أحيا البابا فرنسيس في أبوظبي قدّاسًا تاريخيًا في ملعب لكرة القدم في الهواء الطلق الثلاثاء، الأول لحبر أعظم في شبه الجزيرة العربية، مهد الإسلام، بمشاركة عشرات آلاف المقيمين الأجانب.&

إيلاف: بدأ القدّاس بعيد وصول البابا في سيارة بيضاء مكشوفة إلى موقع الحدث في مدينة زايد الرياضية، حيث حيّا المصلّين الذين رفعوا أعلام الفاتيكان، بينما كان حرّاس يرتدون بدلات سوداء يسيرون بجانب سيارته.&

تعالت صيحات آلاف الحاضرين، الآتين من دول آسيوية خصوصًا، هاتفين اسم البابا فرحًا بوصول الحبر الأعظم لدى دخول سيارته إلى أرض الملعب، قبل أن تنسحب منه بعد جولة قصيرة، ويصعد البابا إلى المذبح الأبيض الضخم أمام المدرجات المكتظة بالحشود الغفيرة، يتوسّطه صليب عملاق.

170 ألف مشارك
قال أحد منظمي الحفل للحاضرين عبر مكبّرات الصوت "كم هو جميل أن يلتقي الأخوة تحت السماء". وهذه أول مرة في تاريخ شبه الجزيرة العربية التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي الست واليمن، يحيي فيها حبر أعظم قدّاسًا.

وذكر شخص في فريق المنظمين عبر مبكرات الصوت أن أعداد المصلين الحاضرين بلغت 50 ألفًا داخل الملعب، و120 ألفًا خارجه، وهو أكبر تجمّع بشري في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، بحسب ما نقلت وسائل إعلام إماراتية محلية. وكان المنظمون أعلنوا قبل القدّاس أن عدد التذاكر يبلغ 135 ألفًا.

من بين الحاضرين، نحو أربعة آلاف مسلم أتوا لمشاهدة البابا، بحسب مصادر كنسية محلية. ونُقل المصلّون مجانًا في ألفي حافلة من مدنهم المختلفة في الدولة الخليجية، إلى مدينة زايد الرياضية في العاصمة.

قالت سيفرين موريس (49 عامًا) الهندية التي تعمل في أحد المنازل في مدينة دبي منذ نحو عشر سنوات: "أنا سعيدة جدًا لوجودي هنا. إنها هدية"، مضيفة "أنا هنا اليوم لأتبارك (..) وأصلّي لكي يختفي كل شيء سلبي".

أريدهما أن يريا بساطته
ومن المقرر أن يغادر البابا الإمارات بعد انتهاء القدّاس، في ختام زيارة بدأت مساء الأحد. ويقيم في الخليج أكثر من 3.5 مليون مسيحي، بينهم 75% من الكاثوليك، غالبيتهم عمّال من الفلبين والهند. وتقول النيابتان الرسوليتان في المنطقة إن هناك أكثر من مليون كاثوليكي في السعودية، التي تمنع ممارسة أي شعائر دينية باستثناء الإسلامية، ونحو 350 ألفًا في الكويت، و80 ألفًا في البحرين، ونحو 200 إلى 300 ألف كاثوليكي في قطر.&

ويعيش نحو مليون كاثوليكي، جميعهم من الأجانب، في الإمارات، حيث توجد ثماني كنائس كاثوليكية، وهو العدد الأكبر مقارنة مع الدول الأخرى المجاورة (أربع في كل من الكويت وسلطنة عمان واليمن، وواحدة في البحرين، وواحدة في قطر).

تتبع الامارات، التي يشكل الأجانب نحو 85 بالمئة من مجموع سكانها، إسلامًا محافظًا، لكنّها تفرض رقابة على الخطب في المساجد وعلى النشاطات الدينية فيها لمنع تحولّها إلى منابر للتطرّف. وفي الكنائس، يقيم المسيحيون صلوات يومية، أكبرها يوم الجمعة في بداية عطلة نهاية الأسبوع.

وقال ستانلي بول (45 عامًا) الباكستاني المقيم في الإمارات منذ 14 عامًا "المجيء إلى هنا مهم بالنسبة إلينا، حتى يفهم أطفالنا البابا ويرونه". تابع مشيرًا إلى ابنتيه وجانبه زوجته "إنهما مشغولتان طوال الوقت بحياتهما اليومية وبالأجهزة الالكترونية، لكنني أريدهما أن يريا بساطته (البابا) وكيف يتحدّث".

جنسيّات ولغات وطقوس
ومن بين جموع المصلين، اختار البابا فرنسيس عمّالًا مغتربين ليسلّم عليهم. والبابا الأرجنتيني خورخي ماريو بيرغوليو، المتحدّر من أصول إيطالية لابوين هاجرا إلى الأرجنتين، أظهر منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية في 2013، تعاطفه مع المغتربين والمهاجرين.

وقال في عظة ألقاها بالإيطالية في ملعب كرة القدم "من المؤكّد أنه ليس سهلًا بالنسبة إليكم أن تعيشوا بعيدًا عن البيت، وأن تشعروا ربما (...) بمستقبل غير أكيد. لكنّ الربّ (...) لا يترك" المؤمنين به. تابع "أنتم جوقة تتضمّن تنوّع جنسيّات ولغات وطقوس، تنوّعًا يحبّه الروح القدس، ويريد على الدوام أن ينسّقه ليصنع منه سمفونية".

وكان البابا دعا الاثنين في ثاني أيام زيارته، إلى حماية "الحرية الدينية" في الشرق الأوسط، ووقف الحروب خصوصًا في اليمن، متحدّثًا أمام رجال دين وسياسيين في مؤتمر حول الأديان.

طالب الحبر الأعظم بحق المواطنة نفسه لجميع سكان المنطقة، التي شهدت في السنوات الأخيرة تصاعدًا في وتيرة العنف والتعصب مع ظهور تنظيمات متطرفة، في مقدمها تنظيم الدولة الإسلامية.

ولم يحدّد البابا أطرافًا معيّنة، لكن تصريحاته جاءت في مرحلة تشكو فيها أقليات في المنطقة بالتعرّض للتهميش، وبينها المسيحيون في بعض الدول.

تخلّل "مؤتمر الأخوّة الإنسانية" توقيع البابا وشيخ الأزهر أحمد الطيب على وثيقة تدعو إلى "مكافحة التطرف"، وتؤكّد على الحرية الدينية وحماية أماكن العبادة وحق المواطنة لـ"الأقليات المهمشة"، قبل أن يتعانقا ويتبادلا القبل.
&