قال الرئيس العراقي برهم صالح إن العراق يسعى إلى منظومة إقليمية جديدة يكون هو محورها، وأقر بإخفاقات للعملية السياسية رغم بعض منجزاتها، وأعلن عن إعداد مشروع قانون لاسترداد أموال المسؤولين الفاسدين في الخارج، وتحدث عن الدولة العميقة في العراق، ودعا إلى حل لمشكلة كركوك، رافضًا وجود أي قوات عسكرية أجنبية في بلاده.

إيلاف: قال الرئيس صالح في مقابلة مع قنوات فضائية عراقية، وزعت الرئاسة العراقية نصها مساء أمس، وتابعتها "إيلاف"، " إننا الآن في صدد صياغة مشروع قانون لاسترداد الأموال التي ذهبت ضمن عمليات الفساد إلى خارج البلاد وكيفية استحصالها"، مشيرًا إلى أن "رئاسة الجمهورية تنوي تفعيل تقديم مشاريع القوانين إلى البرلمان".

العراق محور لمنظومة إقليمية جديدة
وأشار صالح إلى أن "العراق مطلوب منه الآن أن يلعب دورًا في لم شمل المنطقة".. مشددًا على أننا "لا نريد أن نكون جزءًا من سياسة المحاور، نريد أن ننأى ببلدنا عن الصراعات والتنازعات العبثية التي عمّت هذه المنطقة، أريد أن يكون العراقيون واثقين بأن خطابنا في الخليج، في طهران، في المملكة العربية السعودية وفي مصر، في فرنسا، في إيطاليا، ومع الأميركيين هو الخطاب نفسه والمنطق نفسه".&

أضاف إننا "نريد أن يكون العراق ساحة توافق للمصالح بين الدول وشعوب هذه المنطقة، ونريد منظومة إقليمية جديدة يكون العراق محورها، وتكون مبنيةً ومستندةً إلى خلق ترابط اقتصادي بين شعوب المنطقة".

لا قواعد عسكرية أجنبية في العراق
وأشار الرئيس صالح إلى أن "هناك إجماعًا وطنيًا على ضرورة عدم وجود قواعد أو قوات قتالية أجنبية"، معربًا عن تصوره أن "التوافق الوطني قائم، لكن في النهاية يعتمد على الرؤية العراقية للأمن، وعلى موقف الحكومة العراقية والقائد العام باستمرار حاجتنا إلى هؤلاء المستشارين والمدربين ليكون هذا هو الأساس للقرار لا غير ذلك".

وشدد على أن "هذه القوات موجودة بناءً على طلب الحكومة العراقية، ولعبت دورًا مهمًا ومشكورًا في دعم القوات العراقية في محاربة الإرهاب وتحقيق النصر، مهمتها تدريب وتمكين قواتنا وتطوير قدراتنا في الحرب ضد الإرهاب، لا مهمة أخرى".

أضاف أن العناصر الأميركية جزء من التحالف الدولي الذي أتى إلى العراق بناءً على دعوة من الحكومة العراقية وبناءً على تفاهمات مهمتها تدريب القوات العراقية وتمكين القوات العراقية في حربها ضد الإرهاب، هذه هي الآلية المتفق عليها، وهذا هو الهدف المتفق عليه، وأي عمل مغاير لهذا الهدف وهذا العمل غير مقبول إطلاقًا من الجانب العراقي حكومة وقيادات سياسية.. &&

