إيلاف من القاهرة: بعد نحو أربعة أشهر من الاحتجاجات، استطاع السودانيون اسقاط نظام حكم عمر البشير، بعد أن أعلن الجيش انحيازه إلى الشعب في ثورته. وخرج وزير الدفاع عوض بن عوف، قائلًا إنه "تم اقتلاع النظام السابق، والتحفظ على رأسه في مكان آمن".

وبعد أن تولى الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئاسة المجلس العسكري، استبشر السودانيون خيرًا، لاسيما بعد اتخاذه مجموعة من الإجراءات التصالحية، ومنها إلغاء فرض حظر التجوال، وتعهد بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وأن يظل الجيش حاميًا لسيادة الدولة وأمنها القومي.

ومع بدء المرحلة الإنتقالية التي أعلن عنها المجلس العسكري، ينظر العالم بترقب إلى السودان، خوفًا وطمعاً، خوفًا من تدخلات خارجية وصراعات داخلية قد تزج به في أتون الفوضى، وطمعًا في أن يحل السلام والوئام أرجاء هذا البلد الطيب، وتسوده الديمقراطية والحرية والتنمية الاقتصادية والرخاء لشعبه.

ووفقًا لخبراء في الشؤون السودانية، فإن "المشهد الراهن شديد التعقيد"، وأضافوا أن الثورة السودانية تسير بمنهج صبور، متوقعين أن يستجيب المجلس العسكري في النهاية ويفي بوعوده في تسليم الحكم إلى حكومة مدنية منتخبة، وأعربوا عن تفاؤلهم بمستقبل جيد للخرطوم.

في مفترق طرق

يقول السفير محمد عبد العزيز، مساعد وزير الخارجية المصري، الأسبق للشؤون الأفريقية، إن السودان حاليًا في مفترق طرق، مشيرًا إلى أن الجيش يعتبر الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار والخروج من عنق الزجاجة.

ويضيف لـ"إيلاف" أن القوات المسلحة السودانية تحظى بحب وتقدير السودانيين، والدليل أن الثوّار لجأوا إلى الاعتصام أمام مقر القيادة العامة، احتماءً من الميلشيات المسلحة التي حاولت فض الاعتصام بالقوة، مشيرًا إلى أن القيادات الصغرى والوسطى في الجيش التقطت رسالة المحتجين وعملت على حماية اعتصامهم السلمي، بينما أعلنت القيادات الكبرى الانحياز لصالح الشعب واسقاط نظام البشير واعتقاله.

ونبه إلى أن المجلس العسكري الانتقالي وضع خريطة طريق للمرحلة الانتقالية تهدف في النهاية إلى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، وتطهير مؤسسات الدولة من رموز نظام الحكم السابق، ومحاكمة الفاسدين ومن سفكوا دماء السودانيين، معتبرًا أن ذلك يدعو إلى التفاؤل.

وأشار إلى أن جلسات الحوار الوطني التي دعا لها المجلس العسكري، سوف تعمل على إزالة نقاط الخلاف بين قوى الحرية والتغيير والمجلس، بما يسهم في انتقال سلسل للسلطة من الجيش إلى حكومة مدنية منتخبة.

استفادة من تجارب الآخرين

يقول هاشم جمال، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية بالقاهرة إن السودانيين استفادوا من تجارب الشعوب العربية الأخرى فيما يسمى بالربيع العربي، مشيرًا إلى أنهم لم يفرحوا بالانتصار الجزئي، وهو اسقاط نظام حكم البشير واعتقال رموزه، رغم أنه انتصار كبير جدًا، ويصرون على أن يُسلّم المجلس العسكري السلطة إلى حكومة مدنية.

ويضيف لـ"إيلاف" أن السودانيين تعلموا أنهم لو تركوا الميادين، لن يستطيعوا تحقيق باقي أهداف الثورة، وسوف يتم إعادة انتاج نظام البشير مرة أخرى، لاسيما أن النظام يسيطر على جميع مفاصل الدولة منذ 30 عامًا، ولذلك يتمسكون بالسلمية والاعتصام حتى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، وأن يتفرغ الجيش وقوى الأمن لحفظ أمن الدولة.

ولفت إلى أن السودانيين سوف ينجحون في تحقيق أهدافهم إذا استمروا في التماسك، ولم تنقسم القوى المدنية والاحتجاجية على أنفسها، وإذا استمر قادتهم في العمل سويًا.

