تمر بريطانيا بأزمة خطرة بفعل تداعيات خروجها من الاتحاد الأوروبي، إذ يهدد هذا الخروج وحدتها.

"إيلاف" من بيروت: صوّت البريطانيون خلال استفتاء بركسيت في 23 يونيو 2016 لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، ما قسّم بريطانيا نصفين. فقد وضع أعضاء البرلمان جهدًا كبيرًا منذ تلك اللحظة للوصول إلى قرارٍ يمنع تنفيذ ما آل إليه الاستفتاء. وها نحن اليوم نشهد انقسامًا واضحًا حول هذا القرار في الداخل البريطاني.

المشكلة هي أن الدستور لا يضع قواعد واضحة في هذا الإطار، لذلك بات انفجار قنبلة الانقسام البريطاني يلوح في الأفق. والفوضى التي حصلت في بريطانيا نتيجة لبركسيت انعكست على مصير استفتاء بركسيت نفسه.

وكان استفتاء بركسيت قد أيّد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، إنما تُرك البحث في التفاصيل إلى وقتٍ لاحقٍ.&

ارتباك جونسون

ظن البريطانيون إلى اليوم أن دستورهم قوي، ويمكنه التأقلم مع أي ظروفٍ مستجدّةٍ. فبفضل الاستقرار الذي شهدته بريطانيا في السابق، استطاعت أن تقنع العالم وشعبها أن نظام حكمها مبني على أسس متينةٍ تمكّنه من التأقلم مع جميع المستجدات. لكن عند حصول هذه الأزمة، استنتج البريطانيون أن دستورهم يمكن أن يكون هشًا للمرة الأولى، ويسبب الفوضى والانقسامات.

ففي 10 يوليو، بعد 3 أيام فقط من تخلي تيريزا ماي عن منصبها في زعامة حزب المحافظين، بدأ السباق على تولي منصبها.

وصرّح بوريس جونسون، الذي كان في حينها أحد المتسابقين على المنصب، أنه يشترط الانسحاب من الاتحاد الاوروبي في 31 أكتوبر فقط إذا منح البرلمان الاوروبي ما يريده الحزب، الأمر المستبعد بطبيعة الحال.

بعد هذا&التصريح، أصبح من الصعب على أعضاء الحزب، ويبلغ عددهم 124 عضوًا، الذين انتخبوا جونسون رئيسًا للوزراء ليمثلهم، أن يجدوا سبيلًا للإجابة عن السؤال الذي قسم الأمة.&

ثغرة دستورية&

اما النقطة الجوهرية فهي أن البرلمان البريطاني صوّت ضد التزام نتيجة استفتاء بركسيت، لأنه وجد أنه سيسبب ضررًا كبيرًا للبلاد. لكن المشكلة هي أن الدستور لا يوضح ما إذا كان على بريطانيا التزام قرار البرلمان أو قرار الشعب. كما لا يذكر كيف يجب الاختيار بينهما.

لم يوضح الدستور كيف يمكن أعضاء البرلمان أن يقوموا بواجباتهم التزامًا بالاستفتاء، وفي الوقت نفسه أن يلتزموا واجب القيام بما يرضي مصالح ناخبيهم. في حين أن بعض البلدان الأخرى تجنب الوقوع في خطأ مماثل.

فإيرلندا مثلًا تقوم باستفتاءاتٍ أيضًا، إنما تنص المادة 46 من دستورها بوضوح على أن التصويت من أجل التغيير يتم بعد أن يمر مشروع القانون في مجلس النواب فحسب. لكن بريطانيا لم تتوقّع يومًا أن تجد نفسها في أزمةٍ مماثلةٍ.

إيجابية غياب الخطة

كذلك، مهّد بركسيت لفوضى دستورية مقبلة من خلال تهديده سلامة الوحدة في صفوف البريطانيين. فخلال انتخابات البرلمان الأوروبي، فاز الحزب الوطني الاسكتلندي بحصة متزايدة في التصويت. فاسكتلندا صوّتت لصالح البقاء في الاتحاد الاوروبي نتيجةً للاستفتاء، ما أعطى القادة الاسكتلنديين سببًا وجيهًا للمطالبة بالانفصال عن المملكة المتحدة، ما يشكّل مشكلةً إضافيةً.

لا شك في أن تفكيك الوحدة في بريطانيا كان لينفجر الآن لولا وجود أمر واحد وهو أن ما من خطة للانفصال تم وضعها حتى الآن. ومجرّد القيام باستفتاء اسكتلندي ثانٍ&سيكون لافتًا.

وتجدر الإشارة إلى أن جونسون لا يتمتع بشعبية في اسكتلندا. ويطالب عدد كبير من الناخبين البريطانيين حاليًا باستفتاء بركسيت جديد. وقد طلبت ماي من الحزب الوطني الاسكتلندي أن يتريّث إلى حين يتم حل بركسيت.&

وهنا، أصبح غير واضح&إن كان رئيس الوزراء جونسون سيتمكن من الصمود أمام حملةٍ اسكتلنديةٍ حازمةٍ في المستقبل القريب.


أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونومست". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.economist.com/leaders/2019/05/30/britains-constitutional-time-bomb