الرباط: قال العاهل المغربي الملك محمد السادس إن أفريقيا اختارت نهج الانفتاح، من خلال رفضها ل"منطق النهب والاستغلال الصارخ لثرواتهـا، مع الحفاظ على قيم التقاسم والتضامن، التي تميز ثقافاتها العريقة"، مؤكدا أن القارة الأفريقية "سائرة على درب التقدم، ونهضتها أضحت واقعا ملموسا".

وأضاف الملك محمد السادس ، في رسالة وجهها للمشاركين في الدورة الخامسة لمنتدى كرانس مونتانا ، التي تستضيفها مدينة الداخلة (جنوب المغرب)، اليوم السبت، أن بلاده تدرك أن القارة الأفريقية "تختزن الكثير في جعبتهـا، وأن لديها ما يكفي من القدرات والمزايا، للتطور والالتزام والانخراط، بكل جرأة وعزم، ولتحقيق التغير الجذري".

وأفاد العاهل المغربي بأن التزام المغرب "من أجل إفريقيا، ومن أجل تعاون جنوب - جنوب مثمر، ليس نتاج ظرفية معينة، ولا مصالح ضيقة"، موضحا أنه منذ اعتلائه عرش المملكة" ما فتأنا ندعو إلى تضامن فعال وأخوي، ومفيد بشكل متبادل، لأننا نعتبر قارتنا الإفريقية واجبنا ومسؤوليتنا، وفرصتنا".

وزاد مبينا في الرسالة التي تلاها نيابة عنه رئيس جهة الداخلة وادي الذهب، ينجا الخطاطا، أنه "منذ سنة 2000، قررنا إلغاء مجموع الديون التي قدمها المغرب للبلدان الأقل تقدما في القارة. كما اعتمدت تسهيلات لفائدة صادرات هذه البلدان إلى المغرب. وكان من نتائج ذلك، ارتفاع حجم الصادرات الإفريقية باتجاه السوق المغربية"، معتبرا أن هذا الإجراء "يجسد على أرض الواقع، التزام المغرب بمسؤوليته وواجبه، المتمثلين في انتهاج سياسة تعاون تعود بالنفع على جميع الأطراف".&

وشددت الرسالة على أن المغرب اختار "نهج الانفتاح والتضامن، واليد الممدودة إلى كافة نظرائه الأفارقة؛ بموازاة اختيار تعزيز ودعم السلام والاستقرار والأمن في إفريقيا"، وذلك &من منطلق الوفاء بهذه المسؤولية.

وقال ملك المغرب "إننا على يقين بأن هذه الشروط ضرورية &لإعداد وإنجاح سياسات اقتصادية واجتماعية، تضمن عيشا &كريما، وحياة أفضل لساكنة إفريقيا".

وأكد العاهل المغربي سعي بلاده إلى العمل" سويا مع أشقائه الأفارقة، ومع أصدقائهم وشركائهـم، من أجل جعل إفريقيا قارة المستقبل"، لافتا إلى أن هذا التصور هو "الذي يؤطر عملنا، لاسيما بعد عودة المغرب إلى حضن أسرته المؤسساتية الإفريقية".

وأضاف "مسؤوليتنا تقتضي وضع إفريقيا على درب التقدم والتحرر، فضلا عن مدها بالقوة التي تبوؤها مكانتها المشروعة في الساحة الدولية"، كما يقع على "عاتقنا أيضا، ألا ندخر جهدا &في حشد طاقات الفاعلين والقوى الحية، التي ستضطلع بتجسيد هذا المصير المشترك، الكفيل بتحقيق النهضة الفعلية لإفريقيا".

وقال الملك محمد السادس ان عالم اليوم "يعرف اضطرابات غير مسبوقة. من أبرز تجلياتها التحول الديمغرافي، والانتقال الإيكولوجي، والثورة الرقمية، وأنماط التنقل"، مؤكدا أن هذه الاضطرابات تفرض "علينا التكيف مع هذا الواقع الجديد، والعمل على تطوير سياساتنا، لما فيه خير شعوبنا، ومن أجل مستقبل شبابنا".

وأكد الملك محمد السادس أن رفع تحديات إفريقيا، "سيكون له بالضرورة أثر على الرهانات الجيوستراتيجية الدولية والتحولات الجارية. لقد حان وقت إفريقيا، فالقرن الحالي ينبغي أن يكون قرن إفريقيا بامتياز"، موضحا أن ما يبرر هذا الاقتناع بالدرجة الأولى،هو "ما تتسم به هذه القارة من حيوية ديمغرافية، إذ أن ساكنتها هي الأكثر شبابا".

ومضى مبينا أن تسارع وتيرة التحول الديمغرافي، "يدعونا إلى إطلاق مشاريع تنموية كبرى، كفيلة بتغيير واقع القـارة، سواء في ميادين التعليم والصحة، والفلاحة والبنية التحتية، أو في مجال محاربة الفقر"، معتبرا أن ذلك يشكل "تحديات يتعين على إفريقيا رفعها، من أجل ضمان بزوغها وانبعاثها".

وأضاف أن جيل الشباب "هو الذي سيبني إفريقيا الغـد، وهو الذي سيساهم في توطيد السلم والاستقرار، وفي تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للقارة". واستدرك قائلا: "لكن شبابنا في حاجة إلى العناية به، وتكوينه، وتحميله المسؤولية، بل وإعطائه ما يستحق من قيمة، وينبغي تكوينه من أجل تحويل ما هو متاح اليوم، من مؤهلات وإمكانات اقتصادية، إلى واقع ملموس غدا. فكل إخفاق في هذا المجال، سيكون وبالا &على قارتنا وعلى مناطق أخرى أيضا".

واشار العاهل المغربي إلى أن هجرة "بعض شبابنا نحو آفاق أخرى، في ظروف محفوفة بالمخاطر، بحثا عن غد أفضل، لا ينبغي أن تصبح قدرا محتوما، ولا عنوانا لإفريقيا فاشلة"، مشددا على أن "مصلحتنا المشتركة، تقتضي العمل على تنزيل حلول وجيهة ومناسبة، حتى يرى شبابنا مستقبله في إفريقيا، ومن أجل إفريقيا".

وأشارت الرسالة الملكية إلى أنه في ظل الظرفية الدولية الراهنة، "يعد هذا المنتدى أحد فضاءات التفكير والتبادل، التي تتيح تحديد واستيعاب مواطن القوة، والنقط التي تستدعي اليقظة، والقضايا الجديرة بالنقاش"، وأعربت عن أمل العاهل المغربي في أن تسهم توصيات المنتدى في بلورة "أشكال جديدة من التعاون، وأنماط خلاقة من التضامن والتكامل، تساهم في توجيه القيادات السياسية، وأصحاب القرار الاقتصادي، لما فيه مصلحة إفريقيا".