بنغازي: أعادت الحرب التي يشنها "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر في شرق ليبيا إحياء التوترات القبلية والاتنية في بلد غارق في الفوضى منذ سنوات.

بعد أكثر من سبعة أعوام من سقوط نظام معمر القذافي، لا تزال ليبيا منقسمة بين حكومة توافق وطني مقرها في طرابلس (شمال غرب) وتحظى بدعم المجتمع الدولي، وحكومة موازية يدعمها "الجيش الوطني الليبي" بقيادة حفتر والذي يسيطر على شمال شرق البلاد.

اما الجنوب الصحراوي المترامي والمحاذي للجزائر والنيجر وتشاد والسودان، فقد أهملته الحكومتان المذكورتان اللتان تتنازعان السلطة في الشمال.

رغم ذلك، شن "الجيش الوطني الليبي" منتصف كانون الثاني/يناير هجوما في هذه المنطقة التي ينشط فيها الجهاديون والمهربون تحت شعار "تطهيرها من الجماعات الارهابية والإجرامية".

وبعدما أعلن بعد بضعة أيام من شن الهجوم تصفية زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، اكد جيش حفتر أنه يركز معركته على مجموعات تشادية متمردة متهمة بزعزعة الامن واستغلال فوضى الحدود لاقامة قواعد خلفية.

لكن هذه العملية تهدد بتأجيج التوتر في منطقة سبق أن شهدت معارك دامية بين قبائل التبو وقبائل عربية للسيطرة خصوصا على طرق التهريب، وذلك حتى توقيع اتفاق سلام العام 2017.

"تطهير إتني"

وتشكو قبائل التبو، وهي اقلية ليبية سوداء، من التمييز ومما تعتبره "تطهيرا إتنيا". وتتهم "الجيش الوطني الليبي" بانه أفسح المجال لقبائل عربية منافسة التوغل في مناطقها، علما بان هذا الجيش يضم أفراداً من التبو في صفوفه.

وفي وقت أعلن جيش حفتر الجمعة أنه تصدى لمتمردين تشاديين في منطقة جنوب سبها التي تبعد 650 كلم من طرابلس، قبل ان يشن الاحد ضربات جوية استهدفت هذه الجماعات، أكد التبو الليبيون أنهم استُهدفوا بدورهم، وابدى ممثلوهم في شمال شرق ليبيا استياء كبيرا.

وقال يوسف كلكوري العضو في برلمان طبرق لفرانس برس إن التبو يرفضون بشدة دخول أفراد من قبيلتي أولاد سليمان والزوي العربيتين الى مدنهم.

وردا على ذلك، اعلنت نائبة أخرى من التبو تعليق مشاركتها في جلسات البرلمان فيما قدم وزير من التبو في الحكومة الموازية في الشرق استقالته. وتحدث الاثنان عن ممارسة "تطهير إتني" بحق هذه القبائل.

لكن العميد احمد المسماري المتحدث باسم "الجيش الوطني الليبي" ندد بما اعتبره "حملة اعلامية".

واكد لفرانس برس أن "اخواننا من التبو يقاتلون الى جانبنا"، مشيدا بالعملية "البطولية" لقوات حفتر التي "تطهر الجنوب من الارهاب والفوضى والوجود الاجنبي".

وأوضح المحلل جلال الفيتوري أن التبو منقسمون، لافتا الى أن "قسما منهم يرفض وجود المتمردين التشاديين ويدعم الجيش الوطني، في حين يدعم قسم آخر التشاديين وينسق معهم لممارسة عمليات التهريب وصولا الى تهريب البشر".

رهانات نفطية

من جهة أخرى، يرى محللون أن العملية العسكرية التي ينفذها "الجيش الوطني" تنطوي على رهانات نفطية، كون التبو يسيطرون على حقول مهمة بين الكفرة ومرزق واوباري.

ومساء الاربعاء، اعلنت قوات حفتر سيطرتها من دون معارك على حقل الشرارة النفطي الواقع قرب مدينة اوباري على بعد 900 كلم جنوب طرابلس.

وبعد صمت استمر ثلاثة أسابيع، نددت حكومة الوفاق الليبية الاربعاء ب"التصعيد العسكري" في الجنوب، واعتبرت في بيان ان هذه المنطقة ينبغي الا تتحول "ساحة لتصفية الحسابات السياسية او للتحريض بين المكونات الاجتماعية والثقافية".

الى ذلك، اعتبرت الحكومة ان العملية العسكرية للمشير حفتر تهدد بتقويض الجهود الهادفة الى وضع حد للأزمة السياسية في ليبيا، وخصوصا عبر إجراء انتخابات هذا العام بإشراف الامم المتحدة.

وفي خطوة غير مسبوقة تهدف بوضوح الى منع حفتر من التفرد بالقرارات، أعلنت طرابلس تعيين مسؤول عسكري سابق في نظام القذافي هو الفريق علي سليمان كنا قائدا عسكريا للمنطقة الجنوبية.

والفريق كنا الذي دعم القذافي حتى مقتله، كان فر من ليبيا العام 2011 قبل أن يعود الى مسقطه جنوب البلاد في 2015 حيث يحظى بدعم العديد من القبائل الكبرى بينها الطوارق وقبيلة القذافي.

وتحدث ممثلون للتبو في الايام الاخيرة عن إمكان تشكيل جبهة مشتركة مع الفريق كنا ضد قوات حفتر.

ومن شأن ذلك أن يحد من طموحات حفتر رغم أنه يحظى بدعم ضمني من بعض الدول، وخصوصا فرنسا، على قول المحلل عماد بادي.

واعتبرت الخارجية الفرنسية في بيان أن عملية حفتر أتاحت "القضاء على أهداف إرهابية مهمة" وتشكل وسيلة "لوقف نشاط مهربي البشر في شكل دائم".