حضّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خطابه أمام الكونغرس حول حال الاتحاد الثلاثاء الأميركيين على الوحدة سعيًا منه إلى طيّ صفحة سنتين من الانقسام الحزبي، لكن التوتر السياسي السائد في واشنطن وتصريحاته حول الهجرة جعلت هذه المهمة شائكة.

إيلاف من واشنطن: في خطابه التقليدي حول حال الاتحاد كثف الرئيس الأميركي الدعوات إلى التسوية وتجاوز الخلافات الحزبية، لكن الديموقراطيين سارعوا إلى رفض بادرته، بعد إصراره في الخطاب على بناء الجدار المثير للجدل على الحدود الأميركية -المكسيكية، ما ينذر بتوتر سياسي جديد في المستقبل القريب.

وفيما كان يمازح أعضاء الكونغرس أحيانًا، وفي أحيان أخرى يتحدث باندفاع، قال ترمب للكونغرس "يجب أن نرفض سياسات الانتقام، وأن نغتنم الإمكانات اللامحدودة من التعاون والوفاق".

أضاف "معًا، نستطيع كسر عقود من الجمود السياسي. يمكننا التغلّب على الانقسامات القديمة، شفاء الجروح القديمة، بناء تحالفات جديدة، تطوير حلول جديدة، وإطلاق عنان الوعد الاستثنائي لمستقبل أميركا. اتّخاذ القرار متروك لنا". تابع "يُمكننا جعل مجتمعاتنا أكثر أمانًا، وعائلاتنا أقوى، وثقافتنا أكثر غنى، وإيماننا أكثر عمقًا، وطبقتنا المتوسطة أكبر وأكثر ازدهارًا من أي وقت مضى". &

مصممون على الانسحاب
على صعيد السياسة الخارجية، أكد ترمب مجددًا تصميمه على سحب القوات الأميركية من أفغانستان وسوريا في أسرع وقت ممكن. وأعلن أنه سيواصل دبلوماسيته مع كوريا الشمالية عبر لقاء الزعيم كيم جونغ أون في 27 و 28 فبراير في فيتنام.

كما شدد ترمب على أقوى ورقة في يده أمام الناخبين، وهي الازدهار الاقتصادي، قائلًا إنه "أفضل اقتصاد في العالم"، وداعيًا إلى مبادرة موحدة لاستئصال مرض الإيدز من الولايات المتحدة في غضون عقد من الزمن.

وشدد الرئيس الأميركي على أنّ هناك "معجزةً اقتصاديّة تحدث في الولايات المتّحدة، والأشياء الوحيدة التي يُمكن أن توقفها هي الحروب الحمقاء أو السياسة أو التحقيقات السخيفة والمنحازة". وأردف "يجب أن نكون متّحدين في بلدنا لهزيمة خصومنا في الخارج".&

لكن الهدف الرئيس من الخطاب، حيث قاطعه مرات عدة الجمهوريون بالتصفيق الحاد، كان عرض رؤية رئاسية أكثر شمولية استعدادًا لانتخابات العام 2020. إلا أن الانقسام لا يزال شديدًا في البلاد منذ تولي إدارة ترمب السلطة وصولًا إلى كل جانب من الحياة السياسية تقريبًا.

وكان الانقسام ظاهرًا منذ دخول ترمب مجلس النواب، حيث تدافع الجمهوريون إلى مصافحته، فيما بقي معظم الديموقراطيين بعيدًا عنه.

الجدران تنفع
حين وصل ترمب إلى موضوعه المفضل، وهو بناء جدار على الحدود المكسيكية لوقف تدفق المهاجرين غير القانونيين، كان الديموقراطيون يهزون رؤوسهم بغضب.

وبعد الخطاب قال عضو مجلس النواب الديموقراطي النافذ ستني هوير أن ترامب لجأ إلى لغة "التخويف لإخفاء حقيقة أن رئاسته تفتقد إلى حس القيادة، وهي مسيئة إلى مستقبل الأميركيين". ومبادرة الرئيس وفشله في الحصول على تمويل من الكونغرس لبناء الجدار هي في صلب الانقسام السياسي، الذي كان يحاول الرئيس في خطابه إصلاحه.

