الهيرة: لا يتجاوز عمر محمد المتحدر من مصراتة العشرين عاما، لكنه يخوض حربه الثانية: الأولى كانت في 2016 ضد تنظيم "داعش"، والثانية يقاتل فيها اليوم قوات المشير خليفة حفتر، لمنع وصول "دكتاتور جديد" الى السلطة، بحسب قوله.

ويشنّ المشير خليفة حفتر منذ 4 نيسان/أبريل هجوماً على العاصمة طرابلس، ويتهمه خصومه أنه يريد بناء دكتاتورية عسكرية جديدة في البلاد. &

ويقول محمد "مئات المقاتلين فقدوا حياتهم للتخلص من القذافي. سنفعل ما بوسعنا لكي لا تذهب تلك التضحيات سدى".&ويعيش الشاب حالة من التشتت. فالآن يقاتل معتلياً شاحنة مزودة برشاش، لكن بضغط من والده، عليه العودة إلى منزله خلال أسبوع ليسافر إلى ماليزيا للدراسة. &

ويتابع "أريد البقاء هنا. يقولون لي إن الحرب لن تتوقف إذا رحلت، لكن إذا فكّر الكلّ بالطريقة نفسها، فلن يبقى أحد على الجبهة".&

وينتمي الشاب إلى مجموعة مسلحة من مصراتة الواقعة على بعد 200 كلم شرق طرابلس، شاركت في المعارك ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في سرت عام 2016.&

ويضيف محمد "الآن يقول حفتر إنه يريد تخليص غرب البلاد من الإرهاب. أين كان حينما كنا نقاتل نحن تنظيم الدولة الإسلامية؟".&

وتنقسم ليبيا بشكل رئيسي بين سلطتين متنازعتين: واحدة في الغرب بقيادة حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج معترف بها دوليا، وسلطات في الشرق تحظى بدعم "الجيش الوطني الليبي" بقيادة المشير خليفة حفتر.

ومعظم المجموعات المسلحة التي تقاتل قوات "الجيش الوطني الليبي" جنوب طرابلس مؤيدة لحكومة الوفاق، لكن بعضها ليس كذلك بشكل واضح. ويعرّف محمد ورفاقه عن أنفسهم بأنهم مقاتلون ضدّ حفتر قبل كلّ شيء.&

ويؤكد هشام عبدالله القادم أيضاً من مصراتة "سنطارد (حفتر) حتّى معقله" في بنغازي في شرق البلاد. ويتابع "يفرّ مقاتلوه عند كل ضربة مدفعية. إنهم خائفون".&

خلف محمد ورفاقه ضباب كثيف هو مزيج من غبار ودخان متصاعد من شاحنة تحترق وسط حقل من الأعشاب الجافة المشتعلة أيضاً.&

وفي الهيرة التي تقع على سفح جبل نفوسة، نجحت مجموعات مسلحة قادمة من مدن عدة في الغرب منذ بدء الهجوم المضاد، بطرد قوات حفتر على بعد كيلومترات.

وتؤكد تلك المجموعات المسلحة أنها قطعت الطريق أمام حفتر بين طرابلس والقاعدة الخلفية لقواته في غريان الواقعة على بعد نحو 100 كيلومتر جنوب غرب العاصمة.&

-"من أجل الوطن"-

ويقول قائد ميداني في الزنتان في الغرب "سنتقدّم نحو غريان، سننتهي قريباً من هذا الطاغية. سنواصل التقدّم حتى الرجمة" حيث المقرّ الرئيسي لحفتر في بنغازي. &والزنتان هي أولى المدن التي انتفضت ضد نظام معمر القذافي عام 2011.&

وتحاول القوات الموالية لحكومة الوفاق الحفاظ على نقطة أمنية انتزعتها حديثاً من "الجيش الوطني الليبي" تقع على بعد 20 كلم على الأقلّ من غريان. لكن طلقات القذائف ورشقات الرشاشات تجبر بعض الآليات على التراجع إلى الخلف.&

وتتطاير طلقات الرصاص لبضع دقائق، وتحلّق طائرة فوق المكان، فيتوتر الجوّ، لكن المقاتلين يثبتون في موقعهم، من دون أن تقع إصابات، وقد عزز معنوياتهم الانتصار الذي حققوه خلال اليوم. &

ويقول خليفة درديرة (30 عاماً) القادم من الزنتان "سننجح لأن قضيتنا محقة. نحن نقاتل من أجل الوطن، هم يقاتلون من أجل شخص"، ويتابع "لن نسمح أن يدمروا طرابلس".&

لكن الضرر يبدو أنه أصاب أصلاً العديد من أحياء الضاحية الجنوبية للعاصمة حيث تتركز المعارك حتى الآن التي أسفرت عن 272 قتيلاً ونحو 1300 جريح، وأدت إلى نزوح أكثر من 30 ألف شخص، بحسب آخر حصيلة لمنظمة الصحة العالمية.&

وتحولت العزيزية الواقعة على بعد 50 كلم جنوب طرابلس إلى مدينة أشباح. وأفرغت هذه المدينة الواقعة في منتصف الطريق بين العاصمة وغريان، من سكانها بعد معارك عنيفة.&

على الجادة الرئيسية في المدينة، تناثرت أغلفة الرصاصات الفارغة وشظايا القذائف، وخلّفت المعارك ثقوباً هائلة في بعض الجدران. أما الستائر الحديدية للمتاجر، فقد تفجرت أو التوَت.&

ويقول خليفة درديرة بأسف "هذه هي النتيجة. قرّر حفتر تدمير البلاد، وأن يرجعنا عشرات السنين إلى الوراء". ويتوعد "أن مصيره (حفتر) سيكون أسوأ من مصير القذافي" الذي قتل في تشرين الأول/أكتوبر 2011 في ظروف مضطربة بعد إلقاء القبض عليه ثمانية أشهر بعد بدء النزاع.&