من من الجنسين يعتبر المتضرر الأول من مشروع الهجرة الذي يقدمان عليه قسرًا في معظم الأحيان لاستحالة تأمين مستقبل بل حاضر مشرف وكريم في بلدهم الأم. ومن يتحمل عناء الغربة أكثر. "إيلاف" تسلط الضوء على الموضوع محاولة إيجاد إجابات.

إيمان البستاني: منذ أن أصبحت الهجرة والترحال عن الوطن للكثيرين قدرًا لا مفر منه مثل الأمراض المزمنة التي يبتلى بها الجسد مرغمًا، وترافقه لما تبقى من حياته، والحديث عنها دومًا متناقض. البعض يمدحها ويعتبر أنها بداية لحياة جديدة وفرص مشرعة نوافذها للتطور، والآخر ينتقدها، ويرى أنها انسلاخ عن التربة الأم ومنفى قسري نتيجة أخطاء الآخرين. ثم يطول الكلام عن تحديد من يدفع ضريبتها أكثر؟: المرأة أم الرجل.. ولماذا؟.

انتصار للمرأة

ترى المذيعة والإعلامية العراقية فريال حسين أن دول الهجرة أو اللجوء توفر برامج الاندماج في تلك المجتمعات من ناحية تعلم اللغة وتوفير فرص عمل للنساء والرجال. ما يتيح للمرأة بعد تعلم اللغة والإطلاع على قوانين وثقافة تلك البلدان أن تعرف أهمية حقوق النساء، خاصة بعد اعتمادها على نفسها اقتصاديًا، وهذا بالتالي يجعلها تطالب بحقوقها الإنسانية التي لا يلتفت إليها الرجل في بلاده الأصلية.. لذا ترتفع أصوات النساء في بلدان الهجرة لوقف العنف الأسري السائد في المجتمعات الإسلامية والعربية خاصة..
معتبرة أن مطالبة المرأة بحقوقها هو انتصار لها وضرر كبير للرجل.


تقاسم للمسؤوليات
بينما تقول الصيدلانية العراقية المقيمة في كندا إيمان بلبلي إنها لا تسمّيه ضررًا، بل تأقلم، ولا تجد فرقًا بين الرجل والمرأة، بقدر ما هو إختلاف شخصي.&

تضيف "تقل الصعوبات والمعاناة عندما يكون هناك تفاهم وتكاتف لمصلحة العائلة، وكلما زاد الوعي كلما أصبح الإغتراب فرصة للتطور، فيتقاسمان التضحية والمسؤوليات".

معاناة مضاعفة
المرأة أقل ضررًا من الهجرة، بحسب نجد سعيد (مهندسة كهرباء سورية مقيمة في الكويت) رغم المأزق الذي وصلت إليه الرأسمالية، وما نتج منها من نظام ثقافي؛ تستطيع النساء المهاجرات التمتع بقيم الدولة المدنية والمواطنة والحرية واحترام العلمنة مما يسهل الحياة اليومية للمرأة المهاجرة بقصد الدراسة أو العمل أو مجرد الحياة الآمنة، وهذه كلها تعانيها بشكل مضاعف عن الرجل، وهي ربما تبكي يوميًا عندما تستمع إلى "يا عود ريحان أخضر والغربة بتحشه"، ولكنها على الأقل تعيش الحياة - نسبيًا - كما تحب.

نظرة المجتمع الشرقي
من خلال تجربته في بلدان المهجر، والتي زادت على الربع قرن، واعتمادًا على لقاءات صحافية ومعايشة قريبة للمهاجرين يجد معد فياض (كاتب وصحافي عراقي مقيم في لندن) يجد أن المرأة هي من تتحمل مشاق أكبر في مغامرة الهجرة، بدءًا بالطرق التي يسلكها المهاجرون العرب، وفي الغالب عبر البحار، أو برًا بين الغابات، ولو عدنا إلى الأنباء التي تتحدث عن حوادث غرق المهاجرين، سنجد غالبيتهم من النساء والأطفال.

