من يتخيل رفوفًا فارغة في محال السوبرماركت وطوابير من آلاف الشاحنات الآتية من أوروبا خارج الموانئ تنتظر التفتيش قبل مواصلة الرحلة إلى المدن البريطانية ومئات الشاحنات البريطانية في طريقها إلى أوروبا تتحرك ببطء شديد كالسلحفاة؟.

إيلاف من لندن: هل يتوقع أن يفقد آلاف المواطنين وظائفهم؟، وماذا عن الصفة القانونية لخمسة ملايين مواطن أوروبي وبريطاني يعيشون ويعملون في بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي؟.. وهل ستستقبل مطارات أوروبا الطائرات والمسافرين البريطانيين والعكس؟.. أسئلة كثيرة وتعقيدات بيروقراطية متوقعة إذا خرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتاريخ 29 مارس المقبل بدون اتفاق أو صفقة ترضي جميع الأطراف.

بقي أقل من 6 أسابيع لانفصال بريطانيا من كتلة الاتحاد الأوروبي. ومعظم المؤشرات تدل أن الخروج سيكون فوضويًا، وبدون صفقة، وهذا ما يتمناه المتشددون في حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، من أمثال بوريس جونسون وزير الخارجية السابق وجاكوب ريز موغ عضو البرلمان اليميني.

لكن المعجزات تحدث أحيانًا، وقد يتم التوصل إلى اتفاق في الأيام الأخيرة. وهذا المقال يستند إلى افتراضية بريكسيت بدون اتفاق أو صفقة.

عمليًا ماذا سيحدث؟
تنظر الشركات التجارية البريطانية إلى فرضية عدم التوصل إلى اتفاق بمزيد من القلق والاهتمام، واتخذت غالبية الشركات الكبرى خطوات احترازية، مثل تخزين ما يمكن تخزينه من مواد غذائية وأدوية وقطع غيار ومكونات تدخل في الصناعات وغيرها من اللوازم.

وحسب موقع "بلومبيرغ" للمال والأعمال، فإن أسواق المشتقات والأوراق المالية والمعاملات التي قيمتها ترليونات الدولار ستتأثر بشكل سلبي، وستحقق خسائر غير مسبوقة بدون اتفاق وتفاهم بين الأطراف.

لكن ما يخافه البريطانيون هو عنق الزجاجة في إمدادات المواد الغذائية المستوردة، وهذا خطر حقيقي يواجه الحكومة. وتتساءل الصحف البريطانية أيضًا: "ماذا سيحدث لتدفق البيانات المعلوماتية المنتظم بين المفوضية الأوروبية والحكومة البريطانية في لندن؟"، لا شك أن بروكسل تأخذ خطوات لحماية الاتحاد الأوروبي من تبعيات وتداعيات بريكسيت، وتنصح الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعدم التعاون مع بريطانيا وعدم تسهيل مهمة خروجها من الاتحاد الأوروبي.

رغم ذلك هناك تعاون موقت على الأقل في مجال أسواق المال والبورصات تفاديًا لانصهار الأسواق المالية الذي سيأتي بالضرر الشديد لجميع الأطراف. لا أحد يريد تكرار سيناريو 2008 لذا التعاون المصرفي في مجال التسديدات والتسويات بين البنوك والمؤسسات المالية والمشتقات المالية وصناديق التحوط لن يتوقف كليًا، لأنه في حالة غياب التعاون ستكون هناك كارثة لا تحمد عقباها.&

كما تمارس الضغوطات على لندن وبروكسل لمواصلة التعاون بين سلطات الرقابة التي تنظم أعمال وممارسات البنوك وأسواق المال والسندات وهيئات التنظيم والسلوك المالي وبيع وشراء الأسهم بالتنسيق وتبادل المعلومات.

وعبّر بعض المراقبين عن خوفهم وقلقهم من أن جو الارتباك والفوضى الناتجة من بريكسيت بدون اتفاق قد يغريان بعض المتعاملين بكسر الأنظمة وارتكاب خروقات غير شرعية في التعاملات لتحقيق مكاسب غير مشروعة، مما سيخلق ملابسات قانونية وقضايا في المحاكم وعزوف المستثمرين.

