اختتمت في مدينة نيوبورت في مقاطعة ويلز البريطانية فعاليات "مؤتمر ويلز لحوار الأديان" في دورته الثانية، حيث دارت مناقشات وحوارات ومداخلات معمّقة، وتلا ذلك إصدار إعلان يعزّز دور المعتقدات في المواطنة واحترام القانون.

إيلاف: شهد المؤتمر الذي نظمته مؤسسة (أونيكس) للتواصل الفكري في دورته الثانية، حضورًا نوعيًا كبيرًا من ممثلي الأديان والمعتقدات في بريطانيا، إضافة إلى المهتمين والباحثين في موضوع "الدين والمواطنة" على مدار مجموعة من الجلسات المتخصّصة، وخلص المؤتمر إلى توقيع المشاركين على إعلان ويلز حول الدين والمواطنة وسبل تعميق الروابط بينهما.

يذكر أن مؤسسة أونيكس للتواصل الفكري تندرج تحت إطار المنظمات غير الحكومية في مقاطعة ويلز، وتنشط في مجال المؤتمرات وحوار الأديان ومكافحة التطرف الفكري، وقد أقامت مؤتمرها الأول في العام الماضي 2018 حول موضوع القيم الأخلاقية المشتركة التي تجمع الديانات والمعتقدات.

كلمة حكومة ويلز
ألقت جين هت نائبة رئيس حكومة ويلز كلمة في بداية المؤتمر، ركّزت فيها على أهمية مثل هذه المؤتمرات وضرورتها في مثل هذا الوقت تحديدًا، إذ تتيح المجال لالتقاء مجموعة من الباحثين والفاعلين للحوار معًا، رغم اختلاف أرضياتهم العقائدية والفكرية، من أجل البحث عن الأسس المشتركة، مضيفة إن مثل هذه المبادرات تساهم في كسر الحواجز ومحاربة عناصر الشك والكراهية والتطرف.

كما أشادت هت بمؤسسة أونيكس وجهودها عبر المؤتمر الأول في العام الماضي 2018 الذي ناقش القيم المشتركة في الديانات، والذي يواصل دوره الناجح خلال الدورة الحالية، مستذكرة الجهود التي تقوم بها حكومة ويلز في مبادرات حوار الأديان منذ العام 2001.

تصور نظري
من جهته، قدم مدير عام مؤسسة (أونيكس) د. عبدالله ياسين تصورًا نظريًا لموضوع المواطنة وعلاقتها بالدين من خلال ورقته البحثية التي ركز فيها على إمكانية صياغة مفهوم المواطنة من منظور أخلاقي عبر ثلاثة مفاهيم أساسية هي الحرية والعدالة والديموقراطية، حيث يرى أن مطلق الحرية قد تقود إلى الفوضى، لهذا لا بد من النظر إليها من منطلق أخلاق الفرد والتزامه الأسري والاجتماعي، بحيث لا يؤدي ذلك إلى التعدي على الآخرين في معتقداتهم وأفكارهم وممتلكاتهم.&

أما في ما يتعلق بالعدالة، فيرى ياسين أنه من السهل الاعتماد على القانون في توفير قدر من السلامة لأفراد المجتمع، لكن الأخلاق تضمن كامل السلامة عبر الوازع الداخلي من دون إهدار للمجهود المادي أو البشري، والأمثلة كثيرة في المجتمعات التي تقوم على احترام أسس وأخلاقيات الحياة الاجتماعية والتعايش الأسري عبر بنيتها الدينية أو الاعتقادية. أما الديموقراطية، وخصوصًا في المجتمعات التي تتغنى بها، فيرى الباحث أنها ربما تنطوي على شيء من القسوة على الآخر، بسبب النظرة الضيقة للمنفعة الفردية أو منفعة الحزب، ولكن إذا قامت هذه الديموقراطية على مراعاة المصلحة العامة والتعاون على تحقيقها، فإنها ستكون مفيدة للحكومات والمواطنين معًا.

أوراق عمل
شهدت الجلسات الأخرى أوراق عمل وبحوثا متخصصة قدمها القس د. مارك ديموند ممثلًا للديانة المسيحية، والباحث هارديب سينغ عن طائفة السيخ، إضافة إلى كلمة عبر الفيديو من الهند للباحثة نيتا بيشر الناشطة في مجال حوار المعتقدات والديانات في مقاطعة ويلز. كما تناول الباحث المتخصص في البهائية فيفيان بارتليت موضوع المواطنة وقيمها عند البهائيين المنتشرين في شتى أنحاء العالم.&

أما الباحثة د. سيباني روي فقد تناولت الموضوع نفسه من خلال القيم الخاصة بالهندوس، وقدمت الباحثة جيما ثومبسون رؤيتها للمواطنة من وجهة نظر اللادينيين أو طائفة البيغان، وشهدت الجلسات المسائية مجموعة من الباحثين، من بينهم الشيخ الأزهري محمد طلبة، الذي تناول موضوع الإسلام والمواطنة، والقس بن إبراهامسون عن المواطنة في الدين اليهودي مع أخذ النموذج البريطاني في ذلك، واختتمت الجلسات بممثلين عن البوذية ورؤية تعاليمها بهذا الخصوص قدمتها نالجوراما خاندرو.

الشيخ محمد طلبة من مصر أمام المركز الإسلامي في كارديف

إعلان ختامي
وأصدر المؤتمر في ختام فعالياته إعلانًا حول الدين والمواطنة في الآتي نصه:

اتفق ممثلو الديانات والمعتقدات الحاضرون هذا المؤتمر على التوقيع على إعلان خاص يتناول&أسس موضوع الدين والمواطنة ضمن مجموعة من النقاط، وهنا بعض ما جاء في هذا الإعلان الذي ربما يجمع للمرة الأولى مثل هذا العدد من ممثلي الديانات السماوية والمعتقدات الأخرى للنقاش حول هذا الموضوع المهم:

إن الأديان والمعتقدات لديها اهتمام جذري بالمجتمع من خلال العناية بالأسرة وسلامتها وتحقيق السعادة لأفرادها نظرًا إلى ما تتضمنه هذه الديانات من قيم وأخلاق مشتركة، تم اختبار ثباتها عبر التاريخ، وعليه يمكن فهم موضوع المواطنة على ضوء النظام الأسري كما يلي:

إن القيم التي تبنى عليها أواصر الأسرة وانظباطها الأخلاقي والتزام أفرادها بالمسؤولية الجماعية يمكن أن تشمل تقوية الصلات الاجتماعية وانضباط المجتمع ومراعاة المسؤولية المدنية.

إن الشخص الملتزم باعتقاده الديني الخاص، أي الذي يراعي القيم التي تبنى عليها سلامة وسعادة الأسرة والمجتمع، هو بالضرورة مواطن صالح، ومثل هذا المواطن سيحترم حقوق الآخرين، ويعاملهم كما يعامل نفسه، ويلتزم العيش بسلام مع الجميع، ويراعي مسؤولياته المدنية، ويشارك في الأعمال الخيرية التي ينتفع بها الجميع.

إن توافقنا اليوم على مثل هذه المبادئ سيعزز التزامنا الجماعي بالمسؤولية المدنية والتعاون لما فيه الخير للجميع، وترابط المجتمع وتحركه كوحدة تواجه تحديات العيش والمشاركة الفاعلة في العملية الديموقراطية والتعاون في الحفاظ على البيئة.