أما في حالة الاستقرار فإن المرأة، يضيف فياض، خاصة إذا كان هناك أبناء (بنات أو ذكور) فإن الأم هي من تتحمل مسؤولية ومصاعب ومحاولة استقرار الأسرة. وإذا لم يكن هناك أبناء أو عائلة، وكانت المرأة بمفردها، فإنها أيضًا تعاني من مصاعب الحياة في بلدان المهجر وتحدياتها. وإذا عاشت في مجتمع شرقي، عربي، وإسلامي خاصة، فإن النظرة إليها باعتبارها وحيدة ستضعها في محل الشبهات، أو تكون مشروعًا سهلًا للتحرش، مع أن القوانين تحميها.. في الخلاصة، وهذا ليس اعتقادًا، وجدت أن المرأة هي التي تتحمل مصاعب تحديات الهجرة، مع ما هو متوافر من مغريات لتطوير معارفها وتجربتها الحياتية، والأمر أيضًا يعتمد على قوة شخصيتها وتربيتها العائلية.

تفقده سيطرته عليها & & & & & & &
تؤكد هالة يوسف (مصممة أقمشة عراقية تقيم في هولندا) أن الهجرة أضرت بالرجل والمرأة وحتى الأطفال. وترى أن الهجرة لها إيجابياتها في فتح آفاق ومجالات أخرى للدراسة. ومن بعض سلبياتها أن الرجل أيضًا يتضرر، لأنه يفقد سيطرته وسلطته على العائلة.

أما إذا كانت الزوجة تعمل - تتابع يوسف - وهو عاطل، فالمشكلة كبيرة، حسب ما هو سائد في مجتمعنا الشرقي. أما في الغرب فالمرأة والرجل لهما الحقوق والواجبات نفسها. وفي بعض الأحيان المرأة لها حقوق أكثر من الرجل.

صراع عادات وحضارات
يعتقد ضياء تريكو صكر (شاعر ومهندس عراقي مقيم في نيوزلندا) أن الموضوع نسبي، ويحدده العديد من العوامل، منها أسباب الهجرة والظروف التي يعيشها الفرد فيها في بلد الإقامة الجديد، وكذلك ثقافته ومدى ارتباطه بوطنه الأم، بل حتى عمره.. وبصورة عامة فإن الفرد الشرقي المغترب تستمر معاناته من الغربة، بسبب فرط عاطفته وجذوره في موطنه الأصيل، فنراه يتمسك بتقاليده الشرقية والاجتماعية، حتى وإن انخرط في المجتمع الغربي، وهذا ما يدفع إلى نشوء صراع فكري ومعاناة اجتماعية مع الأطفال ونشأتهم في المجتمع الجديد... وحدّة هذة المعاناة تحددها الانتماءات المختلفة والمستوى الثقافي.

قدراتها محدودة
بدورها ترى الصحافية فاتن الشعباني (سفيرة النوايا الحسنة في مصر ورئيسة تحرير أخبار العالم) أن الشخص الذي يفكر في الهجرة من مكان إلى آخر أو من دولة إلى أخرى يهدف إلى تحسين مستواه إلى الأفضل دائمًا، وسواء أكان المهاجر رجلًا أو امرأة فقد يجد الإنسان حتمًا في البداية بعض الصعوبات في المكان الجديد الذي يهاجر إليه من حيث اللغة أو العادات والتقاليد وما غير ذلك من الأمور الأخرى، إلا من يجد أحد الأصدقاء أو الأقارب المخلصين لمعاونته في غربته.&

وتعتبر الشعباني أن المرأة هي الأكثر تضررًا من الرجل في ما خص الهجرة، خاصة إذا كانت تتحمل عبء أسرة وأولاد بمفردها من دون زوجها لأي سبب كان، فهي تحمل على عاتقها مسؤوليات عملها الجديد، الذي لا بد أن تثبت ذاتها فيه، إلى جانب مسؤولياتها الطبيعية المنزلية ومسؤوليات أولادها الدراسية وتدبير جميع متطلبات الحياة، وحتى إذا كانت بمفردها فهي في بلد غريبة عليها، وبطبيعة المرأة، وأيًا كانت قوتها، فقدراتها محدودة مقارنة بالرجل في جميع الأحوال، إذن فهي بنظر الشعباني الأكثر تضررًا من الهجرة لما تمثله من أعباء إضافية تزيد على قدرتها التي وهبها الله إياها.