الاستخبارات والأمن
وماذا سيحدث لشبكات تبادل المعلومات الاستخبارية بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي؟، هل ستتوقف؟، يعتقد وزير الداخلية البريطانية ساجد جافيد أن بريكسيت يعني أن بريطانيا ستفقد القدرة على الاستفادة من التسهيلات والإمكانات الأوروبية في مجال الأمن.&

وحذرت مصادر الشرطة البريطانية أن التعاون بين أجهزة الأمن الأوروبية والبريطانية سيواجه عراقيل بيروقراطية، مما سيعوق تطبيق بنود اتفاقات تقاسم المعلومات الاستخبارية المتعلقة بمراقبة المتطرفين والإرهابيين. ناهيك عن تهريب المخدرات وغيرها من المحظورات، وكذلك تطبيق بنود اتفاقات تبادل المجرمين والفارين من العدالة.

الأغذية والتخزين
رفعت محال السوبرماركت وتيرة استيراد الأغذية من الاتحاد الأوروبي في الأسابيع الأخيرة من أجل التخزين، وتم استغلال معظم السعة التخزينية للمواد المجمدة والمبردة. ويعتمد قطاع بيع التجزئة البريطاني بشكل كبير على المزوّدين الأوروبيين للمواد الغذائية من خلال سلاسل الإمدادات لوصول الأغذية الطازجة.&

تستورد بريطانيا ثلث حاجتها من الغذاء من الاتحاد الأوروبي. ويتركز الخوف والقلق حول الازدحام في ميناء كاليه الفرنسي وميناء دوفر البريطاني، وهما أهم معابر تتمتع بحرية تربط بريطانيا وفرنسا وأوروبا،&الأمر الذي سيخلق تأخيرًا في حركة الترانزيت، وربما تلف المواد الغذائية قبل وصولها إلى المستهلك، بسبب إجراءات التفتيش الجمركية أو ما تسمى الحدود الصلبة مع الاتحاد الأوروبي.

الطيران والمطارات
وحسب الاتفاقات الموقتة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي التي أبرمت في الأسابيع الأخيرة ستتمكن الطائرات من أوروبا الهبوط في مطارات بريطانيا، والعكس، من دون مشاكل تذكر حتى بعد تاريخ بريكسيت في 29 مارس، سواء باتفاق أم لا.. وتقوم خطوط الخدمات الجوية البريطانية بتخزين مواد غذائية تكفي لعشرة أيام من الرحلات الجوية لإطعام المسافرين، وكذلك خطوط خدمة قطارات اليوروستار ستواصل عملياتها، ولكن تحت أنظمة الاتحاد الأوروبي، حتي تتم إعادة وتعديل الاتفاقات الموقتة لتصبح اتفاقات دائمة.

الأدوية ومنتجات الدم الطبية
تعمل الحكومة على تخزين كميات من الأدوية واللوازم الطبية تكفي 18 أسبوعا بعد 29 مارس كخطوة احترازية في حالة انقطاع الإمدادات من أوروبا. كما إن الصيدليات تحجز حيزات من سعة الشحن الجوي لنقل الكميات المستوردة في طائرات النقل لحمل المواد الطبية والأدوية لإحضارها إلى بريطانيا لسد الثغرات في السوق في حالة تأخير أو انقطاع الإمدادات من أوروبا.

مصانع السيارات والصناعات الأخرى
مصانع السيارات والآليات وغيرها من المصانع تعتبر بريكسيت كابوسًا بيروقراطيًا باهظ التكلفة. وعارضت غالبية الشركات والمصانع مشروع بريكسيت من الأساس. وتقوم الشركات الآن باستيراد كميات كبيرة من القطع واللوازم وتجميعها في المخازن.&
فشركة "إيرباص" تخزن موادَّ وقطعًا تكفي لشهر كامل في بريطانيا وألمانيا. وكذلك "رولز رويس" ومصانع السيارات تستورد كميات احتياطية تكفي أسابيع عدة، وبعض المصانع تتوقع الإغلاق حتى يتم التوصل إلى حلول.

&.. وتتوالى الخسائر
كوارث بريكسيت لم تتوقف. حيث حسب تقديرات بنك انجلترا (بنك بريطانيا المركزي) بلغت خسارة الاقتصاد البريطاني منذ الاستفتاء للخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016 حوالى 80 مليار جنيه إسترليني (104 مليار دولار) أي 2% من إجمالي الإنتاج البريطانيGDP أو ما يعادل 800 مليون جنيه إسترليني أسبوعيًا أو 40 مليار جنيه إسترليني سنويًا.&

رافق ذلك انهيار في معدلات الاستثمارات في بريطانيا، حيث استقرت على &صفر سنويًا، بينما ارتفعت الاستثمارات في الدول الصناعية مجموعة 7 بمعدل 6% سنويًا، ناهيك عن تدهور قيمة الجنيه الإسترليني الصرفية مقبال الدولار واليورو والعملات الأخرى.


&