يواجه الرئيس السوداني عمر البشير حركة احتجاج شعبية غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، لكنه لا يزال يحظى بدعم دول حليفة قلقة على استقرار المنطقة التي تمزقها النزاعات.

إيلاف: رأى عبد الوهاب الأفندي الباحث الجامعي في الدوحة "أن كل الأطراف في المنطقة تتصارع، لكنها تتفق بمعنى ما بشأن البشير (...) إنها تؤيد على ما يبدو استمرارية الحكم الحالي. تعتقد أن أي بديل له يمكن أن لا يكون في مصلحتها ومصلحة المنطقة".

يشهد السودان منذ 19 ديسمبر 2018 تظاهرات، بدأت احتجاجًا على زيادة سعر الخبز. لكن سريعًا ما تحوّلت التظاهرات إلى حركة احتجاج ضد نظام عمر البشير، الذي يواجه بحسب خبراء أكبر تحدّ منذ توليه الحكم في 1989. وقتل 22 شخصًا، بحسب حصيلة رسمية، لكن منظمات غير حكومية دولية تقول إن عدد القتلى 40 على الأقل.

ضغوط اقتصادية
وفي حين يلقى البشير معارضة في بلاده، فإنه لا يزال يحظى بدعم حلفائه الإقليميين على غرار قطر والسعودية ومصر.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال في الأسبوع الماضي إثر استقباله مستشارًا مقربًا من البشير: "إن مصر تدعم بالكامل أمن واستقرار السودان الأساسيين لأمنها الوطني".

وبعد فترة من تدهور العلاقات في 2017 إثر اتهام البشير القاهرة بدعم معارضين سودانيين، تجاوزت مصر والسودان أخيرًا خلافاتهما. ورفعت الخرطوم في أكتوبر 2018 قرار منع توريد منتجات من مصر استمر 17 شهرًا. وبعد أيام من بدء التظاهرات في السودان، اتصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بالبشير، ليعرض عليه مساعدته.

بحسب الأفندي فإن مصر وقطر والسعودية "تعارض أي انتفاضة ناجحة من أي نوع" في السودان "وهي ترى أنه إذا حدث ذلك، فستكون التالية" على لائحة الاحتجاجات، من دون أن تغيب عن ذهنها حركات "الربيع العربي" في عام 2011.

ولاحظ دبلوماسي أوروبي طلب عدم كشف هويته أن السياسة الخارجية للبشير "تمليها من كل جانب الضغوط الاقتصادية". وعانى اقتصاد السودان كثيرًا من حظر فرضته في 1997 الولايات المتحدة ، بداعي دعم نظام البشير تنظيمات اسلامية، بعدما استضاف في تسعينات القرن الماضي خصوصًا أسامة بن لادن.

أتاح تعزيز التعاون مع واشنطن رفع الحظر في 2017، لكن خبراء يرون أن ذلك لم يؤد إلى النتائج المتوخاة، خصوصًا مع إبقاء واشنطن السودان على لائحة الدول الداعمة "للإرهاب" منذ 1993. وللخروج من الأزمة الاقتصادية كان على السودان التعويل على شركاء آخرين.

وفي ديسمبر 2018 قبل أيام من بدء حركة الاحتجاج، التقى بشير في دمشق الرئيس السوري بشار الأسد. وكان بذلك أول رئيس عربي يزور سوريا منذ اندلاع النزاع فيها في 2011. وبحسب خبراء فإان الهدف من الزيارة التقارب مع روسيا الحليف الموثوق لسوريا والقوة النافذة في الشرق الأوسط.

بوابة دخول أفريقيا
وكان البشير تخلى في 2016 عن حليفه الإيراني لحساب السعودية، وانضم إلى التحالف الذي تقوده الرياض ضد الحوثيين في اليمن، المدعومين من طهران. وبحسب وسائل إعلام فإن مئات الجنود السودانيين يقاتلون في صفوف التحالف في اليمن. "وفي المقابل منحت السعودية والإمارات البشير فقط ما يكفي حتى لا ينهار".

من جانب آخر استثمرت قوى أخرى على غرار الصين مليارات الدولارات في السودان في العقود الأخيرة. وقال الدبلوماسي الأوروبي "تعتبر دول، مثل الصين وروسيا، السودان، بوابة دخول إلى أفريقيا (...) وسواء تعلق الأمر بهما أو بالغربيين، لا أحد يرغب في انهيار السودان".

وأشار المصدر الدبلوماسي الأوروبي إلى أنه وإن كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "لا يدعمان البشير"، الملاحق من المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب وإبادة في دارفور، فإنهما يعملان مع سلطات الخرطوم لضمان "بقاء السودان مستقرًا".ذلك لأن أي عدم استقرار في هذا البلد يمكن أن يؤدي إلى موجة هجرة جديدة إلى أوروبا، بحسب المصدر عينه.

تقول آمال الطويل من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة إن الموقع الاستراتيجي للسودان في القرن الأفريقي يشكل نعمة للبشير. أضافت إن "القوى الدولية والإاقليمية لن تترك السودان ينهار"، معتبرة مع ذلك أن كل شيء رهن "طريقة تطور موازين القوى في الشارع". وبحسب الباحثة فإن هذه القوى تخشى أيضًا من بروز "معقل جديد للمتطرفين" في السودان بسبب عدم الاستقرار.
&