إسماعيل دبارة من تونس: رغم اطاحة الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة، بالجنرال توفيق الملقّب بصانع الرؤساء، فإنّ الأخير يعود مجددا للظهور مستفيدا من الأزمة الحالية ومثيرا البلبلة من جديد.

في سبتمبر من العام 2015، طوى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة صفحة "الجنرال توفيق"، الرجل القوي الذي يدرك الجزائريون منذ سنين أنه هو "الحاكم الفعلي" لبلادهم.

وشملت التغييرات العميقة التي أجراها بوتفليقة في مؤسستي الجيش والدرك، مدير المخابرات الجزائرية القوي والغامض الفريق محمد مدين، والذي يسميه الجزائريون (الجنرال توفيق).

عودة الجنرال

والأحد، بثت قناة النهار المقرّبة من بوتفليقة، صورا قالت إنها التقطت يوم لقاء الفريق مدين بالرئيس السابق اليمين زروال بمقر اقامة زروال، وتظهر الصور لحظة دخول الجنرال توفيق الى الفيلا وأخرى عند خروج الرجلين بعد لقائهما.

تذهب القناة إلى أكثر من ذلك، لتقول إنّ لقاء الجنرال توفيق واليامين زروال، هو الاجتماع "الغامض" المعنيّ ببيان الجيش الذي صدر يوم السبت، والذي حذرت فيه المؤسسة العسكرية من ضرب مصداقية الجيش عبر وسائل الاعلام.

وكشف بيان شديد اللهجة صدر عن الجيش الجزائري، مساء السبت، عن اجتماع شخصيات معروفة لـ"تحضير حملة إعلامية ضده ومحاولة تأليب الشعب ضد الجيش"، وجدّد دعم مطالب الحراك وخلع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وطي صفحته.

وأكد بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، صدر عقب اجتماع عقده قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، في مقر أركان الجيش، ضم كلًا من قادة القوات، وقائد الناحية العسكرية الأولى، والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، أنه "بتاريخ 30 مارس 2019، تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور"، مشيرًا إلى أن "كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا يتماشى مع الشرعية الدستورية أو يمس بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطاً أحمر، هو غير مقبول بتاتاً وسيتصدى له&الجيش بكل الطرق القانونية".

من جانبها، ذكرت قناة "الشروق نيوز" الخاصة نقلا عن مصادر أمنية أن الاجتماع الذي أغضب العسكر، ضم السعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري، ورئيس المخابرات السابق محمد مدين، ورئيس المخابرات الحالي اللواء بشير طرطاق.&

ولفتت الشروق إلى أن زروال انسحب من الاجتماع في آخر لحظة بعد اطلاعه على فحوى وأهداف اللقاء، وحسب القناة ذاتها فإن هذا الاجتماع حضره أيضا "أفراد من المخابرات الفرنسية".&

والسعيد بوتفليقة هو شقيق ومستشار الرئيس الجزائري، وتشير تقارير إعلامية أن نفوذه تصاعد منذ مرض الرئيس عام 2013

توفيق يردّ

لم يتجاهل الجنرال توفيق الاتهامات التي وجهت اليه، ورد الفريق المتقاعد محمد مدين (اسمه الحقيقي) يوم الاثنين عمّا قيل بخصوص مشاركته في اجتماع "للتآمر ضد الجيش".

وقال الجنرال توفيق في تصريح مكتوب أرسله للاعلام: "في سهرة يوم 30 مارس 2019، أقدمت قناة الشروق طواعية على إعطاء معلومات تلاعبية ومغلوطة، لا تتوافق مع أخلاقي ومبادئي".

وأضاف: "ففي هذا الصدد ومنذ أن غادرت مهامي، لم ألتقِ أبدا ولو مرة واحدة مع المسؤول الأمني الذي ذكر أنه حضر هذا الشبه اجتماع".

وأضاف الجنرال توفيق "إن الاتهام الموجه لشخصي والمتعلق بمقابلتي لرجال مخابرات أجانب، قصد إثارة مواضيع مرتبطة مباشرة مع السيادة الوطنية ما هو إلا محاولة متعمدة لإيذائي والمساس بشخصيتي المعروفة، داخل البلاد وخارجها، بطابع التصدي لكل التدخلات الخارجية سواء كانت سياسية، ثقافية أو اقتصادية".

وتابع: "فلا يمكنني أبدا، تحت أي ظرف من الظروف التخلي عن مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية مهما كانت خطورة المشاكل السياسية التي تمر بها البلاد، إنها القاعدة الثابتة التي أحترمها وأعمل بها في جميع تصرفاتي".

انهاء المهام

قالت برقية لوكالة الصحافة الفرنسية AFP في 2015 إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة "أنهى مهام مدير المخابرات الجزائرية الفريق محمد مدين بعد 25 سنة من شغله المنصب وعين اللواء بشير طرطاق خلفا له".

