من ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة، أطلقت مؤسسة "تالبرغ إلياسون" السويدية جائزتها السنوية للعام 2019. وترأس مدير المؤسسة، ألان ستوغا، ندوة عامة في مركز التحرير الثقافي في الجامعة الأميركية، مساء أمس الأحد، تحت عنوان "القيادة في عالم مضطرب"، تم خلالها الإعلان عن بدء تلقي الترشيحات للجائزة المرموقة.

إيلاف من القاهرة: عقدت مؤسسة "تالبرغ إلياسون" السويدية ندوة عامة مساء أمس الأحد، في مركز التحرير الثقافي، في العاصمة المصرية القاهرة، لمناقشة التحديات التي تواجه القيادة في القرن الحادي والعشرين.

عقدت الندوة العامة بالشراكة مع كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة (GAPP) في الجامعة الأميركية في القاهرة، التي يترأسها وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي.

تحديات تواجه القادة
افتتح وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي الندوة، بكلمة مقتضبة، تناول فيها التحديات التي تواجه القيادة في القرن الحادي والعشرين، قال فيها إن القائد أيًا كانت وظيفته أو منصبه يجب أن يكون مهمومًا ويفكر باستمرار في المصلحة العامة.

وقال رئيس مؤسسة "تالبرغ، ألان ستوغا: "يجب أن تكون القيادة في القرن الحادي والعشرين مبتكرة ومتفائلة، تستند إلى القيم العالمية والوعي العالمي".

ألان ستوغا

أضاف في خلال افتتاح الندوة: "إننا نعقد هذا اللقاء، بالشراكة مع كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة، لاستكشاف التحديات التي تواجه القادة اليوم، سواء كانوا يعملون في القطاعين العام أو الخاص في أي مكان في العالم".

وأعلن ستوغا أنه سيتم الإعلان عن الفائزين بالجائزة لعام 2019، في شهر نوفمبر المقبل، وسيتم تقديم الجوائز إليهم خلال فعاليات الاحتفال بالقيادة في القرن الحادي والعشرين في العاصمة الكينية نيروبي.

باب الترشح مفتوح
عرض فيلم وثائقي قصير عن &جائزة "تالبرغ إلياسون"، التي تعد واحدة من أهم الجوائز الدولية المرموقة، التي تسعى إلى تكريم القيادات المبتكرة في شتى مجالات الحياة، والتي تقدم حلولًا غير تقليدية لمختلف مشاكل المجتمعات على مستوى العالم.

وتمنح المؤسسة السويدية جوائز سنوية إلى القادة البارزين الذين يبدون استعدادهم وقدرتهم على معالجة تعقيدات وتحديات القرن الحادي والعشرين بطرق مبتكرة، ويعملون للحفاظ على القيم العالمية في العدالة والتنمية، والتغيير الإيجابي.

وتتلقى المؤسسة الترشيحات للعام 2019، عبر موقعها الإلكتروني حصرًا. ويحق لأي شخص حول العالم أن يترشح أو يُرشح غيره للجائزة، باستثناء أعضاء لجان تحكيمها والمسؤولين والعاملين في مؤسسة "تالبرغ إلياسون"، ويتراوح عدد الفائزين سنويًا ما بين اثنين وأربع شخصيات، ويحصل كل منهم على مبلغ قدره 50 ألف دولار أميركي.

تتولى لجنة تحكيم دولية، مؤلفة من قادة وخبراء في مختلف التخصصات، عملية تقييم ومراجعة الترشيحات واختيار الفائزين.وتجري عملية اختيار الفائزين عبر الاقتراع السري بين أعضاء لجنة التحكيم، ويتمتع جميعهم بوزن متساوٍ في عملية الاختيار. ويتم الحكم على كل مرشح على حدة.

