إيلاف من الرياض: تزينت شوارع مكة المكرمة بأعلام الدول المشاركة في قمم ثلاث تُعقد بدعوة من الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، لتستقبل قادة ووفود 57 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي، ووفود المنظمات الدولية الأخرى التي تحضر عادة اجتماعات المنظمة، ثم الوفود العربية والخليجية المتوافدين لحضور اجتماعين طارئين: الأول لمجلس الجامعة العربية على مستوى القادة، والثاني للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلى جانب 390 إعلاميًا وصحافيًا دوليًا، و59 قناة عالمية، ومعهم 13 فريق عمل سعودي لتسهيل مهمة عمل الإعلام العالمي في تغطية هذا الحدث الجلل الإسلامي والعربي والخليجي الجلل.

وكان الملك السعودي قد دعا إلى عقد قمتين طارئتين، عربية وخليجية، يومي 30 و31 مايو الجاري، تضافان إلى القمة الإسلامية المقررة سابقًا في مكة المكرمة، لمناقشة الهجمات التي استهدفت بطائرات من دون طيار منشآت نفطية سعودية، والهجمات التي استهدفت أربع سفن، بينها ناقلتا نفط سعوديتان، قبالة السواحل الإماراتية، في وقت سابق من مايو الجاري.

ملف إيران.. أولًا وأخيرًا

يجمع المراقبون على أن "ملف إيران" أساسي على جدول أعمال القمتين العربية والخليجية. ونسبت "البيان" الإماراتية إلى مسؤول سعودي رفيع المستوى أن القمتين ستبحثان في التدخلات الإيرانية في المنطقة، والاعتداءات الأخيرة على محطتي نفط في السعودية، والهجوم على سفن تجارية في المياه الإقليمية الإماراتية، وتداعيات هذه الحوادث على المنطقة، إضافة إلى كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

يقول المراقبون إن هاتين القمتين تتمتعان بأهمية استراتيجية، من حيث توقيتهما والقرار الحاسم المتوقع منهما لوقف ممارسات إيران، ومحاولاتها جر المنطقة إلى ما لا يحمد عقباه، ستكون هي الخاسر الأكبر فيها، وإن القمتين لن تقتصرا على خطابات التنديد والتضامن، بل ستبحثان في بناء موقف عربي وخليجي موحد إذا استمرت إيران في ممارساتها التصعيدية، وفي العمل على خفض التوتر والتصعيد في الخليج العربي والشرق الأوسط، تداركًا لوقوع الحرب. فالحوادث المتسارعة بوتيرة مرتفعة في المنطقة تستنعي قمتين غير عاديتين، تصدر عنهما مواقف غير عادية، خليجية وعربية، ومن هنا كان القرار الدعوة إلى قمتين طارئتين لمواجهة تداعيات السياسية الإيرانية التي تهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين، كما تهدد استقرار أسواق النفط العالمية.

من هذا المنطلق، وبحسب "البيان"، تترقب الدوائر السياسية أن تتمخض القمم الثلاث عن نتائج تتمثل في تشكيل درع إسلامي قوي، وموقف سياسي رادع تجاه إيران، لمنعها من العبث بأمن الدول الخليجية، وتوجيه رسالة إلى الرأي العام العالمي والعربي والإسلامي، مفادها أن مستوى التهديد الإيراني وصل إلى مرحلة تتطلب المواجهة بكل الطرق والوسائل، وتستدعي تجمع العرب حول هدف واحد: الدفاع عن الأمن القومي العربي.

خطر يستدعي التحرك

يقول عبد المحسن سلامة في "البيان" إن سرعة تلبية الدول الأعضاء لدعوة السعودية لعقد الاجتماع الطارئ في مكة مؤشر إلي تفهم العرب للمخاطر والتحديات التي تواجه المنطقة، ورفضهم محاولات التدخل الإيرانية في شؤون دول المنطقة، ما يزيد من عزلة طهران، في ظل تصاعد وتيرة المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية.

