استفاد الرئيس السوري، بشار الأسد كثيرا من التدخل العسكري لروسيا وايران في بلاده، ولكنه قد يضطر في الأيام القادمة الى الاختيار بين موسكو وطهران.

إيلاف من نيويورك: تمر سوريا بأسوأ أزمة وقود منذ اندلاع الحرب عام 2011، وتسعى حكومتها جاهدة للتعامل مع هذه الازمة التي تفاقمت بشكل كبير عقب إعادة واشنطن فرض عقوبات على إيران.

وبحسب وكالة اسوشيتيد برس، فإن هذه الازمة قد تدفع بالرئيس السوري الى الاختيار ما بين الوقوف الى جانب ايران المُعاقبة والممنوعة من تصدير، او روسيا التي استأجرت ميناء طرطوس لتسعة وأربعين عاما.

إجراءات دراماتيكية

رغم الارتياح المؤقت الذي حدث في الأيام الأخيرة بفعل وصول كميات من النفط المهرب الى سوريا، وتراجع طوابير السيارات التي اصطفت في الأسابيع الماضية امام محطات الوقود، إلا ان حكومة دمشق مضطرة لاتخاذ إجراءات دراماتيكية بفعل حاجتها إلى شراء أكثر من 75 في المئة من النفط من مصادر خارجية.

خيارات دمشق

ويقول الخبراء إن على دمشق إما استعادة السيطرة على حقول النفط في الشرق، والتي تسيطر عليها حاليًا قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، أو استبدال إمدادات النفط التي كانت تأتي من إيران بأخرى جديدة من روسيا بأثمان سياسية.

وأشارت الوكالة، "إلى انه يمكن للقوات الحكومية وحلفائها القيام بخطوة سريعة في الشرق إذا واصلت واشنطن الحديث عن سحب قواتها المتمركزة هناك، كما ان الانسحاب الأميركي من شأنه أن يتيح لتركيا فرصة لشن هجوم خاص بها لإبعاد قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبرها تهديدًا، ومع ذلك هناك علامات على أن الولايات المتحدة قد تعيد النظر في خططها"، وقال فابريس بالانش، الخبير في شؤون سوريا بجامعة ليون، "إن الهجوم على الشرق أمر لا مفر منه في نهاية المطاف. عندما تهاجم تركيا الأكراد، ستستولي قوات الأسد على حقل العمر النفطي. بعد 3 أشهر؟ 6 أشهر؟ عام واحد".

حاجات سوريا النفطية

دمشق تحتاج حاليا الى النفط بشكل كبير، فالانتاج المحلي وصل هذا العام إلى 24،000 برميل يوميًا - أي حوالي 20-25٪ من إجمالي الاحتياجات، ولكن البلاد كانت تنتج 350،000 برميل يوميًا قبل الحرب. يقول المسؤولون الحكوميون إنهم بحاجة إلى وقود مدعم بقيمة 2.7 مليار دولار كل عام، وبالمقابل تعاني ايران التي كانت تعد المزود الرئيسي لسوريا بالنفط من العقوبات الأميركية المشددة.

كما انخفضت الليرة السورية إلى مستوى متدني، وبات سعر الصرف 590 ليرة للدولار في السوق السوداء، بينما يبلغ السعر الرسمي 430 ليرة، وارتفعت أسعار المواد الاساسية بشكل كبير.

تجارة التهريب

وبالمقابل يستفيد وسطاء من العقوبات المفروضة وذلك عن طريق شراء النفط وإدخاله برا، وعادة ما يكون ذلك من العراق أو لبنان، ويوفر حوالي 20 % من احتياجات دمشق، ويستمر تهريب بعض الكميات من شرق سوريا، وجدير بالذكر ان هذه التجارة استمرت يوم سيطرة داعش على المنطقة، ولا تزال مستمرة حتى الان رغم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ورصد نشطاء وسكان دمشق في الايام الاخيرة شاحنات نفط تعبر من الشرق إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

روسيا جاهزة ولكن

وأضافت (أ.ب)، "يمكن لروسيا أن تقدم إمدادات مستقرة لتحل محل إيران، لكن من جل الحصول عليها، قد يضطر الأسد إلى إعادة ضبط العلاقات مع حلفائه الرئيسيين، موسكو وطهران، فالبلدان لهما مصالح مختلفة في سوريا"، وقال كيريل سيمينوف محلل شؤون الشرق الأوسط، وخبير غير مقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسي "السؤال هو ماذا يمكن أن يقدم الأسد في المقابل ومدى ربحية ذلك بالنسبة لروسيا.يمكن أن تستخدم موسكو هذا لجعل الأسد أكثر مرونة ويعمل أكثر لصالح موسكو بدلاً من إيران".

واستأجرت روسيا ميناء طرطوس لمدة 49 عاما، والتقى نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف مع بشار الأسد في دمشق، وأكد، "ان عقد الإيجار الروسي للميناء سيعزز التجارة الثنائية ويفيد الاقتصاد السوري"، معربا، "عن أسفه لأن حقول النفط الشرقية بعيدة عن متناول الحكومة، لكنه اضاف، "ان المقترحات المحددة موجودة وأن سوريا يجب أن تكون مستعدة لحل المشكلة".

ابعاد ايران سياسيا وعسكريا

ديفيد بوتر، خبير الطاقة في مؤسسة تشاتام هاوس، اعتبر، "ان إيران وروسيا تستخدمان أزمة الوقود كقوة ضغط على الأسد"، متابعا، "طهران تريد ضمانات لسداد الديون. يبدو أن روسيا تتجه نحو مزيد من السيطرة السياسية (والعسكرية)، وفي حين لم تحدد موسكو بعد ما تريد، إلا أنها تتطلع إلى فرض إرادتها على نطاق أي تسوية سياسية لتأمين الأصول الاقتصادية والسيطرة على الساحة العسكرية.

ونقلت اسوشيتيد برس عن ليث أبو فاضل الصحافي المؤيد للنظام السوري قوله، "إن دمشق قد تختار في النهاية المسار الذي حدده الروس"، بما في ذلك التقارب مع المملكة العربية السعودية، المنافس الرئيسي لإيران في المنطقة.