الرباط: أطلق المشاركون في الندوة الدولية حول "تجارب المصالحة الوطنية" التي اختتمت أشغالها مساء الجمعة، إعلان الرباط حول المصالحات الوطنية، وهي وثيقة من شأنها تقديم خارطة طريق من أجل تحقيق المصالحة في الدول العربية والأفريقية التي تعيش توترا وانتهاكات لحقوق الإنسان.

وسجل الإعلان بأن التجارب التي عرضت في الجلسات تفيد بأن لكل حالة "وضعها الخاص حسب سياقات كل بلد وأنه ليس ثمة نموذج مرجعي أوحد صالح لمواجهة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان".

ونبه المشاركون في إعلانهم الأول من نوعه، إلى أن المصالحة والعدالة الانتقالية "لا يجب أن تنحصر في المطالبة بالعدالة الجنائية فقط، بل يجب أن تتم موازنتها بالحاجة إلى السلم والديمقراطية والتنمية العادلة وسيادة القانون"، مؤكدين على أن السياقات الانتقالية "قد تتضمن قيودا تحول دون إقدام بعض الحكومات على اعتماد إجراءات قضائية خاصة".

وأشارت الوثيقة إلى أن آليات المصالحة والعدالة الانتقالية "لا تسعى إلى عدالة جنائية بأثر رجعي وبأي ثمن، ولا تسعى إلى الحفاظ على السلم على حساب حق الضحايا في العدالة"، وأوضحت بأن المصالحة تحرص على إرساء "توازن بين الأهداف على اختلافها وتنافسها، اعتمادا على القانون الدولي والامتيازات والإكراهات المحلية وعلى صياغة سياسة عقلانية وعادلة".

وفصل الإعلان في آليات المصالحة والعدالة الانتقالية، حيث أكد على أنها تركز على "منهج يضع الضحايا في قلب المقاربة للتعامل مع ماض عنيف سواء من حيث مساره أو نتائجه"، كما اعتبر أن مشروعية هذه الآليات تقاس ب"مدى اعتراض الضحايا عليها أو دعمهم لها، وإلى أي درجة يمكنهم المشاركة فيها والاستفادة منها".

وشدد المشاركون في المحطة الدولية على أن العنصر الحاسم في استحداث آليات المصالحة والعدالة الانتقالية يتمثل في "توافر إرادة الدولة وإرادة القوى الفاعلة في المجتمع لمواجهة الماضي بكل جرأة وشجاعة وكذا بناء المستقبل واسترجاع الثقة"، لافتين إلى أن مطالب هذه العدالة تتمحور حول "الحق في العدالة والحق في الحقيقة والحق في جبر الأضرار وضمانات عدم التكرار وهي عناصـر متـصلة بعـضها بـبعض مـن النـاحيتين المفاهيميـة والتجريبية".

كما ضمن المشاركون في الندوة "إعلان الرباط"، جملة من التوصيات التي وجهت للاتحاد البرلماني الدولي، حيث طالبوا ب"بلورة ورقة إطار لسياسة العدالة الانتقالية بغاية تعميق الروابط بين المصالحة والحكامة وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة والسلم والأمن والعدالة الاجتماعية؛ وإعداد دليل استرشادي حول العدالة الانتقالية"، بالإضافة إلى بحث إمكانية خلق مجموعة تفكير مختلطة لإعداد ورقة توجيهية لمواكبة تفعيل دور البرلمانات في مختلف أطوار ومسارات المصالحة وفقا للأدوار المنوطة بها دستوريا.&

أما المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان فدعاها الإعلان إلى استثمار مبادئ بلغراد الناظمة للعلاقة بين البرلمانات الوطنية والمؤسسات الوطنية لتوقيع مذكرات تفاهم قصد تعزيز دور البرلمانات في مسارات العدالة الانتقالية؛ كما طالب بإشراف التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان على إنجاز "دراسة مقارنة حول القوانين التي سنتها البرلمانات الوطنية حول إنشاء آليات العدالة الانتقالية مذيلة بتوصيات لتيسير عمليات إعداد القوانين مستقبلا ومرافقة التجارب الحديثة والطارئة في مجال العدالة الانتقالية".

وأضاف الإعلان مطالبا المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ب"بحث إمكانية بلورة مبادئ توجيهية بشأن دور البرلمانات والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في مسارات المصالحة والترافع لدى مجلس حقوق الإنسان الأممي من أجل استصدار قرار بهذا الشأن".

في السياق ذاته، دعا الإعلان البرلمانات الوطنية إلى بلورة النصوص التشريعية ذات الصلة بجبر الأضرار والعدالة وإطار مراقبة السياسات العمومية من منظور العدالة الانتقالية"، بالإضافة إلى تدعيم الآليات الرقابية القائمة وتوسيع مهامها لتشمل رصد أوضاع حقوق الإنسان بشكل عام ومساءلة العمل الحكومي بشأن تنفيذ مخرجات هيئات الحقيقة والمصالحة.

كما حث المشاركون على ضرورة جعل المؤسسة البرلمانية فضاء للحوار المجتمعي الحر والمفتوح، و"آلية استباقية لاحتواء الأزمات والإنذار المبكر بإمكانات حدوثها"، مشددين على حرص هذه المؤسسات أثناء مناقشة والمصادقة على الموازنة العامة للدولة، على مبادئ "الإنصاف والجبر الجماعي والمجالي للأضرار تجنبا للاحتقانات وضمانا لديمومة الاستقرار الاجتماعي".&

وأوصى المشاركون في الندوة أيضا، رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي، بالتعاطي الإيجابي مع دعوة الوفد الليبي المتعلقة ب"تشكيل لجنة فنية حول التجارب الناجحة في مجال العدالة الانتقالية لمساعدة الأشقاء في ليبيا على إطلاق دينامية المصالحة الوطنية".

يشار إلى أن الندوة الدولية التي نظمها مجلس المستشارين (الغرفة الثانية من البرلمان)، بشراكة مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتنسيق مع رابطة مجالس الشيوخ والشورى في أفريقيا والعالم العربي، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تندرج في إطار تنزيل برنامج عمل رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي، الذي تمت المصادقة عليه في مؤتمرها العاشر، الذي انعقد بالمملكة المغربية يومي 20 و21 سبتمبر (أيلول) 2017.
وعرفت الندوة مشاركة خبراء في المصالحة الوطنية ووفود برلمانية وحقوقية من معظم الدول العربية والأفريقية، الذين تدارسوا عددا من التجارب الناجحة في مجال المصالحة والعدالة الانتقالية بأفريقيا والمنطقة العربية، فضلا عن تجارب عدد من دول أميركا اللاتينية التي كانت حاضرة في الندوة بممثلين عن بعض الدول التي مرت من مراحل صراع وتوتر مماثل لما بعض الدول العربية والأفريقية في المرحلة الراهنة.