الحسكة: خلال السنوات الأربع التي أمضاها الفتى الإيزيدي صدام (15 عاما) في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، قتل الجهاديون والده وباعوا والدته، وها هو اليوم رغم استعادته حريته لا يزال يعاني من الإنعكاسات النفسية للإعتقال.

خرج الفتى من جيب تنظيم الدولة الإسلامية الأخير في شرق سوريا مع عشرة أطفال أيزيديين آخرين كان قد خطفهم التنظيم في أعقاب بسط سيطرته على مساحات واسعة في سوريا والعراق.

صباح الثلاثاء، وصل صدام مع رفاقه إلى مركز إيواء للأولاد الأيزيديين في بلدة كومر الواقعة في محافظة الحسكة في شمال شرق البلاد. بدت شفتا الفتى مشدودتين تحت شاربيه النابتين حديثا، وكان متردداً في الردّ على أسئلة وكالة فرانس برس بحيث يصمت بعد كل سؤال أو يجيب بكلمات قليلة متقطعة.

يجلس صدام على مرتبة مغطاة ببطانيات في غرفة دافئة يغطي السجاد أرضها، بعيداً عن الخنادق والأقبية الباردة حيث كان يختبئ في الأسابيع الأخيرة من القصف. لكن إمكانات الراحة المتوافرة له حاليا لا تغير كثيرا من توتره الذي يصاحب بقوة كل كلمة يقولها وهو يروي قصته.

صدام هو الفتى الوحيد من المجموعة الذي وافق على الإجابة عن أسئلة فرانس برس وعلى تصويره. إذ إن غالبية الفتيان فضلوا الإبتعاد وأحياناً غطوا وجوههم.

وبقي الفتيان الأيزيديون الـ11، وهو الأكبر سناً بينهم، في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية حتى وصولهم إلى آخر جيب في بلدة الباغوز في شرق سوريا، المحاصر من جانب قوات سوريا الديموقراطية وهي فصائل كردية وعربية تدعمها واشنطن.

أطفال جنود
من الباغوز خرجت مجموعة الفتيان هذه بعدما سمح التنظيم على ما يبدو بخروج من يرغب، فسلموا انفسهم إلى قوات سوريا الديموقراطية التي تواصلت مع جمعية محلية هي "بيت الأيزيديين".

وبعد يومين على وصولهم الى كومر، بدا الفتيان بثياب جديدة بعدما استحمّوا وتلقوا الرعاية اللازمة، وتمكنوا اخيرا من النوم بأمان وسلام واللهو في حديقة المركز.

بعض هؤلاء الفتيان متحدّر على غرار صدام، من سنجار في محافظة نينوى في شمال العراق، المعقل التاريخي للأيزيديين، وهم أقلية تتحدث الكردية مضطهدة عبر العصور بسبب معتقداتها الدينية. وفي صيف العام 2014، استولى تنظيم الدولة الإسلامية على أراضي الايزيديين الذي يعتبرهم "كفارا".

وقد قتل عناصر التنظيم المتطرف أعدادا كبيرة من الأيزيديين، وأرغموا عشرات الآلاف على الهرب، فيما احتجزوا الآف الفتيات والنساء سبايا، وحوّلوا الأولاد الأصغر سناً إلى جنود. ولا يزال مصير ثلاثة آلاف من بينهم مجهولاً.

قالت الأمم المتحدة حينذاك إن تنظيم الدولة الإسلامية "يسعى إلى محو الأيزيديين من خلال عمليات القتل والاستعباد والعبودية الجنسية والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والمهينة".

يقول محمود راشو أحد المسؤولين في جمعية "بيت الأيزيديين" التي استقبلت حتى الآن 300 ناجٍ من تنظيم الدولة الإسلامية، إن "أي عائلة من سنجار لم تنجُ من قتل أحد أفرادها" أو "اغتصاب" أحدى بناتها. تتواصل الجمعية مع عائلات الأولاد الموجودة في العراق فتأتي لاصطحاب ابنائها بعد أيام.

يروي صدام أن مقاتلي التنظيم شتّتوا عائلته فأخذوا معهم الأمّ وخمسة أطفال قبل أن يفرّقوهم. أما بالنسبة الى والده فيقول صدام وعيناه مغرورقتان بالدموع، إن الجهاديين قالوا له إنهم "قتلوه". لكن الفتى الأيزيدي يتجنّب إدانة الجهاديين ويبدو حتى متساهلاً مع ما حصل.

يؤكد صدام أنه لم يخضع لأي معاملة سيئة أو تجنيد عسكري إلزامي. إلا أنه أشار إلى أن المقاتلين كانوا يجعلونه يشاهد أشرطة فيديو تتضمن مشاهد عنف و"عمليات إعدام" ويمضون الوقت في "تعليمه القرآن". ويتابع "لم أكن أحبّهم، لم أكن أريد البقاء" مضيفاً "لقد تدبرت أمر خروجي".

الخوف حتى الموت
تقول حليفة هاسو التي تعمل متطوعة في مركز الايواء هذا "في كل الأمكنة التي تنقلوا فيها كانوا يعيشون حالات رعب شديد، وهم بعد وصولهم الى هنا لا يروون ما فعل بهم داعش". وتابعت "عندما كنا نتكلم معهم في البداية كانوا يغلقون أعينهم او يخفون وجوههم بأيديهم. لا يزالون يعيشون حالة رعب فعلية".

وقالت أيضا أن الفتى صدام "لم يخبرنا بشيء لأنه وصل قبل يومين فقط (...) ولا بد بشكل عام من أربعة الى خمسة أيام لكي يتمكنوا من الإفصاح عما عانوا منه". وكشفت أن بعض الفتيان "يتقيأون خلال رواية ما عانوه فنقدم اليهم الأدوية قبل أن يبدأوا فعلا بالكلام".

يوضح راشو أن بعض هؤلاء الفتية يعود وهو متأثر جدا بفكر تنظيم الدولة الاسلامية، وهم بحاجة الى "متابعة من قبل اختصاصي". أما رئيس مركز الإيواء زياد افدال فيقول "بعضهم يحتاج جهدا كبيرا لتجاوز مرحلة الأسر، لكنهم في النهاية سينجحون بذلك".

ويأمل صدام الانضمام الى والدته وأشقائه وشقيقاته في كندا. ولدى الكلام عن احتمال انضمامه الى عائلته تنفرج اسارير الفتى وينطق بسهولة أكثر قائلا "أريد أن أذهب الى كندا، لم أر عائلتي منذ اربع سنوات، انني مشتاق كثيرا اليهم".
&