قال ترمب "بكلّ بساطة، الجدران تنفع، والجدران تُنقذ أرواحًا. لذا، دعونا نعمل معًا على تسوية، ولنتوصّل إلى اتفاق يجعل أميركا آمنة حقًّا". أضاف بلهجة تحد "سأبنيه"، وسط تصفيق حاد من الجمهوريين، وصمت من الديموقراطيين.

ويرى الديموقراطيون أن تحذيرات ترمب بخصوص الهجرة غير القانونية هي لمجرد إشاعة الخوف، ورفضوا تقديم التمويل اللازم.
تسبب الخلاف المرتبط بهذا الملف بإغلاق جزئي لإدارات الحكومة الفدرالية، استمر خمسة أسابيع، وأدى إلى تأجيل خطاب حال الاتحاد أسبوعًا.

لكن الأمور قد تتفاقم مع تهديد ترمب بتجديد فترة الإغلاق الحكومي أو إعلان حالة طوارئ وطنية، لكي يتمكن من تجاوز الكونغرس، وإعطاء نفسه سلطة الحصول على تمويل عسكري لمشروعه. حديث ترمب عن نجاحاته في مجال السياسة الخارجية لا تلقى أصداء واسعة، حتى في صفوف حزبه.

فقد كرر ترمب في خطابه القول إنه يريد سحب القوات الأميركية من أفغانستان وسوريا في أسرع وقت ممكن. وأشار إلى محادثات "بناءة" مع حركة طالبان "شهدت تسارعًا".

لكن الوعود بسحب القوات كانت لاقت انتقادات من جانب أجهزة الأمن والعديد من الجمهوريين، الذين يتخوفون من خسارة النفوذ الأميركي على الساحة الدولية.

في ملف فنزويلا، واصل ترمب الضغوط على الرئيس اليساري نيكولاس مادورو قائلًا "نقف مع الشعب الفنزويلي في سعيه النبيل إلى الحرية".

محادثات "بنّاءة" مع طالبان

هذا وتحدّث دونالد ترمب الثلاثاء في خطابه حول حال الاتّحاد، عن وجود محادثات "بنّاءة" مع طالبان في أفغانستان التي يُريد الرئيس الأميركي أن يسحب قوّاته منها بعد 17 عامًا من الصّراع.

وقال ترمب: "إدارتي تُجري محادثات بنّاءة في أفغانستان مع عدد من الجماعات الأفغانيّة، بينها طالبان". وأضاف "مع تقدّم هذه المفاوضات، سنتمكّن من الحدّ من وجود قوّاتنا، والتركيز على مكافحة الإرهاب. لا نعرف ما إذا كنّا سنتوصّل إلى اتّفاق أم لا، لكننا نعرف أنّه بعد عقدين من الحرب، فإنّ الوقت حان لمحاولة صنع السلام على الأقلّ".

تابع ترمب "لقد قاتلت قوّاتنا بشجاعة لا مثيل لها (في أفغانستان). وبفضل شجاعتها، أصبحنا الآن قادرين على إيجاد حلّ سياسي لهذا النزاع الدموي الطويل". كما تحدّث ترمب أمام الكونغرس عن سوريا، وعن قراره المفاجئ سحب زهاء ألفي جندي أميركي منتشرين هناك. وقال "عندما تسلّمت مهماتي (الرئاسية)، كان تنظيم الدولة الإسلاميّة يُسيطر على أكثر من 50 ألف كيلومتر مربّع في العراق وسوريا".&

تابع ترمب: "لقد حرّرنا اليوم كلّ هذه الأرض تقريبًا من قبضة هؤلاء القتلة المتعطّشين إلى الدّماء. وفي وقت نعمل جنبًا إلى جنب مع حلفائنا لتدمير ما تبقّى من تنظيم الدولة الإسلاميّة، حان وقت التّرحيب بحرارة بأولئك الذين قاتلوا بشجاعة في سوريا".

