة العربي

الكاتب والروائي التونسي حسونة المصباحي تحدث عن عصر النهضة العربي الذي كان في مطلع القرن العشرين حيث عمل النهضويون العرب في مصر والعراق وتونس ولبنان على طرح مقولات شافية لخلق دول ومجتمعات صحية قبل مرحلة الاستعمار التي دمرت منجزاته. واستشهد بدور المثقف في دول شهدت انتقال من الاستبداد للديمقراطية مثل بولونيا. وأشار المصباحي الى دور المثقف التونسي في الوقوف بوجه التشدد الاسلامي الذي يسيطر على تونس منذ ثلاث سنوات ومازال يناضل للخروج من المأزق ودخول مرحلة البناء الديمقراطي للدولة.