فقدت الغابات الكثيرة الأمطار في أفريقيا 85% من أشجارها حتى الآن، ويمكن أن تختفي تمامًا من الخريطة خلال 10 سنوات، بحسب تقديرات منظمة "غرين بيس". لكن العلماء الألمان والسويديين يريدون إعادة تشجير أفريقيا بمساعدة "الثعالب الطائرة".

إيلاف من برلين: الثعالب الطائرة (Flying Foxes) نوع من الوطاويط التي تعيش في غابات النخيل، وتتغذى على الفواكه. اسمها العلمي (Eidolonhelvum)، وتعيش في مستعمرات كبيرة في الغابات الأفريقية وتؤدي، بهذا الشكل أو ذاك، دور النحل في تلقيح النباتات ونشر بذورها. ويقدر العلماء سكان هذه المستعمرات بمئات الآلاف، بل وبملايين الوطاويط أحيانًا.

تتغذى آلاف الثعالب الطائرة على الفواكه في الغابات الأفريقية، وتنشر البذور بعد ذلك في كل أنحاء المناطق القريبة حينما تخرج البذور (العصية على الهضم عادة) مع برازها. فأشجار الغابات المثمرة تنثر بذورها مع الريح أو تتعايش مع الحيوانات، التي تجتذبها الفاكهة اللذيذة، كي تحافظ على بقائها وتنتشر. ويمكن على هذا الأساس أن تلعب هذه الوطاويط "المكّارة" دورًا مهمًا في إعادة تشجير الغابات الأفريقية.

تعلق هذه الوطاويط نفسها رأسًا على عقب في أعالي الأشجار الإستوائية، وتنام طوال النهار، إلا أنها تنشط مع غروب الشمس وتطير بالآلاف بحثًا عن الطعام. لا تكتفي الوطاويط بالفواكه فقط، لأنها تبتلع الزهور، وتمتص الرحيق، وتنثره مجددًا في الغابات والسافانا (المروج الخضراء) الأفريقية.

نثر&300 ألف بذرة في ليلة واحدة
بغية معرفة المسافات التي تقطعها الثعالب الطائرة يوميًا، وقدرتها على نثر بذور الأشجار، قامت ماريلا فان تور، من جامعة لينيويس السويدية، بتزويد عدد كبير من الثعالب الطائرة في غابات غانا بشريحة إلكترونية تتيح تتبع حركتها عبر الأقمار الصناعية.

ابتكرت فان تور وفريق عملها طريقة أيضًا لإحصاء عدد بذور أشجار الفواكه في معدات وبراز هذه الوطاويط، بهدف تقدير إمكانياتها على نثر أعداد البذور.

كانت النتيجة أن العلماء أحصوا 300 ألف بذرة في براز الوطاويط في ليلة واحدة من ليالي غابات غانا. والمهم أيضًا أن الفرد الواحد من هذه الوطاويط قطع 95 كم كمعدل في الليلة بحثًا عن الفواكه في الأشجار، وعمل بالتالي على نثر البذور في مساحات كبيرة.

شارك في هذه العملية أفراد مستعمرة واحدة صغيرة من الثعالب الطائرة، يبلغ تعدادها 150 ألف وطواط. ومن الطبيعي أنه يمكن لهذا العدد من الوطاويط أن يزيد مساحات الغابات، وأن يعيد تشجير الغابات المقطوعة حينما يتمكن العلماء من توجيه حركة هذه الوطاويط باستخدام الأساليب العلمية.

إعادة تشجير 800 هكتار في السنة
يقول العلماء الألمان والسويديون إنهم قادرون على إعادة تشجير 800 هكتار من الغابات الأفريقية المقطوعة في غانا فقط باستخدام مستعمرات الثعالب الطائرة.

ونشر معهد ماكس بلانك الألماني المعروف، الذي شارك في الدراسة، نشر تقريرًا على صفحته الإلكترونية، قالت فيه دينا ديشمان إن الطيور الاعتيادية في الغابات تتغذى على الأشجار التي تعشعش قربها، وتبقى محدودة الحركة في منطقتها، في حين أن الثعالب الطائرة تحوم في أنحاء الغابات كافة بحثًا عن الفاكهة اللذيذة.

أضافت العالمة في شؤون الطيور والبيئة إن هذه حركة هذه الوطاويط لا تقتصر على الغابات، لأنها تصل إلى حدود الغابات، وتستقر أحيانًا على الأرض والمروج، وتنقل بذلك البذور مباشرة إلى التربة.&

يعدو الفضل إلى الثعالب الطائرة في بقاء مناطق واسعة من الغابات الإستوائية على قيد الحياة، وهذه مساعدة طبيعية لا بد من استغلالها وتوجيهها لمحاربة التصحر وقطع الغابات.

فائدة مادية للسكان
تعتقد ديشمان أنه من الممكن إعادة تشجير 800 هكتر من الغابات سنويًا بمساعدة الوطاويط. وفضلًا عن الفوائد البيئية، فإن المشروع سيسهم في تحسين حياة الناس الذين يعيشون قرب هذه الغابات.

يستفيد الفلاحون في المنطقة من زيادة محصول الفواكه، ومن ارتفاع خصوبة الأرض، ومن وفرة الأخشاب. وقدرت الباحثة الألمانية أن تشجير 800 هكتار من الغابات سنويًا سيدر أرباحًا على سكان المنطقة تبلغ 700 ألف يورو سنويًا.

المشكلة بالنسبة إلى العلماء الألمان والسويديين هي أن المهدد بالانقراض، ليست الغابات في أفريقيا فحسب، وإنما فصيلة الثعالب الطائرة بكاملها. فهذه الحيوانات، رغم كثرتها، مهددة بالانقراض، أسوة بانقراض الغابات التي تعتبر مصادر تغذيتها وحياتها.&

فالأشجار في أفريقيا هي"الأسرة" التي تنام فيها الثعالب الطائرة، بحسب تعبير دينا ديشمان. ويخطط العلماء لحملة توعية، موجّهة إلى السكان، بأهمية هذه الثعالب الطائرة للبيئة وللإنسان، قبل البدء بمشروعهم الطموح.

تمتاز الثعالب الطائرة بالحجم الكبير، لأن طول جسم بعضها يزيد على 40 سم، كما يبلغ عرض جناحيه 170 سم أحيانًا. إلا أن طول الكثير منها، بحسب المناطق التي تعيش فيها، لا يزيد على طول الوطاويط الاعتيادية. تضم عائلة الثعالب الطائرة حوالى 40 جنسًا ينتمي إليها ما يقترب من 200 نوع. وسمّيت بالثعالب لأن رؤوسها وملامحها تشبه الثعالب.
&