وأشار إلى أن القيادات العراقية في طور تقييم الوضع الأمني بصورة دائمة وليس هناك أي طلب من العراق، وليس هناك أي طلب من القوات الدولية والعناصر الدولية، مثل أميركا وغير أميركا لإقامة قواعد عسكرية هنا في العراق أو إيجاد قوات قتالية برية في العراق، حتى في عز المعركة ضد داعش لم تكن هناك قوات قتالية، وإنما كانت قوات تدريب، والآن القيادات العسكرية والأمنية تقيم الأوضاع بصورة دائمة، فهذا الموضوع أمن قومي خطير، أتمنى ألا يكون جزءًا من سجالات سياسية آنية قد تحملنا مشاكل في المستقبل، مصلحتنا أولًا مصلحة الأمن العراقي، والسيادة العراقية ستكون المعايير التي نتعامل معها، مرة أخرى التدريب وتمكين القوات العراقية في حربها ضد الإرهاب، لا قواعد عسكرية ولاقوات قتالية برية، هذه هي السياقات وفق تصوري المجمع عليها والمتفق عليها من قبل القيادات السياسية والحكومة.

وأكد أنه ليست قوات قتالية، وإنما عناصر عسكرية، موجودة حتى في عز المعركة مع داعش، ولم تشترك القوات الأميركية في العمليات العسكرية بالمطلق، لم تكن هناك قوات قتالية، وإنما قوات مساندة للتدريب وجزء من التسليح للجيش العراقي هو تسليح أميركي، مثلًا الطائرات F16 وغير ذلك بحاجة إلى مدرّبين، وبحاجة إلى صيانة ضمن هذه السياقات كما قلت، تدريب استشارة دعم جهود العراق وتمكين القوات العراقية لمحاربة الإرهاب. هناك هامش واسع من التوافق الوطني حول هذا الموضوع. هناك أيضًا عمومًا تفهم وتوافق على عدم القبول بوجود قوات برية مقاتلة أو قواعد عسكرية. لأن هذا غير موجود في الطلب العراقي. الأساس يبقى السيادة العراقية. الأساس يبقى الحاجة العراقية إلى هذه القوات، وهذا ما يتم التعاطي معه.

كركوك
وبشأن الأوضاع في مدينة كركوك، أوضح صالح "يجب أن نتوصل إلى حل كركوكي لهذه القضية، كركوك مدينة فيها المكون الكردي والتركماني والعربي، فيها من المسيحيين ومكونات أخرى"، مبيّنًا أنه يجب أن "نقر بضرورة احترام آراء أهل كركوك بعد هذه السنوات العجاف من التنازع حولها ومن المشاكل التي عصفت بالمدينة، عبر حل يكون مبنيًا على أساس تفاهم على الإدارة في كركوك على المنظومة الأمنية في كركوك، وأيضًا هناك ملف آخر مهم تم إهماله، ألا وهو الملف الاستثماري والاقتصادي، لكركوك هذه المدينة الغنية.&

وبيّن أن كركوك موضوع حساس، وبحاجة إلى معالجة جذرية وعاجلة، لا يمكن استمرار هذا الوضع، إذن هناك متغيرات كثيرة لا تريد أن تعصف بالأوضاع في كركوك والمناطق المختلف عليها والمتنازع عليها، المادة 140 استحقاق دستوري يجب أن يتم تنفيذه، سياقات تنفيذه تتطلب إجراءات قانونية وإدارية يجب أن نتوافق عليها.&

وأشار إلى أن أي حل يجب أن ينتصر لاحترام إرادة أهل كركوك، وألا يكون هناك فرض إرادات، أهل كركوك ينتصرون لحل أوضاعهم بالتراضي، ونحن نحتضن هذا الحل، ونساعد على ذلك، وإذا تم حل هذا الموضوع، وتم تجاوز هذه العقدة، فتقديري إن تبعاتها الوطنية على عموم الوضع العراقي ستكون كبيرة جدًا.&

إصلاح العملية السياسية
زاد الرئيس العراقي قائلًا إن بلاده خرجت من تلك التحديات مثخنة بالجراح، لا شك في ذلك، لكنّ هناك إصرارًا من قبل العراقيين على المضي قدمًا والوصول إلى الحياة الحرة المستقرة الكريمة التي يستحقها المواطن. من 2003 إلى اليوم نحن شركاء في عملية سياسية، هذه العملية السياسية نجحت في أمور مهمة، منها كتابة الدستور، والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، قضية التداول السلمي للسلطة في قلب الشرق الأوسط ليست مسألة سهلة أو هينة، لكن هناك إخفاقات رافقت العملية السياسية ونحن موجودون في صلبها من 2003 إلى اليوم، ليس لنا خيار إلا الحوار.&

