إيلاف من برلين: كتب العلماء من جامعة ميونخ التقنية أنهم توصلوا إلى إنتاج غشاء غاية في الرقة من كريات نانوية تستخدم صبغة الميلانين في تشخيص الأمراض السرطانية ووقف تقدمها. وجاء في التقرير المنشور في مجلة "الطبيب" الألمانية أن هذا الغشاء أثبت قدرته على مقارعة الخلايا السرطانية في التجارب على الفئران.

وإلى جانب علماء ميونخ، شارك علماء من معهد هيلمهولتز الطبي في التجارب، وقاد البروفيسور فيبول كوجراتي، من جامعة ميونخ التقنية، فريق العمل الذي انتج الكريات النانوية المحملة بالميلانين.

والميلانين، وهي الصبغة المسؤولة عن منح الجلد والشعر والعينين لونها. وهذا يعني أن الناس ذوي البشرة الداكنة يتمتعون بمستوى وتركيز أعلى لصبغة الميلانين في الجلد من الناس ذوي البشرة الفاتحة والبيضاء.&

ويجري فرز الميلانين من الخلايا الخلايا الصباغية، وتعمل هذه الخلايا على حماية الجلد من ضرر الأشعة الشمسية، لذلك تعمل على زيادة إنتاجها من الميلانين رداً على التعرض الشديد لأشعة الشّمس.

وتحمي الميلانين البشرة عن طريق تلقي ضوء الشمس وتحويله إلى حرارة بطريقة يعرفها العلم باسم علاج "فوتوثيرمال"(الضوئي الحراري).

والميلانين هي أحماض أمينية من نوع التيروسين، تتفاعل داخل حويصلات خلايا البشرة، وتتولى خلالها الأجسام الصباغية بتحويل التيروسين إلى نوعين من الميلانين لدى البشر، وهي الميلانين العادي ويتحدد باللون الأسود والبني، والميلانين غير العادي ويتحدد باللون الأحمر والأصفر.

أوعية الغشاء الخارجي

وكتب كوجراتي ان استخدام الكريات النانوية في مقارعة السرطان طريقة علاجية واعدة، لأن جدران الأوعية الدمويةفي الورم السرطاني تسمح بمرورها أسهل مما تسمح به الأوعية الدموية في الأنسجة السليمة.
وكمثل على ذلك هي الكريات النانوية الصغيرة التي تخترق جدران البكتيريا وتندمج فيها، وتسمى في الطب "أوعية الغشاء الخارجي" Outer Membrane Vesicles.

وتتمتع "أوعية الغشاء الخارجي" بالعديد من الخصائص البيولوجية التي تؤهلها للاستخدام في الطب. إذ يتحملها جسم الإنسان دونما مضاعفات تذكر، ثم انها تتحلل تلقائياً بعد فترة. كما يمكن تحميلها بالأدوية كي تنفجر داخل الخلية البكتيرية.

أن وعاء الغشاء الخارجي الذي انتجه فريق عمل كوجراتي يتمتع بالصفتين، أي بصفات الكريات النانوية الصغيرة القادرة على التغلغل داخل الخلايا، وبصفات الميلانين التي تمتص الضوء، بضمنه ضوء الأشعة فوق الحمراء، وتحوله إلى حرارة.

وذكر كوجيراتي ان فريق العمل استخدم طريقة"الضوئية الصوتية" مازجاً بين استخدام الصوت والضوء في تشخيص الخلايا السرطانية. اذ ان الميلانين تحول الطاقة الضوئية إلى حرارية في الخلايا السرطانية.&
ويسخن النسيج السرطاني ويتمدد بفعل الحرارة الصادرة عن الميلانين، لكنه يطلق اشارة صوتية حينما يبرد وينقبض مجدداً.

وتمكن العلماء من رصد وتسجيل هذه الاشارات الصوتية بواسطة أجهزة دقيقة، وصاروا يفرقون بين الاشارات الصوتية للأنسجة السرطانية والاشارات الصوتية للأنسجة السليمة. وبكلمات أخرى فإن الأجهزة"ترجمت" هذه الاشارات الصوتية، بحسب تعبير الباحث، وعرضتها على الشاشة بصورة ثلاثية الابعاد.

بكتيريا تنتج الميلانين

واجه فريق العمل مشكلة رئيسية تتمثل في ان صبغة الميلانين لاتذوب في الماء ومن الصعب استخدامها في"أوعية الغشاء الخارجي". وتجاوزا ذلك بأن أجروا تغييرات على البكتيريا جعلتها تنتج الميلانين وترتبط جدرانها باحكام بالكريات النانوية.

جرب العلماء بعد ذلك هذا النوع الميلانيني من أوعية الغشاء الخارجي على إناث فئران مصابة بسرطان الثدي. زرعوا الغشاء مباشرة في الورم السرطاني ثم نشطوه بواسطة أشعة ليزر فوق الحمراء من الخارج.
ارتفعت درجة حرارة النسيج السرطاني من37 درجة إلى56 درجة مئوية، وهي حرارة كانت كافية لتحييد الخلايا السرطانية. وفي التجارب على الفئران المصابة بنفس السرطان، ولم تعالج بكريات الميلانين النانوية، لم ترتفع درجة حرارة النسيج إلى أكثر من39 مئوية.

تراجع الورم السرطاني وتنشيط نظام المناعة

وبعد عشرة أيام من العلاج الضوئي الصوتي رصد العلماء تباطؤ نمو الورم السرطاني في الفئران مقارنة بالفئران التي لم تخضع لهذا العلاج. كما لاحظ العلماء حصول نوع من"الالتهاب" في الورم السرطاني، سببته كريات الميلانين، أدى إلى تنشيط نظام المناعة في أجساد الفئران ضد السرطان.

ووصف البروفيسور فاسيلي نتزاكريستوس، الذي شارك في التجارب، طريقة كريات الميلانين التي ابتدعها علماء ميونخ بأنها"ثيرانوستيك"، بمعنى أنها طريقة تشخيصية وعلاجية في آن واحد. وأكد العمل على تطويرها مستقبلاً بهدف استخدامها في كل العيادات من أجل مقارعة السرطان.