روما: في 20 يونيو 1881 حاول عشرات المتظاهرين مهاجمة سفارة فرنسا في روما بعد توقيع معاهدة باردو التي تعترف بالحماية الفرنسية على تونس.

وقال جان بيار دارني الخبير في العلاقات الفرنسية الإيطالية بين جامعتي روما ونيس "لم نصل إلى هذه المرحلة بعد". لكن منذ أسابيع يتصاعد التوتر من تصريحات صغيرة إلى اتهامات وصولا إلى درجة أن الحوار السياسي بين البلدين توقف، باعتراف الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية ناتالي لوازو.

والعلاقات بين فرنسا وإيطاليا كانت دائمة مضطربة، لكن الأجواء تدهورت بشكل خطير منذ وصول أول حكومة شعبوية إلى السلطة في أحدى الدول المؤسسة للإتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو الماضي.

ولمرتين استدعت وزارة الخارجية الإيطالية السفير الفرنسي في روما كريستيان ماسيه، وفي المرتين من أجل الملف الذي يرتدي حساسية كبرة بالنسبة للإيطاليين: مسألة الهجرة.

وتأخذ روما على فرنسا "التي تلقي دروسا" أكثر من الدول الأوروبية الأخرى، بأنها تركتها تدير وحدها ولسنوات وصول عشرات الآلاف من المهاجرين إلى سواحلها.

ولا يكف نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني الرجل القوي في هذه الحكومة الجديدة &وزعيم حزب "الرابطة" اليميني القومي، عن إدانة "نفاق" إيمانويل ماكرون معتبرا أنه "رئيس سيء" يجب على الفرنسيين التخلص عنه بسرعة.

وموقف ليويجي دي مايو نائب رئيس الوزراء أيضا وزعيم حركة خمس نجوم المعادية للنظام السياسي، ليس أفضل. فهو يرى أن فرنسا "الاستعمارية" مسؤول عن تسلل الأفارقة إلى أوروبا.

ورفض الرئيس الفرنسي الأحد الرد على هذه الانتقادات. وقال في مؤتمر صحافي في اليوم الأول من زيارته مصر "لن أرد. هذا كل ما يريدانه (أن أرد)"، مضيفا "الأمر برمّته لا قيمة له". وأكد أن "الشعب الإيطالي صديق لنا ويستحق زعماء على مستوى تاريخه".

وقال دومينيك مويزي الخبير في العلاقات الدولية في مقال نشر الأسبوع الماضي إن "فرنسا ينظر إليها بطريقة انفعالية ومتهم بأنها احترقت إيطاليا وحتى تخلت عنها".

"بيتزا وقيثارة"

عبرت ماريا روزاريا فاريلا (54 عاما) التي تبيع صحفا في ميلانو، لوكالة فرانس برس عن أسفها لأن "الفرنسيين هم الذين بدأوا في عدم حب الإيطاليين".

وأضافت أن "الأوروبيين ينظرون إلينا نحن الإيطاليين على أننا نمثل البيتزا والقيثارة والمافيا وفقط بهذا الشكل، إنهم يعتقدون أننا سطحيون". وتابعت "نعتقد أن الفرنسيين وقحين قليلا. هذا يظهر بوضوح في كرة القدم".

وخلال مباريات كأس العام في الصيف كان من الصعب العثور في إيطاليا على مشجعين لمنتخب فرنسا. ودعم الإيطاليون بقوة كرواتيا وتداولوا على الانترنت رسما بيانيا يشير إلى أن البلد الوحيد في العالم الذي يدعم فرنسا... هو فرنسا.

وبدأت أوساط الأعمال تشعر بالقلق من هذا الوضع بينما تحتل فرنسا المرتبة الثانية في سوق الصادرات الإيطالية، وإن كانت لا ترى حاليا في الوقت الحالي، عواقب اقتصادية.

وقالت ليسيا ماتيولي نائبة رئيس منظمة أرباب العمل الإيطاليين (كونفيندوستريا) ردا على سؤال لفرانس برس "داخل عالم الأعمال ليست هناك مشكلة (بين فرنسا وإيطاليا) وليست هناك مشاعر عداء حيال فرنسا".

وأضافت "نأمل أن يتراجع التوتر وأن نتمكن من مواصلة العمل معا كما يحدث الآن". وأكد دارنيس أن الصعوبة تكمن في أن الحكومة "تقوم بحملة انتخابية دائمة"، وهو رأي عبر عنه العديد من المعلقين في إيطاليا.

فقد كتبت صحيفة "ايل ميساجيرو" مثلا أن "سالفيني ودي مايو مصممان على جعل باريس العدو استعدادا للانتخابات الأوروبية التي ستجرى في 26 مايو".

وترى أوساط فرنسية في إيطاليا لا تتقبل الانتقادات الصغيرة، أن هذه الحملة ستتواصل على الأرجح قبل هذا الموعد. وقال أحد هؤلاء الفرنسيين في روما إن "الكلمات يمكن أن تؤذي، يمكنها أيضا التسبب بإحباط"، مشيرا إلى خطر أن تواجه روما عزلة.

من جهته، حذر رئيس الوزراء الايطالي السابق المفوض الأوروبي حاليا ماريو مونتي من أنه "على الموجودين في الحكومة الآن تجنب عدم التضحية بالخيارات والمصداقية في الخارج من أجل قضايا خلافية داخلية".