وأوضح أن هناك تطورًا مجتمعيًا كبيرًا في العراق، أهل البصرة غير راضين عن أداء الحكومة.. الشيعة غير راضين عن الحكم الشيعي، السنة غير راضين عن أداء الحكم أو عن الطبقة السنية الحاكمة، الكرد لهم مآخذهم على أداء الحكومة الكردية، فالبعد الطائفي أو القومي المكوناتي للوضع السياسي في العراق لا أقول انتهى وتلاشى. نعم لا يزال موجودًا وواقعًا نتعامل معه، لكن المواطن في البصرة والمواطن في بغداد والمواطن في الموصل والمواطن في السليمانية يتطلع إلى حياة حرة كريمة، يتطلع إلى حكم رشيد تسخر فيه موارد البلد لخدمة المواطنين، ويعالج فيه الفساد، الذي استشرى مع الأسف الشديد بسبب الظروف التي مرت علينا. &&

الدولة العميقة

وقال "لا ننسى أن هذا البلد وما تعرّض له. أذكر 40 سنة من الدمار 40 سنة من الحصار 40 سنة من الإرهاب 40 سنة من القتل الجماعي ومن التعسف والفساد الذي&دخل في عمق الوضع الحكومي، وأصبحت الدولة العميقة التي تتحكم في الكثير من الأمور، أن تتطلب من رئيس وزراء أو رئيس جمهورية أن يعمل على استئصال كل تلك المشاكل بين ليلة وضحاها حتى في عمر حكومة واحدة يكون وعدًا غير قابل للتحقيق لكن المهم المنحى".&

وأوضح أن الكثير من القوى السياسية والقيادات السياسية ليس في مستوى التطلع وقدرة الشارع على ذلك، لكن هناك منحى، وهذا المنحى لم يتحقق من فراغ، إنما بسبب النصر على الإرهاب، بسبب بما قام به العراقيون من عمل جبار في القضاء على الخلافة المزعومة لداعش.&

الزيارات الخارجية
وأضاف الرئيس صالح أنه أقدم على الزيارات الخارجية الأخيرة بناء على برنامج سياسي متفق عليه هنا في بغداد، العراق جزء من هذه المنطقة على مدى عقود من الزمن. هذا البلد ساحة صراع وتناحر وتنازع لأطراف دولية وإقليمية. العراقيون ضحية العنف ضحية هذا الصراع، وندفع من مواردنا وأرواحنا .. هذا البلد مستباح من أطراف عديدة، ودمّر هذا البلد، ودمّرت أجيال بسبب هذا الوضع، ولن يستقر الوضع بدون إيجاد حالة متوازنة للعراق في علاقاته، أريد أن يكون العراقيون واثقين بأن خطابنا في الخليج في طهران في المملكة في مصر في فرنسا في إيطاليا مع الأميركيين هو الخطاب نفسه والمنطق نفسه، ألا وهو لا نريد أن نكون جزءًا من سياسة المحاور، نريد أن ننأى ببلدنا عن الصراعات والتنازعات العبثية التي عمّت هذه المنطقة، ونريد للعراق أن يكون ساحة توافق للمصالح بين الدول وشعوب هذه المنطقة، ونريد منظومة إقليمية جديدة يكون العراق محورها، وتكون مبنيةً ومستندةً إلى خلق ترابط اقتصادي بين شعوب المنطقة، المشكلة أمامنا نعم هي اجتثاث الإرهاب واستئصاله، مشكلة لا تقل أهمية عن ذلك، بل ربما من حيث تداعياتها أهم وأخطر.

