أشار البروفيسور شتيفان سيل، عميد قسم الاقتصاد في جامعة كوبلنز الألمانية، إلى أنّ 2,5 مليون ألماني تزيد أعمارهم عن 65 سنة يعيشون من معونات التقاعد التي لا تزيد عن مساعدات البطالة. وحذر من تضاعف هذا الرقم خلال سنوات.

إيلاف من برلين: لا يكفي تقاعد 550 ألف ألماني لسد الحاجات المعيشية البسيطة للمسنين، وهم يعيشون تحت خط الفقر في بلد صناعي متقدم.

ويقدر البروفيسور سيل ان معظم هؤلاء يكتفون بتقاعدهم البسيط، ولاينالون الدعم المالي التكميلي من دوائر الدولة الاجتماعية، بسبب الخجل والشعور بالعار من مد اليد إلى الدولة.

ولا يملك المتقاعدون فرصاً كبيرة لايجاد عمل اضافي يعيشون منه، كما أن الوضع الصحي للكثير منهم لا يسمح لهم بمواصلة العمل.

وكان عدد هؤلاء يبلغ نحو 3000 في سنة 2003، بحسب تقرير البروفيسور شتيفان سيل، وهذا يعني ان عددهم تضاعف تقريباً.

وحذر سيل بالقول ان "الموجة الكبيرة" قادمة طالما استمر الارتفاع المنفلت في الايجارات وأسعار الكهرباء والتدفئة والمواد الغذائية.

وأثير موضوع الفقر بين المسنين في ألمانيا بعد صدور حكم بالحبس ضد العجوز انجريد ميلغرام (85 سنة) للمرة الثالثة بتهمة السرقة من المحلات.

وتعترف المرأة انها كنت تسرق اللحم والمعلبات وغيرها، لأنها تعجز عن دفع أثمانها.

وتعيش ميلغرام منذ 2011 من تقاعد زوجها المتوفي والبالغ 380 يورو، الذي لايكفي سوى لتسديد ايجار شقتها الكبيرة وكلفة والكهرباء. إذ لا تود العجوز ترك شقتها، وتخشى ان تقدمت بطلب المساعدات الاجتماعية أن يفرض عليها الموظفون الانتقال إلى شقة أصغر.

1,5 مليون ألماني يعيشون من تبرعات الأغذية

وذكر اولريش شنايدر، من مجلس الجمعيات الخيرية الكنسية، ان مراكز "تافل" التي تتلقى التبرعات بالأغذية وتوزعها على المعوزين ترعى أكثر من 1,5 مليون ألماني، معظمهم من المتقاعدين.

يشكل المتقاعدون ربع الباحثين عن الأغذية المتبرع بها في مراكز "تافل"، بحسب تقدير شنايدر.

وهناك عدد كبير من المسنين الذين لايجدون طعاماً في نهاية الشهر، لكنهم يشعرون بالعار من التوجه إلى الدولة أو إلى المنظمات الخيرية.

وتوقع شنايدر ان يتضاعف عدد المعوزين، تحت خط الفقر، في ألمانيا خلال 10-15 سنة في ظل ارتفاع الايجارات وعدم وجود ضوابط لها.

وسيزداد الفقر بين الناس، وبين المتقاعدين والمسنين، وفي شرق ألمانيا على وجه الخصوص، إذا استمر ارتفاع الاسعار الجنوني.

الفقر عزلة اجتماعية

واقع الحال ان الدائرة الاجتماعية رفعت الحد الأعلى للايجارات، بالنسبة لمتلقي المساعدات الاجتماعية، بنسبة 27%، إلا أن معدل الايجارات ارتفع بمعدل 40% خلال نفس الفترة. وتنطبق هذه الحال على أسعار الكهرباء والغاز والتدفئة.

وتزداد أزمة الفقر بالطبع حينما يسكن المتقاعد، أو متلقي المساعدات، في بيت تعتمد التدفئة والماء الحار فيه على التيار الكهربائي وليس على التدفئة المركزية.

من ناحيته، اعتبر يوخن اولريش، رئيس مراكز "تافل" الفقر في الشيخوخة عزلة اجتماعية تؤثر في نفسية وحياة الناس.

