إيلاف من القاهرة: هل فقد "تويتر" ألقه وبدأ رواده يهاجرونه سرا وعلنا إلى منصات أخرى؟ ربما الأمر كذلك، إذ لا يمرّ يوم دون أن يعلن مستعمل بارز لهذا الموقع انسحابه النهائي منه مع ما تيسّر من عبارات الاحباط والحزن.

يُلاحَظ خلال الآونة الأخيرة بدء ميل بعض المشاهير للانسحاب من موقع التدوين المصغر "تويتر"، بحثاً عن منصات أخرى أكثر جدوى لهم من حيث التفاعل والافادة والاستفادة.

مؤخراً، أعلن اثنان من الفلاسفة الذين يحظون بقدر لا بأس به من الشعبية على تويتر، عن مغادرتهما المنصة وتعطيلهما لحساباتهما عليها.

قالت الفيلسوفة كيت مان، وهي من المهتمات بمجالات الفلسفة، السياسة والثقافة، إنها ستقوم بتعطيل حسابها عبر تويتر، لاسيما وأنها كانت تتفاعل بصبر وبانتظام مع المستخدمين الذين كانوا يتخذون موقفاً عدائياً تجاه أعمالها وأفكارها، حيث قدَّمت لهم الشكر على ذلك، موضحة أنها لم تعد قادرة على مواصلة التفاعل معهم على هذا النحو المتعب.

وفي نفس الوقت، أعلن فيلسوف آخر يدعى بريان ايرب أنه سيبتعد بعض الوقت عن موقع تويتر، موضحاً أن معايير الحوار المقبولة، حتى بين الأكاديميين، باتت تسمح على ما يبدو بقدر من انعدام التعاطف، السخرية، الاستذكاء والانتقادات غير السارة.

وربما جاءت مغادرة كيت وبريان من تويتر على هذا النحو لتبرز طبيعة التحديات التي يمكن للمستخدمين أن يواجهوها على الإنترنت سواء مع الجمهور وفي عالم الفلسفة والفكر.

في تويتر كما في مواقع أخرى للتواصل الاجتماعي، يكون الحوار الرصين والمفيد أمرا صعب المنال، إذ تتفشى الشتائم و"المندسّون" وأصحاب الأجندات والأسماء المستعارة، وقد يصعب على صاحب فكرة ما على غرار الفلاسفة وأساتذة الجامعات والباحثين، النزول إلى استفزازات بعض المغرّدين، وربما يهيمن على هؤلاء التصوّر العلمي الصارم للنقاش وابداء الرأي، ويعتقد كثير منهم أن "تويتر" مشابه لمدرجات الجامعات وأروقة مراكز البحوث، لكنهم سرعان ما يقفون على حقائق أخرى.

يمكن لنمذجة الحوار المثالي على الإنترنت أن يكون مرهقاً ومثبطاً، فضلاً عن أن الحجم الهائل للتواصل الدائم دون انقطاع عبر تويتر قد يكون كبيراً للغاية.

وقد لا يكون من السهل دائماً التصدي للاستفزاز الذي يتعرض له الناس من جانب بعض المتصيدين الذين يستمتعون على ما يبدو بكونهم حمقى. وبالإضافة لذلك، فالجمهور كبير جداً، والمحادثات الفردية محدودة جداً، لذا فإنه من الطبيعي بعد فترة من الوقت التساؤل عما إن كانت جهود الأفراد المبذولة في عرض الأفكار والأخبار على تويتر، تصنع فارقاً أم لا.

هناك 3 أمور يمكن استخلاصها من تفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت دافعاً لبعض المشاهير للانسحاب من تويتر بحثاً عن ساحات أو منصات أخرى يتفاعلون عليها، هي: أنك لست مطالباً بالرد على بقية المستخدمين أو المتفاعلين، وبالتالي فأنت في حِل عن تقديم مبررات لعدم ردك طالما رأيت أن من يُحَدِّثك غير مؤهل أو سيضيع وقتك، وكذلك تقبل أنه من الطبيعي ألا تحسم النقاشات الإلكترونية لصالحك في الأخير، وأخيراً عدم الانقياد للانخراط في سلوكيات أو تصرفات سيئة، قد يحاول بعض المتفاعلين أن يجروك إليها بتلك المنصات.
&&
وأيا يكن الأمر، يبدو أنّ قرار الانسحاب من تويتر لم يعد ميلا فرديا، بل اصبح اتجاها عاما ودعوات جماعية، لخّصها المغرّد السعودي مازن مليباري بقوله تعليقا على انسحاب الفيلسوفيْن الشهيريْن من تويتر: "عقبال التقنيين والأكاديميين ورواد الأعمال... تأخرنا في الهجرة الى منصة غير تويتر".