«ميشيل» سيدة من أصول سويسرية، ولدت في منطقة سوس في أغادير (جنوب) لأبوين سويسريين عاشا في المغرب. أحبت هذا البلد الذي نشأت وترعرعت فيه. يلقبّها البعض بـ «بريجيت باردو» المغرب، نظرًا إلى إهتمامها بتربية الحيوانات والإعتناء بها، وهو ما دفعها إلى التفكير في الإنخراط في مشروع الحدّ من الكلاب الضالة في مدينة أغادير، مسقط رأسها، وتسخير إمكاناتها لتحقيق هذا الهدف.&

إيلاف من الرباط:&وجدت ميشيل أن الحل الذي تنتهجه السلطات المحلية في مدينة أغادير وغيرها من المناطق بقتل الكلاب وإبادتها، نظرًا إلى ما تمثله هذه الأخيرة من خطر على حياة العديد من المواطنين، سيما الأطفال الذين يتعرّضون لحوادث مميتة أحيانًا، يعطي صورة سيئة عن البلد الذي أحبته وخبرت كرم سكانه وطيبتهم. &

إنشاء جمعية&
مع الصعوبات التي وجدتها ميشيل للإنخراط بشكل فعلي في القضاء على الكلاب الضالة، بعيدًا عن قتلها، كان لا بد من إنشاء إطار قانوني يحميها ويحمي الحيوانات التي وجدت في كنفها الحب والرعاية.&

تقول ميشيل لـ «إيلاف المغرب» إن مشكل قتل الكلاب الضالة يكلف الدولة المغربية مبالغ طائلة، كما إن الطريقة التي يعالج بها المشكلة تعطي صورة سيئة عن المغرب، في حين أن حله بسيط وممكن، لذلك تضيف ميشيل «فكرت في سنة 2011 بتأسيس جمعية تعنى بالكلاب، وهو ما دفعني إلى توقيع اتفاقية مع السلطات في مدينة أغادير، حيث حصلنا على مبلغ مالي يقدر بـ500 ألف درهم (52 &ألف دولار تقريبًا)، بفضل تعاون المسؤولة عن المكتب الصحي التابع لمجلس جماعة أغادير، ومن ثم &أصبحنا نحصل على الكلاب التي يتم جمعها من طرف هذا المكتب، ويتم بعد ذلك إخصاؤها وإخضاعها للتلقيح وتسريحها، إلا أنه لظروف طارئة اضطررنا لتوقيف المشروع للأسف».

تقول ميشيل إن المغرب يتوافر على 2.8 مليون من الكلاب، وبالتالي فعملية جمعها من الشوارع لن تحل المشكلة، بما إنه كلما تم التخلص من عدد منها، جاءت أخرى مكانها، وهو ما يتطلب تكثيف الجهود من أجل عمليات الإخصاء والتلقيح، وهي عمليات تسمى «TNR»، وهو برنامج معتمد من طرف منظمة الصحة العالمية، ويعنى بجمع الكلاب الضالة، وإخصائها وتسريحها.

مهمة صعبة
رغم حبها الشديد للكلاب، إلا أن انخراطها في هذا المشروع جاء نتيجة إيمانها بأن الكلاب المغربية تنتمي إلى فصائل نادرة ومحببة، كما تتميز بذكائها، الشيء الذي جعلها تنخرط في مهمة كانت تدرك منذ الوهلة الأولى أنها لن تكون سهلة.&

تعرف ميشيل أن مسألة تدبير الكلاب الضالة معقدة، ويتم وضعها على عاتق المكتب الصحي الذي لا يتوافر على أطباء بيطريين قادرين على إخصاء هذا الكم الهائل من الكلاب، في حين أن بيطريي القطاع الخاص لا يرغبون في الإنخراط في برنامج مماثل، بسبب التكلفة التي تصل إلى 1000 درهم للكلب الواحد.&

تضيف أن الكلاب في القرى والبوادي لا تمثل خطرًا على حياة السكان، بسبب ضعف الموارد الغذائية، اللهم إذا كانت مصابة بالسعار، وبالتالي فهي تخضع لما يسمى "القضاء الطبيعي" (élimination naturelle)، أي إن عددها يتقلص من تلقاء نفسه بسبب عدم توافر الغذاء الكافي، وهو ما لا يحدث في المدن، التي تعاني من مشكل تدبير النفايات، حيث تجد فيها الكلاب مراتع لها. كما إنها وسيلة ناجعة للتخلص من الفئران، حيث يتغذى الكلب على 25 فأرًا، وبالتالي فقتل كلب يكلفنا توفير 25 فأرًا، علمًا أن الفأر أشد خطورة من الكلب، تؤكد ميشيل.