الحماية من العبودية
في عام 2018، تلقت المؤسسة 825 ترشيحًا من 130 دولة، وفائز بالجائزة 3 قيادات. وخلال الندوة تحدث مجموعة من القيادات المؤثرة في مجتمعاتهم، وهم: سونيثا كريشنان، مؤسسة براجوالا، الهند، "أنتونيلا باتاغيليني، الرئيس التنفيذي لمبادرة شبكة الطاقة المتجددة، ألمانيا، وأندرياس دراكوبولوس، الرئيس المشارك لمؤسسة ستافروس نيارخوس، وهو رائد أعمال خيرية واجتماعية في الولايات المتحدة واليونان، وأرينغو كانغاتا، سيناتور وعضو بارز في الغالبية (نائب حامل السوط)، كينيا، والدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة.

يان إلياسون

وقالت سونيثا كريشنان، مدير مؤسسة براجوالا الهند، إن المنظمة التي ترأسها تعمل في مجال إنقاذ الأطفال والنساء في الهند من الرق الجنسي، مشيرة إلى أنها أنقذت نحو 20 ألف طفل وامرأة.

أضافت إنها تعرّضت في سن الخامسة عشر لتجربة مريرة، وأنها رأت بعينها أطفالًا يتم اغتصابهم لمرات عدة في اليوم الواحد، وتابعت: إنها وجدت نفسها في مأزق نفسي خطير، ويتمثل في كيفية مواجهة هذه المشكلة بدون أن تكون لديها رغبة في الانتقام"، منوهة بأنها تعرّضت لهجمات كثيرة تستهدف الإضرار بحياتها أو سمعتها.

صناعة الأمل
وقالت إنها تشعر بالسعادة الغامرة عندما ترى الابتسامة على وجوه من ساعدتهم على الخروج من الرق الجنسي، والتغلب على آلامهم، منوهة بأنها تواجه الفشل يوميًا، عندما تذهب لإنقاذ مائة طفل وامرأة، وتجد أن هناك أكثر من ألف يحتاجون الإنقاذ، ولكنها في النهاية لا تستطيع إنقاذ سوى 30 منهم فقط، وقالت إنها ذات مرة أنقذت طفلًا عمره 3 سنوات من أحد بيوت الدعارة.

وأوضح أندرياس دراكوبولوس، الرئيس المشارك لمؤسسة ستافروس نيارخوس، وهو رائد أعمال خيرية واجتماعية في اليونان، أنه بدأ العمل في مؤسسته قبل الأزمة المالية في اليونان، مشيرًا إلى أن الهدف من إنشاء مؤسسته هو بث الأمل في قلوب الناس، والتواصل معهم، وأنه أنشأ دارًا للأوبرا ومكتبة وحديقة، وعمل في اليونان، بدون أجندة خفية.

أضاف إن القائد الحقيقي في العالم هو ذلك الرجل الذي يصنع الأمل للبشر أو من يقودهم بدون بطش، وقال: "نحن نريد قائدًا قويًا، ولكن من دون أن يكون شموليًا أو سلطويًا".

أكبر تحدّ بشري
وأشارت أنتونيلا باتاغيليني، الرئيس التنفيذي لمبادرة شبكة الطاقة المتجددة، ألمانيا، إلى أن مؤسستها تعمل من أجل أن يجتمع الأعداء السابقون معًا، لكي يواجهوا أكبر تحدّ يواجه البشرية حاليًا، وهو التغيير المناخي. وأضافت إنها تسعى إلى مدّ الجسور بين الناس، لافتة إلى أن القيادة والصدق وجهان لعملة واحدة، وهي السبب الأول في نجاح مبادرتها.

وقال وارينغو كانغاتا، سيناتور وعضو بارز في الغالبية كينيا، إنه بدأ صعود سلم القيادة في سن مبكرة، عندما كان طالبًا في الجامعة، وتولى رئاسة اتحاد الطلاب، وتنحّى بعد فترة، من أجل منح غيره الفرصة للقيادة، لافتًا إلى أنه تدرج في المناصب القيادية حتى أصبح عضوًا في مجلس الشيوخ.

