إسماعيل دبارة من تونس: يبدو البيان الأخير للتيار الصوفي الوازن في الجزائر حمّال أوجه، فمن جهة ينتصر لشخص بوتفليقة ويريد له خروجا مشرفا يحفظ كرامته، ومن جهة ثانية يُناصر الحراك الشعبي الرافض للتمديد لعهدة بوتفليقة الأخيرة.

وللتيار الصوفي في الجزائر أتباع يقدرون بالملايين، وتعوّل السلطات عليه كثيرا في ضبط الولاءات ومنع الخروج عن الحكّام. ولطالما وقف هذا التيار المسمى محليا بـ"الزوايا" إلى جانب الرؤساء وبالأخص الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة.

ودعا شيوخ الزوايا أمس الأربعاء في بيان لهم إلى "تغليب مصلحة الوطن والدخول في أقرب الآجال في حوار بناء"، لتجاوز الظرف الحالي الذي تمر به البلاد.

ودعت الزوايا السلطات والشعب على حد سواء إلى "الحرص على أن يكون الانتقال إلى النظام السياسي الذي يرتضيه الجزائريون انتقالا مؤسساتيا وليس انتقالا فوضويا، حتى نجنب وطننا مخاطر الفوضى".

كرامة بوتفليقة

دعا شيوخ الطرق الصوفية (الزوايا) إلى "الحفاظ على كرامة" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي يواجه انتفاضة شعبية غير مسبوقة تطالب برحيل نظام حكمه.

البيان صدر عن جمع "غفير" من شيوخ زوايا الجزائر، حول "الأوضاع الراهنة في الوطن"، ونشره وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، على صفحته على فايسبوك.

ولم يحدد البيان عدد الشيوخ المجتمعين ولا مكان اجتماعهم.

ووردت في البيان، سبع&توصيات حول الأزمة الحالية في البلاد، أكد فيها المجتمعون أنها موجهة إلى "أركان الدولة والشعب".

وأشاد أصحاب البيان، بالحراك الشعبي الذي أعطى "صورة مشرقة عن الجزائر"، ودعوا إلى "الحفاظ على كرامة ذوي الفضل"، في إشارة إلى ما قدمه بوتفليقة للبلاد.

كما شدد البيان، على ضرورة "تغليب مصلحة الوطن، والدخول في حوار بنّاء في أقرب الآجال للخروج من الأزمة" وكذا "ضمان انتقال مؤسساتي وليس فوضويا" للمحافظة على البلاد.

ومنذ إعلان ترشح بوتفليقة، في 10 فبراير لولاية رئاسية خامسة، تشهد الجزائر احتجاجات وتظاهرات شبه يومية رافضة لذلك.

وفي 11 مارس، أعلن بوتفليقة، سحب ترشحه وتأجيل الانتخابات مع تقديم خارطة طريق تبدأ بتنظيم مؤتمر للحوار وتعديل الدستور وتنظيم انتخابات جديدة لن يترشح فيها لكن المعارضة والحراك رفضاها واعتبراها "محاولة التفاف على مطالب الشارع".

تيار ديني نافذ

تنشط في الجزائر كثير من الطرق الصوفية تجاوزت الثلاثين طريقة، كما تعد الجزائر من أهم المراكز الصوفية في العالم الإسلامي، وتمثل الزوايا المقر الرئيسي لهذه الطرق.

ومن بين أشهر تلك الزوايا، نجد الطريقة القادرية، أو الطريقة الجيلانية، وتنتسِب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، الذي أسسها في القرن الخامس الهجري في بغداد.

وتوجد أيضا طرق الرحمانية والتيجانية، واتباعهم بمئات الآلاف، وكذلك الشاذلية وبالقايدية.

ويتجاوز تأثير الطرق الصوفية والزوايا في الجزائر الاعتماد عليها لتدريس القرآن، إلى اعتبارها "قوة سياسية"، لها دور كبير في رسم السياسة الداخلية للبلاد.

ويواصل عدد كبير من الجزائريين تمسكهم بالزوايا أو المدارس القرآنية، ذات التوجه الصوفي، لدرجة أن أشهر الأغاني في الجزائر، تتغنى بمشايخ الطرق الصوفية مثل أغنية "عبد القادر يا بوعلام"، التي قدمها الشاب خالد، إلى جانب أغنيتي "سيدي الهواري"، و"سيدي بومدين"، وغيرها.

وللزوايا تاريخ طويل في مجال الحفاظ على الهوية الإسلامية والعربية للشعب الجزائري، ولديها الآن دور سياسي فاعل في مجال التأثير على صانع القرار في قصر المرادية، اذ يحاول الرؤساء المتعاقبون كسب ودّ هذه الجماعات.

وتصنّف الزوايا في الجزائر إلى صنفين: زوايا رئيسية وفروع للزوايا، ويبلغ مجموعها ككل نحو 1600 زاوية، حسب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر.

وأغلب الزوايا تدرس القرآن للأطفال، وعدد منها تخصص في تدريس علوم الشريعة والفقه، ويبدو أنّ أغلب الأئمة في المساجد الجزائرية درسوا في زوايا ويتم تعيينهم من هناك.

وترفض الزوايا الانخراط بشكل مباشر في الحياة السياسية، إلا أن شيوخ تلك الطرق المتعددة، يقررون دائما موالاة الحكومة القائمة ويطلبون من الشعب دعمها والتصويت لمرشح حزب السلطة القائمة، أي أنهم غير بعيدين عن المجال السياسي والانتصار لطرف على حساب آخر، وفي المقابل تحظى الزوايا بامتيازات من طرف النظام القائم.

إذ أنّ أغلب وزراء الشؤون الدينية في الجزائر، جاؤوا من الزوايا، ولها ممتلكات وقفية تقدر بعدة مليارات دولارات، بل إن بعض الزوايا تمتلك عقارات وأوقافا في دول عربية وإفريقية.

ويتلقى عبد العزيز بوتفليقة ضربة اثر البيان الأخير للصوفيين، خاصة وأنه اعتمد منذ توليه السلطة العام 1999 على دعم المؤسسة الدينية التقليدية ممثلة في الزوايا.

ولا يفوت بوتفليقة، منذ وصوله الحكم، أي جولة ميدانية أو زيارة للمحافظات، من دون زيارة الزوايا والحديث إلى القائمين عليها.