استحوذت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق على اهتمام وسائل الإعلام العالمية، خصوصًا الأميركية، نظرًا إلى تزامن الزيارة مع محاولات طهران مواجهة العقوبات الأميركية التي أثرت سلبًا على الاقتصاد الإيراني في الفترة الأخيرة.

إيلاف من نيويورك: نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا اعتبرت فيه أن طهران تحاول استخدام العراق لتخفيف تأثير العقوبات الأميركية. وقالت: "من تمويل عمليات توسيع الباحات الشاسعة المؤدية إلى المقامات الشيعية في مدينة النجف المقدسة، إلى ضمان حصول مرشح طهران على منصب وزير الداخلية، يزداد دور إيران في العراق".

الرابح الحقيقي في الانتخابات
ورأت الصحيفة أن "إيران كانت الرابح الحقيقي في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام الماضي في العراق، فقد ظهرت الأحزاب المرتبطة بقوات الحشد الشعبي شبه العسكرية، والتي تمتلك علاقات مع طهران كصانع للملوك".

اليد العليا
نقلت "التايمز" عن رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني قوله في سياق حديثه عن امتلاك طهران اليد العليا في العراق: "إيران جسم صغير له عقل كبير، والولايات المتحدة هي جسم كبير له عقل صغير".

بدوره، لفت النائب السابق عدنان الزرفي، الذي سبق له أن عاش في الولايات المتحدة، إلى أنه "ليس هناك وجود أميركي في العراق، بل وجود عسكري، وعلى النقيض من ذلك، فإن إيران قد اندمجت في الحياة السياسية والعسكرية في العراق، وتسعى الآن إلى التوسع اقتصاديًا وثقافيًا".

أولويات طهران
قالت الصحيفة إن "تدعيم هيمنتها في العراق هو جزء من طموحات إيران الإقليمية، التي تهدف إلى تأمين طريق إلى البحر الأبيض المتوسط، من خلال الدول الصديقة، حتى تتمكن من شحن الأسلحة ودعم حزب الله في لبنان، ومواصلة مساعدة جيش الرئيس بشار الأسد في سوريا وتهديده إسرائيل".&

تابعت: "وقد وسعت إيران حضور الجماعات المسلحة الشيعية لتصبح قوة سياسية، مثلما فعلت مع حزب الله في لبنان، فإن الأولوية الجديدة لطهران هي زيادة العلاقات الاقتصادية مع العراق لتعويض العقوبات الأميركية".

تصريحات سفيرها
وذكرت "التايمز" بتصريحات أدلى بها سفير طهران لدى العراق، يوم السبت الماضي، حيث قال، "إن إيران تعتبر العراق الوجهة الأولى للبضائع الإيرانية، وتريد التفوق على تركيا والصين كواحد من أكبر الشركاء التجاريين للعراق، وسيكون هناك 40 معرضًا تجاريًا في العراق في العام المقبل، وسيناقش روحاني خططًا لتمديد خط سكة حديد من كرمانشاه في إيران إلى مدينة البصرة العراقية"، كما تحدث عن اتفاق وشيك حول قواعد التأشيرة الجديدة لتسهيل سفر رجال الأعمال الإيرانيين إلى العراق.

هدف العشرين مليارا
تمتلك طهران بالفعل روابط اقتصادية واسعة في العراق، فهي توفر الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية ونحو 20 في المئة من الكهرباء في العراق، لكن روحاني أكد أخيرًا أن هدفه هو زيادة التجارة مع العراق من 12 مليار دولار سنويًا لتصل إلى 20 مليار دولار.

بين واشنطن وطهران
وذكرت "التايمز" بأن "محاولة العراق دعم التجارة مع إيران، التي تخضع لعقوبات، جعلته واقعًا بين واشنطن التي لا تزال بغداد بحاجة إلى مواردها العسكرية والاستطلاعية، وطهران التي دعمت العراق عسكريًا أيضًا، منوهة بأن "بغداد حصلت على عفو موقت من العقوبات، حتى تتمكن من الاستمرار في شراء بعض المنتجات الإيرانية، بما في ذلك الطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي".

مخاوف الشيعة والسنة
جوست هيلترمان رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، ومقرها بروكسل، قال "إن إيران اكتسبت نفوذًا على العديد من الفصائل في النظام السياسي العراقي، مما يجعل من الصعب على السياسيين العراقيين الابتعاد عن مطالب إيران".

ولفتت الصحيفة إلى محاولة طهران التواصل مع شخصيات عراقية سنية، وأصبح أعضاء في البرلمان يتلقون دعوات بانتظام إلى حضور مؤتمرات في إيران، وأرسلت الأخيرة أيضًا كبار مسؤوليها لزيارة بغداد، بمن فيهم وزير الخارجية، والطاقة والنفط، وزار الرئيس العراقي برهم صالح إيران "لمناقشة كيفية مواصلة الروابط الاقتصادية الوثيقة على الرغم من العقوبات الأميركية"، وقبل أسبوع أيضًا حط رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي رحاله في العاصمة الإيرانية.

لكن رغم هذه الزيارات والدعوات، فإن السنة لا يشعرون براحة كافية، كما إن بعض الشيعة الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم عرب، بقدر ما هم شيعة، قلقون أيضًا من أن طهران تضغط لجعل العراق أشبه بإيران.

تقويض العراق
قال الشيخ فاضل البديري، إحدى المرجعيات الدينية الشيعية في العراق، إن إيران "تسحب العراق بعيدًا عن وطنه وهويته العربية، وهذا يقوّض طابعه الخاص، وهو عربي متنوع"، كما اتهم إيران بتوسيع نفوذها على الزعماء الدينيين الشيعة العراقيين". وأضاف "إنهم يحاولون تعزيز تأثير المرجعية الإيرانية وإضعاف الآخرين".

وذكرت الصحيفة بدعم إيران للفصائل شبه العسكرية، التي تتلقى التعليمات من طهران، وباتت تشكل قوة مسلحة موازية لا يمكن للحكومة العراقية السيطرة عليها بالكامل، وصنفت وزارة الخارجية كتائب حزب الله وحركة حزب الله النجباء كمنظمات إرهابية أجنبية.

سوق إيرانية
النائب الزرفي رأى أن "ما فعلته طهران أساسًا هو الفوز بعقود من بغداد، وهذا يعني أن الإيرانيين يحصلون على رواتب من العراق بدلًا من الاستثمار وخلق الوظائف". أما كريم النوري، أحد كبار قادة منظمة بدر، فاعتبر أن "إيران تريد أن يكون العراق سوقًا للسلع الإيرانية، وليست لديها طريقة أخرى للحدّ من تأثير العقوبات".


&