يضيف سلامة: "هناك تحديات خطيرة تواجه الأمن القومي العربي، ربما لا تقل خطورة عن التهديد الإسرائيلي، وأبرز هذه التحديات، هي ظهور العديد من الكيانات والجماعات الإرهابية التي باتت تمثل مصدرًا خطيرًا يهدد الأمن القومي العربي، كما هو موجود الآن في معظم الدول العربية التي تحارب الكيانات الإرهابية المنتشرة على أراضيها، والتي تهدد وحدة ومستقبل الدولة الوطنية، من خلال تبنيها أعمال العنف والإرهاب، والإصرار الدائم لتلك الجماعات الإرهابية على نشر الفوضى والعنف، وهدم مؤسسات الدولة الوطنية"، علمًا أن هذه الكيانات مرتبطة أمنيًا وعسكريًا وماليًا وتسبيحًا بإيران، التي تستخدمها أذرعة لها في تهديد الاستقرار العربي، وينبغي مواجهتها.

في الإطار نفسه، قال اللواء متقاعد أنور ماجد عشقي، الخبير الاستراتيجي السعودي ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، لـ "البيان" إن إيران تخوض حربًا ضروسًا بالوكالة ضد الأمتين العربية والإسلامية، عبر حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والميليشيات في سورية والحوثيين في اليمن وغيرها، "إلا أن السعودية بصفتها الدولة قائدة العالمين الإسلامي والعربي تسعى من خلال الدعوة إلى قمة بجوار بيت الله الحرام إلى وضع القادة في مجلس التعاون الخليجي، وقادة الدول العربية، أمام مسؤوليتهم التاريخية، في ما قد يحدث مستقبلًا ما لم تتضافر الجهود، وتتوحد الرؤى للجم النظام الإيراني وأذرعه في العراق ولبنان واليمن، وبعض العواصم الأخرى التي تتماهى مع الممارسات الإيرانية التي ستجلب الويلات للمنطقة".

ماذا نريد؟

لا شك في أن الشعوب العربية تتطلع إلى مقررات مصيرية في مكة في الأيام المقبلة، خصوصًا أن الخطر الإيراني على الأمنين القومي العربي والإسلامي لا يمكن تجاهلهما. ولا شك في أن ما تريده هذه الشعوب وتتطلع إليه، هو نفسه ما تريده السعودية، الداعية إلى القمم الثلاث، وتتطلع إليه، كونها قائدة العالمين العربي والإسلامي، وقد أخذت على عاتقها وقف الغي الإيراني عند حدوده.

في مقالة نشرتها "الحياة"، يسأل الكاتب السياسي السعودي سلطان البازعي: ما الذي تريده السعودية من قمم مكة المكرمة الثلاث؟ يكتب البازعي: "من القمة الإسلامية، وإضافة إلى جدول الأعمال المعتاد، فإن الملك سلمان سيضع قادة العالم الإسلامي في صورة ما يحدث لعل عقلاء العالم الإسلامي ينجحون في إقناع حكام طهران، وهم سيكونون ممثلين في القمة بالتأكيد، بالعودة إلى العقل والمنطق وإدراك ما سيجره هذا العبث عليهم وعلى المنطقة وعلى التضامن الإسلامي".

يضيف البازعي: "من القمة العربية، سيؤكد الملك سلمان على أن ما تفعله إيران هو تهديد مباشر للأمن القومي العربي، وأن حدًا أدنى من وحدة الصف سيحدث فرقًا في إيقاف المخطط الإيراني عند حده حتى يلتفت العرب لقضيتهم الأساسية فلسطين. ومن القمة الخليجية، سيؤكد الملك سلمان أن دول مجلس التعاون الخليجي هي في الخندق الأول في هذه المواجهة، وأن التخاذل في اتخاذ المواقف ولا حتى الحياد لن تكون في مصلحة هذه الدول ولا شعوبها. ولعل هذه القمة الخليجية تكون فرصة لأمير قطر - إن حضر - لمراجعة مواقفه والعودة إلى جادة الصواب، والخروج من عزلة فرضها على نفسه وعلى شعبه في المعسكر الخطأ".

لا للحرب... ولكن!