أضاف إن القائد الحقيقي هو الذي ينتهز الفرص ويسخّرها من أجل الآخرين، مشددًا على ضرورة أن يتحلى القائد بالقدرة على التوقع، وطول النظر، بما يمكنه من أن يسهم في تطوير وتغيير نفسه ومجتمعه نحو الأفضل، كما يجب على القائد أن يقرر التنحّي عن منصبه أو موقعه، ويترك المجال للآخرين، لكي يقدموا ما لديهم من أفكار لتحقيق التنمية والرفاهية للمجتمع.

سرعة الشعوب في التغيير
وقال الدكتور محمد كمال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، إن القائد الجيد هو الذي يولي اهتمامًا بقضايا التعليم والصحة بالقدر نفسه مع الاهتمام بقضايا الحقوق والحريات، موضحًا أن مصر وتونس قبل عام 2011، كانتا تحرزان تقدمًا ملحوظًا في التنمية البشرية، وليس في مجال حقوق الإنسان، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات حاشدة تطالب بتغيير النظام السياسي.

فيلم وثائقي عن مؤسسة تالبرغ

ولفت إلى أن المتظاهرين الذين خرجوا في مصر والعالم العربي في عام 2011، كانت لديهم توقعات أكبر في الحصول على تعليم جيد، إضافة إلى الحصول على الحرية، مشددًا على أن القائد الجيد هو الذي لا يتحلى فقط بالقدرة على التوقع، ولكن يجب أن تكون لديه أيضًا السرعة اللازمة للتغيير.

تابع: التغيير في مصر استغرق 30 عامًا، (في إشارة إلى نظام حسني مبارك)، ثم سنة واحدة لتغيير نظام آخر في عام 2013، (في إشارة إلى نظام حكم جماعة الإخوان)، وهذا يعني أن الشعوب لديها القدرة على التغيير أسرع من الحكومات والدول والقادة".

تجاهل أسماء الإرهابيين
ولفت إلى أنه يجب على نظام الحكم أن يكون منفتحًا على الآخر، وأن يرعى المواهب ويدرّبهم على القيادة، حتى تكون هناك أجيال جديدة، قادرة على التغيير والتطوير. واستطرد: نحن في حاجة إلى الابتكار في الحكم، كما هي الحال في الابتكار في الصناعة. وقال إنه يجب أن يتم الاستفادة من التكنولوجيا لتوسيع دائرة الديمقراطية، حتى يتم الحصول على أكبر قدر من آراء الشعوب.

يذكر أن الجائزة أطلقت على اسم الدبلوماسي السويدي يان إلياسون، المولود بتاريخ 17 سبتمبر 1940، والذي شغل منصب وزير خارجية السويد في العام 2006، كما شغل منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة. ويتولى إلياسون حاليًا منصب رئيس معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.

يتفاعل إلياسون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويمتلك حسابًا موثقًا على تويتر، وأطلق تغريدات عدة أثناء حادث الهجوم الإرهابي على مسجدين في نيوزيلندا، وتبنى وجهة النظر الداعية إلى تجاهل أسماء الإرهابيين. وكتب يقول: بما أن الحصول على الشهرة هو أحد الأهداف لمن يقوم بالأعمال الإرهابية، فإنني قررت أن أنسى أسماءهم. وإنني إذ أفعل ذلك، أقدم تحية متواضعة إلى ضحايا العنف والكراهية".

وكتب تغريدة أخرى في 16 مارس الجاري، قال فيها: "بعد هجوم أوتويا في النروج 2011، قررت ألا أذكر اسم القاتل الجماعي مطلقًا، وسأفعل الشيء نفسه مع إرهابي نيوزيلندا، يجب أن يكون الإهمال الكامل هو جزاء من أراد الشهرة.. يجب أن نتذكر الضحايا ونكرّمهم".