وأضاف ان الاكتفاء بالأكل، وانعدام القدرة على زيارة السينما، أو اللقاء مع الاصدقاء، أو السفر، يوقع الانسان في عزلة.

ولهذا، فإن مراكز "تافل" تحولت إلى مكان للقاء والدردشة بين المعوزين أيضاً. يضطر الكثيرون لزيارة المراكز مشياً على الأقدام بسبب عدم القدرة على دفع أسعار النقل في الحافلات والمترو.

ويبحث آلاف من رواد مراكز "تافل" عن نصح العاملين في المركز حول إمكانية الهجرة إلى البلدان الفقيرة، حيث يمكن ان يكفي التقاعد للعيش البسيط.

ولابد للهجرة إلى بلد جديد، ولغة جديدة في سن متقدمة، ان يبعث على المزيد من الاغتراب والعزلة.

قطع الكهرباء عن 350 ألف ألماني

في رد حكومي رسمي على استفسار للنائب البرلماني سفين ليمان، من حزب الخضر، جاء أن شركات الكهرباء قطعت التيار عن 350 وحدة سكنية في العام 2018.

وشكل المتقاعدون ومتلقو المساعدات الاجتماعية معظم المحرومين من الكهرباء، بسبب العجز عن دفع فواتير الكهرباء.

وترتبط الكثير من حالات قطع الكهرباء عن الناس بعوامل أخرى مهمة، ومفاجئة، مثل فقدان العمل فجأة، او الانفصال أو الطلاق، أو موت الشريك...إلخ.

ويشمل ذلك الكثير من البيوت والشقق القديمة التي تعتمد على الكهرباء في التدفئة.

وجاء في الرد الحكومي ان ولاية الراين الشمالي فيستفاليا (نحو 20 مليون نسمة) شهدت قطع الكهرباء في 98 ألف حالة، تليها ولاية بافاريا (11 مليون نسمة) في 35 ألف حالة، ثم ولاية هيسن (6ملايين) في 34,3 ألف حالة.

وفرضت على آلاف العائلات الفقيرة، التي تضم الأطفال، ان تعيش لفترات طويلة بلا كهرباء بسبب الفقر. وحذر النائب توماس كوتشاتي، من الحزب الديمقراطي الاشتراكي، شركات الكهرباء بالقول" لاينبغي ان يعيش أي طفل في الظلام في ألمانيا".

ثورة العجزة

سيشكل المتقاعدون وكبار السن الكتلة الأكبر من السكان بعد عشرين سنة، ولكن الأفقر أيضاً في ألمانيا. واعتماداً على معطيات علمية واجتماعية ديموغرافية عرض التلفزيون الألماني قبل سنة 2007 فيلماً يصور ثورة مسلحة للعجزة على المجتمع الألماني بسبب الفقر.

ويتنبأ الفيلم "بثورة" عارمة للمسنين والمتقاعدين ضد الاضطهاد والإهمال. وصور الفيلم المسنين عام 2030 كمجموعة من الناس الذين لا حول لهم، يتعرضون يومياً للإساءة والسلب، ويعاملون في دور العجزة كـ"زوائد" لا داعي لها ويجري التخلص منهم، عند موتهم، كما يتخلص مجتمع اليوم من النفايات الخاصة.

ويستعرض "ثورة العجزة" كيف يهاجم الكهول المسلحون في البداية محليات الأغذية لنيل ما يكفيهم من طعام، ثم يسطون على الصيدليات ليحصلوا على الدواء اللازم.&

وسيشكلون قيادة منهم يطلق عليها اسم "كوماندو المسنين الغاضبين" تتولى تنظيم الثورة وتتحول من السطو على المطاعم والصيدليات إلى السطو على المصارف وشركات التأمين بهدف تأمين كلفة العمليات الجراحية اللازمة لهم.

وطبيعي أن تؤدي الثورة وأعمال السطو إلى أساليب قمع شديدة تستخدمها الحكومة ضدهم. ستُبنى "سجون المسنين" بدلاً من دور العجزة، كما سيجبر القادرون على العمل منهم على قضاء المحكوميات مع الأعمال الشاقة.