ونوه بأن عدد سكان العراق اليوم 38 مليون نسمة، ويزدادون مليونًا كل سنة، الـ 70 % من العراقيين دون سن الثلاثين من العمر، نسبة البطالة عالية، نسب البطالة الحقيقية خطيرة رهيبة، والاقتصاد العراقي لا يمكن بشكله الحالي أن يخلق فرصا لهؤلاء الشباب العاطلين عن العمل، بعد سنوات ستصبح مشكلة اجتماعية أمنية سياسية خطيرة، وتهدد ليس العراق فقط وإنما &المنطقة ككل.&

النصر النهائي على داعش لم يتحقق
وشدد على أن العراق تصدر محاربة الإرهاب، والعراقيون دفعوا ثمنًا غاليًا من أجل إنهاء داعش عسكريًا، لكنني أريد أن أركز على أن النصر النهائي لم يتحقق بعد، نعم داعش انتهى ميدانيًا وعسكريًا، لكن هناك عناصر كثيرة لداعش لا تزال تسرح وتمرح بين الحدود العراقية والسورية، ويجب أن يكون لدينا استنفار أمني دائم للتعاطي مع هذا الموضوع، أمامنا طريق طويل لترسيخ هذا النصر اقتصاديًا سياسيًا فكريًا، ويجب متابعة الجهد الأمني، انتصار جديّ وحقيقي، لكن بحاجة إلى ترسيخ وتكريس.&

زيارة روحاني إلى بغداد
وعن زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد في الأسبوع المقبل، أوضح الرئيس صالح أنها ستكون زيارة مهمة. وقال "أنا زرت طهران، وكانت لدينا حوارات معمقة مع القيادة الإيرانية، وتم التطرق إلى الكثير من هذه الملفات، علاقاتنا مع إيران علاقات مهمة، أنا قلت في كل الدول التي زرناها إن مصلحة العراق تكمن في أن تكون له علاقات جيدة جدًا مع إيران، وكنت أتعمد أن أكرر هذه العبارة من مصلحتنا كعراقيين أن نديم مثل هذه العلاقة، ونجعلها أساسًا من منظومتنا الإقليمية، علاقاتنا مع إيران لم تكن على أساس علاقاتنا مع العمق العربي، ولم تكن على حساب علاقاتنا مع الخليج، ولن تكون على حساب علاقاتنا مع الدول الأخرى وهي عمل مفيد لكل الأطراف، أيضًا مفيد لشعبنا. أساسًا منطلق مصلحتنا هو هذا، لكن أيضًا أتصور أن الأطراف الأخرى بدأت تتعاطى بواقعية مع هذه الحقائق.

الفساد
وحول تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد أخيرًا، أوضح الرئيس صالح أن هذا الإجراء بحد ذاته إقرار بخطورة المشكلة وإقرار بأهمية العمل الجاد والعاجل من أجل مواجهة ما اعتبره الخطر الأكبر على مشروع الدولة في العراق.

وأقر بحقيقة الفساد والتلاعب بالمال العام.. موضحًا "لأن هذا المال الذي يسرق من الخزينة العامة، وما يسرق من المقاولات ينتهي إلى جيوب مراكز قوى مؤثرة في الانتخابات، وتؤدي إلى عرقلة العمل الحكومي واستكمال بناء الدولة المطلوبة في هذا البلد، أضف إلى ذلك أن الفساد يتطلب إدامة العنف.. إدامة الفوضى وعدم الاستقرار".

وشدد بالقول "إذا لم نضرب الفساد، لن نتمكن من ترسيخ وتكريس الانتصار المتحقق ضد داعش.. في الفصل التشريعي الجديد الذي سيبدأ في العاشر من مارس، ستكون هناك مبادرات قانونية تقدم إلى مجلس النواب بخصوص هذا الموضوع وكيفية التعاطي مع مشكلة الفساد".&