سرقة وظائف الأميركيين انتهت
إلى ذلك، حذّر ترمب الصين الثلاثاء من أنّه لن يعود بإمكانها "سرقة الوظائف والثروة الأميركيّة"، مطالبًا بـ"تغييرات هيكليّة" من بكين لإنهاء ممارساتها التجاريّة "غير العادلة"، وذلك في خطاب حول حال الاتّحاد ألقاه أمام الكونغرس.

وقال ترمب: "أكنّ الكثير من الاحترام للرئيس (الصيني) شي (جينبينغ)، ونحن نعمل على اتّفاق تجاري جديد مع الصين، لكنّه يجب أن يتضمّن تغييرات هيكليّة حقيقية لإنهاء الممارسات التجاريّة غير العادلة وخفض العجز المزمن لدينا وحماية الوظائف الأميركية".&

وتنتهي في الأوّل من مارس مهلة اتّفق عليها الرئيسان الصيني والأميركي من أجل التوصّل إلى اتفاق لتسوية الخلافات التجاريّة بين البلدين، وإلا فإنّ واشنطن تُهدّد بفرض رسوم جمركية مشددة على شريحة جديدة من البضائع الصينية المستوردة.

لقاء كيم في نهاية فبراير
في ما خص التقارب مع كوريا الشمالية، أعلن ترمب الثلاثاء أنّه سيلتقي الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يومَي 27 و28 فبراير في فيتنام، لمواصلة المفاوضات المتعلّقة بنزع الأسلحة النوويّة لكوريا الشمالية.

وقال ترمب في خطابه "في إطار دبلوماسيّتنا الجريئة، نُواصل جهدنا التاريخي من أجل السلام في شبه الجزيرة الكوريّة". وأشاد بالتقدّم الذي تحقّق منذ الانفراج الذي بدأ في العام الماضي، مؤكّدًا أنّه لو لم يُنتخَب رئيسًا، لكانت الولايات المتّحدة في حالة "حرب كبرى الآن مع كوريا الشمالية".

أضاف ترمب "لقد عاد رهائننا إلى الديار، وتوقّفت التجارب النوويّة، ولم يتمّ إطلاق صواريخ منذ 15 شهرًا". وتابع "ما زال هناك عمل كثير يجب فعله، لكنّ علاقتي بكيم جونغ أون جيّدة".

وكان ترمب قد التقى كيم في يونيو الماضي في سنغافورة، في أول قمة بين الدولتين، بعد أشهر على تهديد الرئيس الأميركي كوريا الشمالية بسبب تجاربها النووية والصاروخية. ومنذ القمة تراجعت لهجة ترمب إزاء كيم، وقال إن "الحب" يجمعهما، معربًا عن رغبته في لقائه رغم أن المنتقدين يقولون إن وعود كوريا الشمالية لا تزال غامضة.

سيكون على الزعيمين في فيتنام مناقشة معنى التزام كوريا الشمالية في سنغافورة بـ"نزع السلاح النووي"، وسط تصور كيم لنزع جميع الأسلحة في شبه الجزيرة، وليس التخلي عن ترسانة استغرق بناؤها عقودًا. ويتوجه الموفد الخاص إلى كوريا الشمالية ستيفن بيغون الأربعاء لإجراء محادثات في بيونغ يانغ للتحضير للقمة.

وكان بيغون قد أعلن في الأسبوع الماضي أنه فيما لن يتم إلغاء جميع العقوبات بدون التوصل إلى نزع السلاح النووي، إلا أن واشنطن مستعدة لاتخاذ الخطوات الأولى نحو تحفيز النمو الاقتصادي لهذا البلد الذي تخنقه العقوبات الدولية.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان الإثنين إن هذا الاجتماع يجب أن يُتيح حصول "تقدّم جديد" في ما يتعلّق بـ"التزامات" كلا الطرفين، مشيرةً خصوصًا إلى "نزع الأسلحة النووية" و"تحويل العلاقات" بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فضلًا عن "بناء سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية".
&