&تحصيل حاصل

"المرأة طبعًا!" يجيب جبار الجنابي (رسام ومخرج وممثل وكاتب مقيم في تورنتو الكندية) لأنها يجب أن تتصدى لكثير من "الشرطة الثقافية والأخلاقية والنفسية التي زُرعت فيها في وطنها الأم، لتواجه ثقافة أخرى، تهدد ثقافة أطفالها، لأنها هي من تؤسس الإنسان بأمومتها.. وكيف ستواجه أولادها الذين كبروا في مجتمع مختلف غريب.. والنماذج كثيرة.&

أما معاناة الرجل فيقول الجنابي إنها "تحصيل حاصل، لأنه تربى على توفير القوت، وأن يكون عصا العقاب.. أتحدث عن الشريحة الأكبر من المهاجرين/ اللاجئين".

حنين إلى الجذور
أمل آغا جعفر (مصممة وصاحبة دار أزياء أنتيكانا، عراقية مقيمة في لندن) تصف هجرة أي إنسان بأنها "اقتلاع الشجر من جذوره، اقتلاع الروح من دفء احتضان أم، المرأة هي وطن داخل الوطن، حين تهاجر تحتضن وطنها داخلها، وتتكور غصة الحنين المزمن. حينها تقتات في وطن، تخلقه أينما حلت. أما الرجل فيشارك المرأة في الوطن الأول، وغصة الحنين حين يهاجر، لكن سيبقى يبحث عن نخلته الوارفة في المهجر ليستظل بها".

تقسيم إشكالي
الأكثر تضررًا هو الوطن يعتبر منير العبيدي (فنان تشكيلي وكاتب مقيم في برلين). أما المرأة والرجل فالأمر فردي ومرتبط باعتبارات متباينة.. فالمرأة التي تنقذ أطفالها من القتل والجوع سوف تسعد من أجلهم، رغم ألمها وحنينها لبيتها وبيئتها.. ولكن ليس كل امرأة، والأمر ينطبق على الرجال، لكن ليس كل رجل.. التقسيم نفسه إشكالي كما يرى العبيدي.

مؤيد الحيدري (إعلامي وفنان تشكيلي يعمل حاليًا مع راديو سوا والحرة – واشنطن) يقول: "يصعب على العربي، والعراقي على وجه الخصوص، أن يغادر جذوره الأولى وذكرياته ورصيده من العواطف في بلده الاول، فكثيرًا ما إقترن ذلك بالحزن والتوجع المقرون بالفقدان والخسارة، ذلك لأن غالبية هجرات العراقيين كانت بدون أمل في العودة، بل إنها أقرب للهروب منها إلى الهجرة، لأسباب معروفة تتعلق بالأوضاع السياسية والأمنية الطاردة!".
& &
يتساءل الحيدري: "هل يعني هذا أن الهجرة خسارة دائمًا؟". ويجيب: "لا أظن". وهل تختلف تلك الخسارة أو النجاح بين الرجل والمرأة؟. يؤكد أنه لا يتفق مع ذلك القول.

فالهجرة، بحسب العبيدي، تضاعف حالة النوستالجيا للوطن الأول لدى الاثنين، وتحوّله إلى عشق متضخم، قد يسد نقصًا عاطفيًا وجفافًا إجتماعيًا في مجتمعات بلدان الهجرة الغربية. كلانا، رجل أو إمرأة، رغم إختلاف قصصنا وتجاربنا، واجهنا الواقع الجديد في بلدان الهجرة بمعاناة، مِنّا مَن إستوعب التحوّلَ وتأقلم معه، بل ربما إستثمره، بينما فشل الآخر في إستيعاب البيئة الجديدة، وحل طلاسم علاقاتها وخباياها، فإختار الإنكفاء على دواخله، وأشغل ساعاته بمتابعة الفضائيات العربية، والتجوال على صفحات فايسبوك "الوطنية"، وتبادل صور الوطن والطفولة الحميمة من أطباق طعام، ومسكوف، وصوبة، وكليجة وأغنية عريقة، تشهق لها الروح.