إلمامها بكل تلك الحيثيات ومعرفتها الدقيقة بحقيقة الأرقام وما تشكله من مشكل يؤرق العديد من الجهات في المملكة، جعلها توجّه نداءً إلى السلطات المحلية، وذلك للإلتفاتة إلى مشكلة تدبير النفايات، حيث إن كثرتها توفر الطعام للكلاب الجائعة، سيما أن الكلب حيوان مكتسح بطبيعته، ونذرة الطعام تدفعه إلى طرد الحيوانات الأخرى من المجال الذي يعيش فيه.&

بلغة الأرقام تؤكد ميشيل أنه في المغرب يتم قتل 170 ألف كلب سنويًا، لكن الكلاب تتوالد أكثر كلما تمَت إبادتها، إنه قانون الطبيعة تقول، ومن ثم فمسألة الإبادة عن طريق قتلها ووضع السم لها، لم ولن يكون وسيلة ناجعة لحل هذا المشكل. &

الرحلة إلى تارودانت&
لم تجد ميشيل بدًا من نقل أكثر من 700 كلب و300 من الحيوانات الأخرى نحو منطقة تارودانت (حوالى 80 كيلومترًا عن أغادير)، بعدما تعذر الإلتزام بالبرنامج الذي التزم به مجلس جماعة (بلدية) أغادير.
&
اضطرت ميشيل إلى نقل حيواناتها إلى ضيعة اشترتها في الطريق الرابطة بين أغادير وتارودانت، وتحديدًا في منطقة «سبت الكردان»، حيث تقضي هناك معظم وقتها في الإعتناء بحيواناتها، بمساعدة فريق مكون من 5 عمال يساعدونها على الإعتناء بما يزيد على 700 كلب و300 حيوان آخر، من قطط وبغال وأحصنة وغيرها.&

تدرك ميشيل أن نظرة المغاربة للكلاب تطورت مع مرور الوقت، وأصبح الناس أكثر إقبالًا على تربيتها والإعتناء بها، خاصة في المدن، وهو ما تؤكده بقولها «هناك قرية طلبت مني الحصول على 30 من الكلاب، بعدما تعرّضت كلابها للإبادة من طرف السلطات المحلية هناك».

عن مصادر التمويل تقول إنها استطاعت أن تمنح مواطنين من خارج المغرب كلابًا يفوق عددها الـ200، وهم لا يترددون في تقديم الدعم إلى الجمعية من أجل القيام بمهمتها كلما دعت الضرورة إلى ذلك، إضافة إلى تمويلات أخرى من منظمات أجنبية تعنى برعاية الحيوانات.

تتأسف ميشيل ألا يعالج هذا الملف بالشكل المطلوب، مؤكدة أن وزارة الداخلية المغربية تعرف جيدًا أن هذا الملف ثقيل ومكلف، وتبذل جهودًا كبيرة، وهي تتوافر على أرقام مخيفة، من بينها أن ما بين 25 و30 شخصًا يقتلون بالكلاب سنويًا. كما إن تكلفة التلقيحات لأشخاص ضحايا حوادث عض من الكلاب المسعورة في تزايد مستمر، مما يتطلب تدخل كل الأطراف المعنية، خاصة الأطباء البيطريين في القطاع الخاص الذين يطلبون مبالغ كبيرة أحيانًا، علمًا أن السلطات لا يمكنها وحدها توفير تلك الموارد.&

وعن مدى إقبال المواطنين على تربية الكلاب، تتأسف ميشيل لكون الناس باتوا يفضلون كلابًا من السلالات التي أضحت من مظاهر الموضة (مالينوا، شيواوا..) علمًا أن كلاب الشوارع من أذكى الكلاب، لأنها تكون مضطرة لذلك، حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة، تقول ميشيل.&