أجمع المشاركون في الدورة الثانية لأيام "الإكليل" الثقافية التي تنظمها حاليا جمعية رباط الفتح للتنمية المستدامة على أهمية الكتاب الصادر حديثًا من منشورات الجمعية نفسها، بعنوان "مدينة الرباط حتى الحماية الفرنسية تاريخ وأركيولوجيا"، من تأليف الكاتب الفرنسي جاك كايي وترجمة الدكتور حسن أميلي، بمساعدة الدكتور إبراهيم إغلان.

الرباط: في الكلمة التي ألقاها الباحث مصطفى الجوهري خلال تقديم الكتاب في "الخيمة الثقافية" المنصوبة وسط العاصمة السياسية للمملكة المغربية، أبرز أن كايي حقوقي ومؤرخ، وله مجموعة من الدراسات المنشورة حول المغرب، بعد استقراره فيه ردحًا من الزمن خلال فترة الحماية الفرنسية.

صومعة حسان من ابرز معالم مدينة الرباط التاريخية

الكتاب الذي صدر لأول مرة بالفرنسية سنة 1949، ضمن منشورات معهد الدراسات العليا المغربية، يشكل موسوعة تاريخية لمختلف مآثر مدينة الرباط ومعالمها الحضارية، حسب الجوهري، ويضم ثلاثة اجزاء، خصص الجزء الأول للدراسات التاريخية، والجزء الثاني للتصاميم والرسوم، والجزء الثالث للصور الفوتوغرافية.

تراث عالمي
وذكر المتحدث عينه أن نشر هذا الكتاب يندرج ضمن سلسلة الكتب التي أصدرتها الجمعية حول الرباط في إطار الاهتمام بتاريخها، ومكوناتها التراثية والعمرانية، ورموزها الثقافية، حفاظا على الموروث الثقافي العام لعاصمة البلاد.

وتوقع الجوهري أن "يسد الكتاب ثغرة كبيرة، ويفتح آفاقا جديدة ومعطيات تراثية، برز استثمارها في تطور المدينة، وفيما صارت اليه اليوم بعدما حصدت عن استحقاق وجدارة لقب "الرباط تراث عالمي" من طرف منظمة اليونيسكو سنة 2012".

وخلص الجوهري إلى القول إن بهاء الرباط ولد حين أطلق عليها الملك محمد السادس "مدينة الأنوار وعاصمة الثقافة، وهي تشهد حاليا مجموعة من الأوراش الترميمية الجارية بالمدينة العتيقة وأحيائها الجديدة على السواء"، وهي تحولات تعي ما تتطلبه من دراسات ووثائق ومتابعة دؤوبة يمنح المدينة تميزا، ويجعلها ذاكرة خصبة في عطائها وانفتاحها".

مجنون الرباط
حسن أميلي، مترجم الكتاب من الفرنسية إلى العربية، قدم نفسه إلى الحاضرين بأنه مهووس بالرباط، وهي مسقط رأسه، والبعض يعده مجنونا بها، نظرا الى عشقه الكبير لها، وقال إنه يكتشف شيئا جديدا كل يوم في تجواله وسط أزقتها، مضيفا أن قامته كبرت فيها، وسبح في بحرها ونهرها، وألهمته الكثير من الكتابات عنها.

حكى قصة علاقته مع هذا الكتاب منذ سنة 1986، وما خلقه له من خوف وحيرة أمام الغوص في صفحاته، خاصة وأنه يعرف معالم الرباط جيدا، وقد كان يتساءل ماهي القيمة التي يمكن ان يضيفها إليه.

ووصف الكتاب بأنه موثق بشكل جيد على المستوى الأركيولوجي، ويشكل نوعا من حفظ الذاكرة لهذه المدينة العريقة في معمارها وتاريخها وحضارتها وعمرانها وتطورها.

تبعا لذلك، اعترف بأنه تردد طويلا في التصدي لمهمة الترجمة التي اعتبرها غاية في الصعوبة بسبب الحجم الكبير للنص، وكثافة المعلومات التي يزخر بها، لاسيما في بعده التقني.

وقال إن معضلات الترجمة تطلبت منه انكبابا دؤوبا استغرق قرابة سنة ونصف سنة بشكل يومي، فضلا عما تطلبه منه استكمال العمل من ضرورة الرجوع إلى المصادر العربية، التي اعتمد المؤلف ترجمتها الى الفرنسية، حتى يستقيم الاستشهاد بالنصوص الأصلية.

وانطلاقا من خلفية تاريخية، أورد الكتاب أن مدينة الرباط، والمتسمة بوقوعها على المحيط الأطلنتيكي وفي نقطة وسطى بين المغربين الشمالي والجنوبي اصبحت سنة 1912 عاصمة الحماية الفرنسية بالمغرب، في عهد الماريشال هوبير ليوطي المقيم العام الفرنسي ، وشكلت منذ ذلك الحين القاعدة الأساسية والإدارية لعموم البلاد.

واعتبر أن موقعها في التاريخ المعاصر لم يكن ليتبدى لولا العمق التاريخي الضارب في الجذور، والذي جعل منها أحد مراكز الانفتاح والاندماج لمختلف الوافدين عليها، ولصهر مختلف الثقافات والأفكار والتأثيرات.

بيضة الديك
في قراءته للكتاب الذي تبلغ صفحاته 598 أورد الباحث عبد الإله لغزيوي أن الرباط تسجل دائما حضورها الأول على مستوى الأقدمية التاريخية والحضارية والعمرانية.

ومن المفارقات التي كشف عنها قوله إن مدينة مراكش (جنوب البلاد) إذا كانت تفخر باحتضانها "سبعة رجال" من الأولياء الصالحين المدفونين في أماكن متفرقة عبر خريطتها، فإن الرباط بدورها تتوافر على أضرحة سبع نساء وليات صالحات بين احيائها.

توقف مطولا عند محتويات هذا "الكتاب العجيب"، كما سماه، لأنه كان مفقودا، "وكان العثور عليه بمثابة الحصول على بيضة الديك أو الكبريت الأحمر"، على حد تعبيره.

واعطى لمحة عن الحياة الأكاديمية لمؤلفه جاك كايي المولود بفرنسا، وفيها استكمل تعليمه العالي، قبل أن ينتقل الى الرباط، حيث كرس نشاطه العلمي لإنجاز سلسلة من الإصدارات التاريخية والسياسية والثقافية والحضارية بالمملكة، مستفيدا من موقعه كمدير بمعهد الدراسات العليا المغربية.

وفي نظر لغزيوي، فإن هذا الكتاب، وما لامسه من مسار زمني طويل لرحلة مدينة الرباط عبر التاريخ إلى عهد الحماية الفرنسية، يشكل قيمة علمية ومعرفية لا تقدر بثمن، خاصة وأنه يجول بالقارئ عبر أبوابها وأسوارها وأسواقها وأبراجها وقصورها ومعالمها التاريخية.

وفي نهاية شهادته، أثنى على جهد المترجمين، منهوهًا بأمانتهما العلمية، وحرصهما على التدقيق والإتقان، مؤكدا أنه "لولا هذا الكتاب المتصف برصانته القائمة على البحث والاستكشاف والزيارة الميدانية والرواية الشفوية لضاعت حقائق مهمة عن تاريخ الرباط".