مقاومة صبورة

وقال أيمن شبانة نائب مدير مركز حوض النيل بجامعة القاهرة: "المحتجون السودانيون تبنوا استراتيجية "المقاومة الصبورة"، التي تتمسك بالمطالب، دون استعجال النتائج، مع الاستعداد لتطوير أساليب الاحتجاج حسب المعطيات والإمكانيات. فيما اتبع النظام منهجاً تقليدياً لمواجهة الموقف، يؤكد ابتعاده كليا عن الشارع السوداني، إذ فسر الأزمة الاقتصادية بأنها ابتلاء يتطلب الصبر عليه حتى ينجلي".

ولفت إلى أن "نظام البشير كان يراهن على ثلاثة أمور هي: فتور عزيمة المحتجين وإنهاك قواهم بمرور الوقت، ومخاوف السودانيين من اندلاع الفوضى حال سقوطه، مثلما حدث باليمن وليبيا وسوريا. وإحجام القوى الدولية عن مطالبة البشير بالاستقالة، مكتفية بانتقاد العنف ضد المتظاهرين، والدعوة لتحقيقات نزيهة في الانتهاكات، وذلك لعدم استعدادها لتحمل تبعات ربيع عربي – وربما أفريقي- جديد، خاصة مع عدم وجود بديل ملائم لتولي السلطة، في ظل الغموض الذي يكتنف قيادة تجمع المهنيين، والتخوف من حدوث فراغ في السلطة بالسودان"،.

ونوّه شبانة بأن رهانات النظام فشلت، مع تطوير أسلوب الاحتجاج، بالانتقال من التظاهرات إلى الاعتصام المفتوح أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وهو ما وضعها أمام تحدٍ حقيقي، إذ كان يتعين عليها حسم أمرها، بالانحياز للجماهير.

وأضاف في دراسة له بعنوان "مستقبل السودان.. بين سلطة المجلس العسكري وزخم الاحتجاجات"، أن "تجمع المهنيين" يعتبر القوة الشعبية الأكثر تواجدًا على الأرض، وهو الذي قاد الاحتجاجات ضد نظام البشير، حتى تم اسقاطه، مشيرًا إلى أن "تجمع المهنيين يتخوف من أن يتم السطو على الثورة، على نحو ما حدث عامي 1964 و1985، خاصة إذ اتجهت اللجنة الآمنة إلى اختراق الحراك الشعبي، بالتواصل مع الأحزاب السياسية التقليدية، خاصة حزب الأمة والحزب الاتحادي، وإغرائها بنصيب وافر من المكاسب، خلال الفترة الانتقالية، مع تهميش القوى السياسية الأخرى. وهو أمر وارد بالنظر إلى أن تلك الأحزاب فقدت منذ أمد بعيد اتصالها بالجماهير، وأنها ظلت طوال عهد الإنقاذ تضع قدماً في مربع المعارضة وأخرى في مواقع السلطة، وأنها لا تنظر إلا لمصالحها الضيقة على حساب مصالح الشعب السوداني".

وذكر أن أهم مطالب التجمع "تتمثل في الإبقاء على القوات المسلحة كضامن لعملية الانتقال السياسي وليست حاكماً للبلاد، بالتركيز على الحفاظ على السلامة الإقليمية للسودان، وإسناد إدارة الفترة الانتقالية إلى حكومة كفاءات وطنية من الشخصيات العامة، غير الموالية لنظام الإنقاذ، والتوافق على معايير عامة لتحديد شكل الدولة، وهويتها، وصياغة الدستور، وإجراء الانتخابات، مع زيادة مدة الفترة الانتقالية إلى أربعة أعوام، وذلك لأن قصر هذه المدة سوف يمنح الأحزاب التقليدية وفلول الإنقاذ الوطني مزايا نسبية لا تتوافر لتجمع المهنيين أو الحركات الشبابية المشاركة في الثورة، وهو ما يزيد من فرصهم في الفوز بأي انتخابات مقبلة".

انتصار جزئي

يصف شبانة المشهد السوداني بأنه "شديد التعقيد"، موضحًا أن "قيادة الحراك الشعبي في لحظة انتصار جزئي بنجاحها في فرض المطلب الرئيسي الخاص بعزل البشير ما يجعلها موضع ثقة من نسبة كبيرة من السودانيين ويبقى السؤال حول قدراتها السياسية الخاصة بقراءة دقيقة لتوازنات القوى الداخلية والإقليمية وقدرتها في الحفاظ على تماسكها الداخلي من أجل خوض مفاوضات ناجحة مع المجلس العسكري الحاكم حالياً أو قلب التوازنات تماما باستقطاب قسم مؤثر من قيادة القوات المسلحة والكوادر الوسيطة وبالتالي فرض معادلة جديدة في المرحلة المقبلة".