إيلاف من لندن: لعل شارل ديغول كان على حق. ففي عام 1963 أجهض الرئيس الفرنسي محاولة بريطانيا الاولى الانضمام الى ما كان وقتذاك المجموعة الاوروبية قائلا ان انكلترا "بحرية" و"انعزالية" و"راسخة" في تقاليدها وشديدة الارتباط بأسواق بعيدة بحيث لا يمكن ان تكون اوروبية.

الآن تحاول رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والبرلمان البريطاني المنقسم إيجاد طريقة لفك ارتباط بريطانيا بما يربو على اربعين عاماً من التكامل الاوروبي في موعد جديد هو 12 أبريل.

وأثبتت فرنسا مرة اخرى انها أقل دول الاتحاد الاوروبي استعداداً لمساعدة لندن. وفي وقت كانت بريطانيا تقف على حافة بريكسيت قد يكون كارثياً إذا حدث بلا اتفاق، رفض الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إعطاء بريطانيا مهلة أطول لتفادي مثل هذا المآل حين أعلن على هامش القمة الاوروبية في بروكسل يوم الخميس الماضي "نحن مستعدون" لبريكسيت بلا اتفاق، كما لاحظت شبكة بلومبرغ في تحليل اخباري للعلاقة الإشكالية تاريخياً بين فرنسا وبريطانيا.

بحسب بلومبرغ، فان فرنسا ايضاً ستتضرر ببريكست دون اتفاق وخاصة اساطيلها لصيد الأسماك بالاضافة الى فقدان الكثير من فرص العمل والوظائف. ولكن الرسالة القادمة من باريس تبدو احياناً وكأنها تتطلع بفارغ الصبر الى خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي.

واثارت الوزيرة الفرنسية للشؤون الاوروبية ناتالي لويسو ضجة عندما أطلقت على قطتها اسم "بريكسيت" قائلة انها تستيقظ كل صباح على مواء هرتها تريد الخروج من البيت وحين تفتح لها الباب لتخرج تقف الهرة حائرة مترددة لا تستطيع ان تقرر وإذا دفعتها الى الخارج ترمقها بنظرات ساخطة، كما نقلت صحيفة لو جورنال دو ديمانش عن الوزيرة الفرنسية. &

وتتابع شبكة بلومبرغ في تحليلها ان الانتهازية التجارية أو التكتيكات السياسية لا تفسر إلا جانباً من موقف فرنسا بشأن بريكسيت ناقلة عن وزير الخارجية الفرنسي الأسبق اوبير فيردين قوله في مقابلة هاتفية ان بريطانيا "هي العدو الوراثي القديم الذي لم يُهضَم تماماً حتى الآن وان الكثير من تاريخنا هو تاريخ الوقوف ضد انكلترا".

ومقابل كل انتصار كبير على الفرنسيين يتعلمه الأطفال البريطانيون في المدرسة، يتعلم التلاميذ الفرنسيون انتصاراً كبيراً على الانكليز.

والى جانب الذاكرة التاريخية هناك التصور واسع الانتشار عن "التعويقية" البريطانية التي حذر منها ديغول، بحسب فيدرين الذي قال في حديثه لشبكة بلومبرغ "هناك الفكرة القائلة ان الانكليز اللؤماء منعونا من بناء الولايات المتحدة الاوروبية وهي نظرة خاطئة تماماً" لأنه لم تكن هناك قط شهية لاوروبا فيدرالية بين الناخبين الاوروبيين بمن فيهم الفرنسيون.

ولكن الأسف على بريكسيت يبدو موقف الأقلية في فرنسا. وأظهرت ثلاثة استطلاعات اجرتها مؤسسة يوغوف خلال العامين الماضيين ان الفرنسيين أقل الاوروبيين تحمساً لبقاء بريطانيا في الاتحاد الاوروبي.

ويرى بعض المسؤولين ورجال الأعمال الفرنسيين فرصاً تجارية في خروج بريطانيا حتى انهم اطلقوا حملات اعلانية لاستدراج البنوك والشركات بعيداً عن لندن.

كما ان اعتبارات السياسة الداخلية تقوم بدورها على خلفية التحدي الذي يواجه ماكرون من حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان قبل انتخابات البرلمان الاوروبي في مايو. إذ يرى اليمين المتطرف ان خروج بريطانيا تزكية لموقفه هو ضد الاتحاد الاوروبي.

على نطاق أعرض، اتخذ ماكرون من التكامل الاوروبي بنداً مركزياً في برنامجه السياسي ولم ينتظر خروج بريطانيا قبل المضي قدماً بخططه لتشكيل جيش اوروبي وغيره من المشاريع الاندماجية التي ما كانت لتمر بوجود بريطانيا وحق الفيتو الذي تتمتع به داخل الاتحاد الاوروبي.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "بلومبرغ". الأصل منشور على الرابط:

https://www.bloomberg.com/news/articles/2019-03-23/on-brexit-macron-channels-de-gaulle?srnd=premium-europe