مونتارجي: تعتزم الفرنسية إيزا دوشين من "السترات الصفراء" في بلدة مونتارجي، الواقعة على بعد نحو 120 كلم من باريس، الاستمرار بالمشاركة في الاحتجاجات ضد الرئيس إيمانويل ماكرون في أسبوعها الثاني عشر، كما يؤكد آخر أن "مارد الغضب لن يعود إلى القمقم".

وعند مستديرة في جنوب المدينة تشهد منذ نوفمبر احتجاجات تخلّلتها أعمال عنف، رفضت دوشين (57 عاما) العاملة في مصنع دعوة الحكومة لإجراء حوار على مدى شهرين شهد منذ منتصف يناير عشرات الاجتماعات.

وقالت الناشطة بمرارة إن "ماكرون يحضّر للانتخابات الأوروبية"، مضيفة انه "لا يهتم أبدا لأمرنا".

وهو اتّهام يردّده كثر من معارضي الرئيس الفرنسي الذين يعتبرون الحوار مجرّد تكتيك لصرف الانتباه عن حركة "السترات الصفراء" التي هزّت البلاد وتسببت بأزمة هي الأكبر التي يواجهها ماكرون منذ توليّه الرئاسة قبل 20 شهرا.

والنقاش الوطني الذي أُعلن عنه في ديسمبر أوجد من جهة منصة للناخبين الغاضبين للتعبير عن معاناتهم، فيما شكّل من جهة أخرى حقل تجارب لماكرون استعدادا لانتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في مايو.

وبعد تراجع شعبيته على مدى أشهر تمكّن الرئيس البالغ 40 عاما في الأسابيع الأخيرة من تعويض بعض ما خسره من تأييد شعبي بفضل إطلالات سعى من خلالها لإظهار تواضعه.

وفي المقلب الآخر أيضا انخفضت أعداد المشاركين في احتجاجات "السترات الصفراء" بشكل كبير مع تراجع ظاهرة احتلال الساحات والمستديرات وكذلك اعداد الحشود المشاركة في تظاهرات السبت.

وترجّح غالبية من المحلّلين أن تشكّل الأزمة نقطة تحوّل في ولاية ماكرون، نظرا لإبرازها حجم الغضب في أوساط العائلات ذات الدخل المتدني في الأرياف والبلدات الصغيرة.

وقال مارك بوشون وهو متقاعد يبلغ 64 عاما يقيم في مونتارجي إن "مارد الغضب لن يعود إلى القمقم"، مضيفا "هناك كثر يعانون حاليا. إنهم لا يريدون مزيدًا من الحوار".

وتظاهر بوشون على مدى خمسة أسابيع متتالية في مونتارجي مع "المسنّين والأمّهات المعيلات والمتقاعدين الذين قرعوا كل الأبواب لكنّ شيئا لم ينفع".

لكن بوشون يعتقد أن التظاهرات يجب أن تتوقّف الآن.

وقال بوشون "باتت لدينا فرصة للنقاش، فلنغتنمها"، وتابع "لكنني أقول للرئيس أن يتجاوب الآن مع معاناة العمال الفقراء. وألّا ينتظر حتى انتهاء الحوار".

نحو كارثة؟

ومونتارجي المشهورة بجسورها البالغ عددها 130 جسرا مقاما فوق قنواتها المائية ونهر لوان الذي يعبر المدينة، شهدت على غرار الكثير من المدن الفرنسية الصغيرة إقفال معامل ومصانع وارتفاعا في البطالة التي وصلت نسبتها إلى 13 بالمئة، أي اعلى بنحو أربع نقاط من المعدّل الوطني.

وقال فرانك سوبليسون، وهو مسؤول محلي في المدينة، إن حركة "السترات الصفراء" لا تزال قوية هنا، وتلقى دعم شريحة كبيرة من السكان".

والخميس الماضي، عُقدت جلسة حوار أولى من أصل أربع مقررة في المدينة التي كانت سابقا مركزا لصناعة الجلود.

وتجمّع نحو 45 شخصا داخل قاعة عامة في منطقة سكانها من الطبقة العاملة، حيث طرح الكثير من الشكاوى التي تنادي الحركة بمعالجتها ومن بينها قرار ماكرون خفض الضرائب عن ذوي المداخيل المرتفعة، ومعالجة نقص الأطباء في المناطق الريفية ومشاكل النقل العام والصعوبات التي تواجه طالبي العمل بدوام كامل، وهو ما يدفع كثرا إلى تولي عدة وظائف. وقد أعطي الجميع فرصة للكلام.

وتحدّثت ماري رين بولان التي تعمل في كافيتيريا مدرسية عن تراجع مستوى المعيشة للعمال ذوي الدخل المنخفض، وهي المشكلة التي أطلقت شرارة الاحتجاجات في نوفمبر عندما قرّرت السلطات رفع أسعار المحروقات.

ولم يلبِ قرار ماكرون إلغاء الضرائب المفروضة على ساعات العمل الإضافية ورفع الحد الادنى للأجور طموحاتها، واستعادت ما يردّده كثر من المحتجين الذين يعتبرون أن النظام السياسي والاقتصادي يعمل ضد مصالحهم.

وقالت "لا أعتقد أن الأمور ستتغيّر كثيرا. الممسكون بالسلطة لا يريدون خسارتها"، مضيفة "نحن النساء علينا ان نتواجد هناك في المستديرات لأننا الأكثر ضعفا".

بدوره، قال جيريمي كليمان (41 عاما) الذي يعمل في مجال البناء إنه توّجه إلى باريس على مدى ستة أسابيع متتالية للانضمام للمحتجين.

وتابع: "نحن نعيش في بلد غني. كيف لنا أن نقبل ألا تغطي الرواتب مصاريف العيش؟"، مضيفا: "الناس في المدن الكبيرة لا يعون ذلك. لكن إذا لم نقم بتغيير سنصل إلى الكارثة".