وبحسب المصدر الأمني الذي تحدث للوكالة، فإن الفريق مدين المعروف بالجنرال توفيق كان "قدم استقالته منذ عشرة ايام على الاقل".

يصف متابعو الشأن الجزائري الجنرال توفيق بأنه "صانع الرؤساء"، وأنه مساهم بشكل كبير في ايصال بوتفليقة لسدة الحكم، وأنه هو من حرص على أن يحكم بوتفليقة الجزائر كل تلك السنين.

لكن نشب خلاف كبير بين "الصديقين"، منذ أن قالت التقارير إن الجنرال توفيق يرفض ولاية رابعة لبوتفليقة الذي يعاني متاعب صحية كثيرة.

وبحسب الصحف الفرنسية المهتمة بالوضع في الجزائر، فإنّ الخلافات بين بوتفليقة ومدين انطلقت مع بداية العهدة الرئاسية الثالثة في سنة 2009، فبعد أن عاد الرئيس من رحلة علاج في باريس، سعى جاهدا لوضع رجاله المقربين في الصف الأول، حيث شرع في تمهيد الطريق لتعيين شكيب خليل وزيرا أول بعد أن كان وزيرا للطاقة، ولكن هذه الخطوة لم تكن موفقة، حيث اندلعت حينها فضيحة الفساد في شركة سونطراك للطاقة التي تورط فيها شكيب، وهو ما أدى الى موت هذه الفكرة قبل ولادتها، ووجد الرئيس نفسه معزولا عن الأشخاص الذين يفضل العمل معهم، خاصة بعد إعفاء وزير الداخلية من مهامه.

الأمور ازدادت تأزما مع نهاية العهدة الثالثة، عندما شن عمار سعداني، السكرتير الجديد للحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني الجزائرية، حملة شرسة ضد مدين، الرجل القوي على رأس جهاز المخابرات، واصفا إياه بالرجل المتسلط وعديم الكفاءة، وسط ذهول من المراقبين والمحللين السياسيين في الجزائر، نظرا لبقاء مدين أو توفيق طوال عقود كخط أحمر لا تتطرق له الصحافة المحلية ولا السياسيون.

وتعمّقت الأزمة مع توالي عمليات الإحالة الوجوبية على التقاعد، التي استهدفت الجنرالات المعروفين بقربهم من الجنرال مدين، في مسعى واضح لعزله وحرمانه من أي دعم ممكن، قبل أن يأتي عليه الدور.

ويبدو أنّ الصراع بين جناحي السلطة في الجزائر (الرئاسة والمخابرات) تأجج أكثر مع صدور قرار بالحد من صلاحيات ومهام جهاز الاستعلامات والأمن، ثم الاستغناء المفاجئ عن خدمات يزيد زرهوني، الرجل الثاني في هذا الجهاز.

الرجل اللغز

محمد لمين مدين المعروف بالجنرال "توفيق" من مواليد 1939 بمنطقة قنزات بولاية سطيف، شغل منصب رئيس المخابرات الجزائرية من سبتمبر 1990 الى غاية اقالته في 2015، وحيكت حوله العديد من الأساطير.

الجنرال توفيق ترعرع بحي بولوغين الشعبي بالعاصمة، التحق بصفوف جيش التحرير سنة 1961 ليلتحق مباشرة بعد الاستقلال بجهاز المخابرات العسكري، اين تدرج في مختلف الرتب واستفاد من دورات تكوينية بالاتحاد السوفياتي آنذاك، ليتحوّل سنة 1986 بعد عودته من منصب مستشار عسكري في ليبيا لينصب في الرئاسة كمدير لمديرية الدفاع والأمن بالهيئة ذاتها.

ثم نُصّب سنة 1990 على رأس المخابرات الجزائرية أو ما يعرف بـ"الدياراس" DRS مديرية الأمن والاستعلام، وهو المنصب الذي لم يفارقه الى غاية اقالته وحلّ الجهاز، ما يجعله أحد أقدم العسكريين في العالم.

وطيلة تلك الفترة، صنع الرجل أسطورة حول شخصه، فظل يمتنع عن الظهور، إذّ أنّ قليلين يعرفون ملامح وجهه عدا بعض الصور المسربة والمشكوك في مصداقيتها.

طيلة هذه الفترة قيل ايضا، إنه الحاكم الفعلي للجزائر، ومنذ سنوات أشيع أن صراعا خفيا يجري بين الرئيس وحاشيته من جهة والجنرال توفيق من جهة أخرى، أخذ أبعادًا أخرى منذ مرض الرئيس، الذي اتخذ عدة قرارات جردت "الدياراس" من كل صلاحياته.