يؤكد المراقبون أن هدف السعودية من الدعوة إلى القمم الثلاث حشد المسلمين في "ناتو عربي – إسلامي" كما يروج بعض المنظرين، ولا هي دعوة العرب والمسلمين إلى حرب من أي نوع، فلم تكن نية السعودية يومًا المبادرة إلى الحرب، بل لطالما كانت دعوتها إلى إحلال الاستقرار في المنطقة، وانتهاج سياسة الاعتدال بوجه كل تشدد، ورفع راية السلام والتفاوض لحل أي مشكلة مع إيران. ولكن، لا تملك إيران إزاء هذا الحشد العربي والخليجي، وجدية الإدارة الأميركية في حشد قواتها واستنفار قواعدها على ضفاف الخليج والتلويح بالحل العسكري، بحسب هيلة المشوح في "عكاظ"، "سوى خيارين إما الموت البطيء بتآكلها من الداخل عبر عقوبات اقتصادية قاسية تزامنًا مع اقتصادها المتهاوي، أو المواجهة العسكرية التي تعلم جيدًا صعوبة وضعف موقفها إزاءها، فالمواجهة ستكون مع العالم أجمع تتقدمه أميركا وتدعمه دول اكتوت بشظايا الإرهاب الإيراني، أما الوساطات التي تجنح لها طهران حاليًا فهي مراوغات في الوقت الضائع من المرجح ألا تنجح في تمريرها مقابل التحركات الأميركية الحالية التي كما يبدو لا تراجع معها مهما كانت المساومات والتنازلات الإيرانية".

يقول الباحث والخبير الاستراتيجي الإماراتي سالم الكتبي في مقالته "قمتا مكة ووحدة الصف الخليجي والعربي" المنشورة في "إيلاف": "قناعتي الذاتية أن المملكة العربية السعودية لا تريد استصدار قرار جماعي خليجي وعربي بالحرب ضد إيران في هاتين القمتين، بل تسعى إلى إرسال رسالة قوية لنظام الملالي بأن يكف عن العبث بأمن المنطقة، وأن يدرك أن هناك اصطفافًا خليجيًا وعربيًا موحدًا يرفض ممارسات وسلوكيات هذا النظام".

يضيف الكاتبي: "يجب أن يدرك نظام الملالي أن أي استهداف للمملكة العربية السعودية ودولة الامارات لن يمر مرور الكرام، ليس فقط لقدرة الدولتين على الرد بحسم وحزم على أي اعتداءات أو انتهاك لسيادتهما الوطنية، ولكن أيضًا لما تمثله الدولتان من مكانة وثقل معنوي في المحيط العربي والخليجي".

في الوقت الضائع

يبدو أن قمم مكة الثلاث تمثل فرصة دبلوماسية لتراجع النظام الإيراني، خصوصًا إذا حضر القمة الإسلامية، ما دامت إيران عضوًا في منظمة الدول الإسلامية.

لكن، كما هو واضح حتى الساعة، بحسب المراقبين، أن إيران ماضية في موقفها التصعيدي. لذا، وبكلام أحمد الجميعة في "الرياض"، "كل من يهرول حاليًا من دول ومنظمات لاحتواء وضع إيران في المنطقة، ويتنقل بين عواصم خليجية وعربية وإسلامية لترميم الموقف قبل قمم مكة، هو في الواقع يدرك أن إيران في الوقت الضائع من الأزمة، وليس أمامها سوى حل أخير، إما الانصياع للواقع الجديد الذي يحقق الأمن والاستقرار للمنطقة، أو مواجهة أميركا وحلفائها وانتظار مصير النهاية، حيث تأمل قمم مكة أن تحقق هدفها السلمي في الشق الأول من المعادلة للوصول إلى حل للأزمة، وتبعث برسالتها للمسلمين والعالم من أن إيران عليها أن تقبل بالحوار تجاه برنامجها النووي، وتنهي مشروعها الطائفي، وتدخلاتها في الدول العربية، ودعم الميليشيات الإرهابية؛ حقنًا للدماء، وحفظًا للأمن".

يسأل الجميعة: "لكن، ماذا لو أطلق الحوثي صاروخًا أو طائرة مسيّرة تجاه المملكة بعد قمم مكة؟ فإن الوضع حتمًا سينتقل إلى (الخطة ب)، وهي مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها المواجهة المباشرة مع إيران، أو ضرب مصالح إيران في المنطقة".

ويقول فهد بن جمعة في الصحيفة نفسها: "لا مساومة بعد اليوم على أمن واستقرار المنطقة بل يجب استتبابه على المديين القريب والبعيد من أجل مستقبل اقتصادها وأجيالها القادمة، فما زالت دول الخليج تنعم بالأمن والاستقرار ومستمرة في تعزيز رفاهية مواطنيها وتنويع مصادرها الاقتصادية وجذب الاستثمارات نحو مستقبل مزدهر، لكن ينبغي عليها المحافظة على استمرارية أمنها واستقراراها في إطار استراتيجية شاملة تسابق الزمن والأحداث لمواجهة تهديدات الإرهاب الإيراني".