قرب الباغوز: أجلت قوات سوريا الديموقراطية الأربعاء دفعة جديدة من المدنيين المحاصرين من آخر جيب لتنظيم الدولة الإسلامية في شرق سوريا، في إطار عملية مستمرة منذ أسبوع، تمهيدًا لشنّ هجومها الأخير على المقاتلين الرافضين الاستسلام.

يستمر منذ أسبوع خروج آلاف الرجال والنساء والأطفال، بينهم عدد كبير من الأجانب، من البقعة الأخيرة المحاصرة في بلدة الباغوز، وتقدّر مساحتها بنصف كيلومتر مربع.

ووصل الأربعاء مئات الأشخاص في 15 شاحنة إلى نقطة الفرز بعد خروجهم من الباغوز، في دفعة هي الخامسة من نوعها منذ الأربعاء الماضي.

أفادت صحافية وكالة فرانس برس أن الشاحنات لم تكن مكتظة، كما كانت الحال خلال الأسبوع الأخير. وليس واضحًا ما إذا كان ذلك ناتجًا من انخفاض أعداد المحاصرين في الداخل أو عدم رغبة من تبقى منهم في الخروج.&

بعد أسابيع من تضييق قوات سوريا الديموقراطية خناقها على جيب التنظيم، يصل هؤلاء بعد إجلائهم متضوّرين جوعًا، ولا يحملون إلا حاجياتهم البسيطة من ثياب وأغطية شتوية إلى نقطة فرز.

وشاهدت صحافية فرانس برس عند نقطة الفرز الواقعة على بعد أكثر من عشرين كيلومترًا شمال بلدة الباغوز، الأربعاء، رجالًا مصابين يمشون على عكازات، بينهم سليمان محمد تربو (30 عامًا) من غرب حلب. ويقول لفرانس برس إنه كان يدرّس "أشبال الخلافة"، تسمية يطلقها التنظيم على الأطفال الذين يجندهم ويخضعهم لدورات قتالية وتدريبية. لكنه يصرّ على أن الدروس كانت تقتصر على "القراءة والقرآن والفقه والصلاة والحساب والرياضة".

وعلى مدى سنوات، أصدر التنظيم مناهجه الدراسية وعملته الخاصة، وجبى الضرائب من المواطنين، وأثار الرعب بقوانينه المتشددة، بعدما أعلن في العام 2014 إقامة "الخلافة الإسلامية" على مساحات واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق، تقدر بمساحة بريطانيا. يضيف سليمان "خرج أهلي قبلي عبر التهريب، لكنني لم أتمكن من ذلك، لأنهم لم يسمحوا (مقاتلو التنظيم) لأحد بالخروج".

"لحم، لحم"
وسط الصحراء، يخضع الرجال والنساء والأطفال إلى عمليات تفتيش وتدقيق في هوياتهم، لتمييز من يشتبه في أنهم مقاتلون في التنظيم المتطرف، قبل أن يحصلوا على خبز وماء وحليب، فضلًا عن حفاضات للأطفال. ووجدت مقاتلة من قوات سوريا الديموقراطية الأربعاء رصاصة في حقيبة يد امرأة منقبة. وسرعان ما أنكرت الأخيرة علمها بذلك، مرجحة أن "يكون أحد الأولاد قد وضعها".

يحمل أحد المقاتلين كيسًا أبيض اللون، يضع فيه ما يصادره من أغراض بحوزة الخارجين من الباغوز، بينها مرآة، باعتبار أنها قد "تجرح"، بحسب قوله. ويقول أحد الشبان وفي يديه عكازتان "والله ليس بحوزتي شيء". يصادر مقاتلو قوات سوريا الديموقراطية هاتفه النقال، رغم أن شاشته مكسورة، لكنهم يتركون له مالًا من العملة السورية وجدوه في جيبه.

انهمكت سيدة منقبة في جرّ طفل يبكي، بينما عملت أخرى على إطعام أطفالها من وجبات الأرز واللحم التي وزّعتها قوات سوريا الديموقراطية، في حين كان ابنها الذي لم يتجاوز عمره العامين يصرخ "لحم، لحم".

ومنذ ديسمبر، خرج نحو خمسين ألف شخص من جيب التنظيم، غالبيتهم نساء وأطفال من عائلات مقاتلي التنظيم، بينهم أكثر من خمسة آلاف مشتبه في انتمائهم إلى التنظيم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتقدّر قوات سوريا الديموقراطية، المؤلفة من فصائل عربية وكردية تدعمها واشنطن، أن بضعة آلاف لا يزالون داخل الجيب، في رقم فاق توقعاتها.

يقول قياديون في صفوف هذه القوات إنهم ينتظرون انتهاء عملية الإجلاء لشنّ هجوم على جيب التنظيم المحاصر في حال عدم استسلام المقاتلين. وأظهرت مشاهد حصرية بثتها شبكة "بي بي سي" البريطانية الأربعاء البقعة الأخيرة الخاضعة لسيطرة التنظيم في الباغوز. ويمكن رؤية أبنية يبدو تصميمها بسيطًا وخيم نُصبت بشكل عشوائي عبر استخدام بطانيات ملوّنة. وتتوقف قربها شاحنات صغيرة بينما تتحرّك أخرى محمّلة بأغراض كثيرة.

تُظهر المشاهد أيضًا ملابس نُشرت على حبال ممتدة من خيمة إلى أخرى ونساء منقبات يتحركن قرب خيمهنّ ورجالًا يرتدون اللون الأسود يركضون بين الشاحنات أو الأبنية.

ثمانون وفاة&
يتمّ نقل النساء والأطفال من عائلات الجهاديين، إلى مخيم الهول شمالًا، بينما يُرسل الرجال المشتبه في انتمائهم إلى التنظيم المتطرف إلى مراكز اعتقال للتوسع في التحقيق معهم.

ومنذ ديسمبر، أحصت لجنة الإنقاذ الدولية وفاة ثمانين شخصًا، غالبيتهم من الأطفال، خلال رحلتهم إلى مخيم الهول أو بعد وصولهم بفترة قصيرة. وقالت الأربعاء إن ثلثي المتوفين من الأطفال هم دون عمر السنة.

وحذّرت منظمة "سايف ذي تشيلدرن" (أنقذوا الأطفال) الأربعاء من أنّ آلاف الأطفال المقيمين في مخيّمات في شمال شرق سوريا يعانون من "أزمات نفسية"، وكثيرون منهم يحتاجون علاجًا طويل الأمد.

وقالت المنظمة إنّ هؤلاء الأطفال "كانوا شهودًا على أعمال وحشية"، و"قد يحتاج الكثيرون منهم على الأرجح دعمًا نفسيًا-اجتماعيًا (...) على المدى الطويل" للتعافي. تتنوع عوارض هذه الأزمات النفسية، بحسب المنظمة، بين العصبية والعزلة والعدوانية والكوابيس والتبوّل اللاإرادي.

إلى جانب الباغوز، لا يزال التنظيم ينتشر في البادية السورية المترامية المساحة، بينما تنفذ "خلايا نائمة" تابعة له هجمات دامية في المناطق التي تم طرده منها.
&

&