بسبب قراراته المشخصنة والمتهورة، ومن دون الوقوف على رأي مستشاريه، تفضّل الدول محاورة دونالد ترمب مباشرة، من دون المرور بأروقة إدارته.
&
إيلاف: أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانسحاب من سوريا قلقًا بالغًا من عودة داعش وتحقيق إيران مكاسب جديدة في المنطقة، ومن هجوم تركيا على حلفاء أميركا الكرد.&

وكان كبار مساعدي ترمب، بمن فيهم مستشار الأمن القومي والمبعوث الأميركي الخاص للتحالف ضد داعش وممثل ترمب الخاص بشأن سوريا، أصرّوا طيلة أشهر، علنًا وفي مجالس خاصة، على أن القوات الأميركية الموجودة في سوريا باقية. لكن مكالمة هاتفية واحدة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كانت كافية لقلب سياسة الإدارة الأميركية رأسًا على عقب.

لاحظت مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية أن ميل ترمب إلى الموافقة العفوية على طلبات يقدمها زعماء دول أخرى تشيع الفوضى في الإدارة، وأن طريقته المشخصنة والمتسرعة في صنع القرارات تجرّد فريقه الدبلوماسي من قدرته على الحركة. وتوقعت المجلة مزيدًا من هذه الحالات في العام 2019.
&
مواقف متسرعة
على خطورة قرار ترمب الانسحاب من سوريا، فهذه ليست المرة الأولى التي يوافق فيها بصورة مفاجئة على اقتراح زعيم دولة أجنبية، متجاهلًا تحذيرات مسؤوليه الصريحة. فعندما فرضت وزارة التجارة الأميركية عقوبات ضد شركة "زد تي إي" الصينية للاتصالات، بتهمة التعامل مع إيران وكوريا الشمالية، كانت تلك العقوبات ضربة قاصمة، وضعت الشركة الصينية على حافة الانهيار، إلى أن تلقى ترمب اتصالًا من الرئيس الصيني شي جنبينغ داعيًا إلى إيجاد حل ينقذ الشركة. وفي غضون ساعات، غرّد ترمب على تويتر&معلنًا تمكين الشركة الصينية للاتصالات من العودة إلى العمل بصورة طبيعية.

المثال الآخر الذي أوردته المجلة هو قمة سنغافورة في صيف 2018 بين ترمب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون؛ إذ كان مستشارو ترمب والقادة العسكريون الأميركيون ينصحون بعدم تعليق المناورات العسكرية الأميركية في شبه الجزيرة الكورية مقابل تجميد بيونغ يانغ برنامجها النووي.&

لكن ترمب أعلن في مؤتمر صحافي بعد اجتماعه مع كيم مباشرة وقف هذه التمارين، ليفاجئ بذلك المسؤولين في إدارته والقادة العسكريين في البنتاغون وصانعي السياسة الكوريين الجنوبيين من دون سابق إنذار. وقال ترمب إن هذه التمارين باهظة الكلفة و"استفزازية جدًا" وتعليقها سيحظى بتقدير كوريا الشمالية.
&
مباشرة مع الرئيس
لاحظت المجلة أن الدبلوماسية العفوية المشخصنة ليست دائمًا سيئة، كما حدث عندما اقترح رونالد ريغان خلال قمته الشهيرة مع ميخائيل غورباتشوف في عام 1986 إزالة الأسلحة النووية في غضون 10 سنوات، ممهدًا الطريق نحو حظر الأسلحة النووية متوسطة المدى والحدّ من التجارب النووية وعقد معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية "ستارت" في عام 1991.

لكن المشكلة الحقيقية في حالة ترمب هي الطبيعة المتهورة لدبلوماسيته المشخصنة. فنمط سلوكه يوفر حافزًا للحلفاء والخصوم على السواء كي يتجاهلوا المسؤولين الأميركيين ذاتهم الذين يحاولون تنفيذ توجيهات الرئيس. قليلة هي الدول التي تريد التفاوض مع البيت الأبيض أو وزارة الخارجية، إذا كانت تعتقد أن بامكانها الحصول على صفقة أفضل بالتعامل مباشرة مع الرئيس. لعل هذا هو سبب إصرار بيونغ يانغ على عقد قمة جديدة بدلًا من المفاوضات الاعتيادية، بعيدًا عن الإثارة.
&
طلبات غير واقعية
كما إن دبلوماسية ترمب المشخصنة تشجّع الآخرين على تقديم طلبات غير واقعية. ففي قمة هلسنكي، وافق ترمب على طلب فلاديمير بوتين أن يستجوب محققون روس أميركيين، بينهم السفير السابق في موسكو مايكل ماكفول، بشأن "نشاطات غير قانونية".

لم يتراجع ترمب عن قبول الفكرة إلا بعد احتجاجات من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السواء. لكنّ زعماء آخرين عرفوا من هذه الواقعة أنه عندما يكون ترمب موجودًا، فإن أي شيء ممكن.

تتطلب السياسة الخارجية الناجحة أن يكون هناك فريق يمنحه الرئيس صلاحية كاملة للحديث باسمه. وعادة ترمب في التراجع عن قرارات سابقة بصورة عفوية ومفاجئة قد ترضيه آنيًا، لكنها ضارة على المدى البعيد، بحسب "ذي أتلانتيك"، متوقعة أن يقدم ترمب المزيد من هذه الوقائع في عام 2019.
&
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "ذي أتلانتيك". الأصل منشور على الرابط التالي:
https://www.theatlantic.com/ideas/archive/2018/12/trumps-pattern-personalized-diplomacy-upended-syria/579145/
&