يكذب الإيرانيون في كلامهم عن منجزات سياسية وعسكرية، يحققونها أو يحققها حلفاؤهم من حزب الله إلى أترابه من الحركات التي تدور في الفلك الإيراني. جزم قراء إيلاف هذا الأمر بكذب ملالي طهران في كلام على أي منجزات تحققها إيران.

إيلاف من بيروت: لا تتوقف إيران عن التبجح بقوتها وتأثيرها في خمس&عواصم عربية. فمن أين أتى هذا التأثير يا ترى؟ من قوتها العسكرية؟ من منجزاتها الصناعية والسياسية والعسكرية والتحالفية؟

سألت "إيلاف" قراءها سؤال الاستفتاء الأسبوعي: "كيف تقيّم التقارير الإيرانية عن منجزات عسكرية قادرة على المواجهة؟". شارك في هذا الاستفتاء 788 قارئًا، قال 610 منهم إنها وهمية، بنسبة 77 في المئة، بينا رأى 178 أنها حقيقية، بنسبة 23 في المئة.

يأتى هذا الفارق الكبير في الأصوات من متابعة إعلانات إيران عن منجازات عسكرية حصلت أو ستحصل، ومن تمجيد القوة العسكرية الإيرانية القادرة، بنفسها وبحلفائها، أن تجابه الولايات المتحدة وغيرها.

متقدمة... عسكريًا!

الإنجازات العسكرية الإيرانية الوهمية لا تعد ولا تحصى. ففي سبتمبر الماضي مثلًا، كشف الإيرانيون عن طائرات مسيرة من دون طيار مصممة ومنتجة في إيران، على متنها رادار (SAR) يمكنه تصوير التحصينات والمنشآت العسكرية والكشف عن المنشآت والمعدات الخادعة وإكمال معلومات التصوير البصري وتحديد تغييرات النسيج الأرضي الناجمة عن وجود المعدات وإيجاد المنشآت العسكرية، على مدار الساعة في أجواء الغيوم والغبار والأتربة.

وفي أغسطس الماضي، أعلنت إيران عن مقاتلتها "كوثر" مسهبًا ذات المواصفات "العالية"، وإذ هي بشهادة المختصين مقاتلة أف-5 أميركية اشترتها إيران من الولايات المتحدة في عهد الشاه، مع بعض التعديلات الطفيفة. وكذلك طائرة "قاهر 313" الشبحية التي روجت إيران في عام 2003 أنها مقاتلة تعجز ردارات العدو عن التقاطها، وتبين للخبراء أنها لا تطير أصلًا.

صنع الإيرانيون نسخًا مقلدة من مروحيات وطائرات غربية، مدعين أنها إيرانية الصنع: مروحية "توفان 2" نسخة إيرانية لمروحية "كوبرا" الأميركية؛ مروحية "شاهد 285‎" نسخة محلية من مروحية "بيل 206" الكندية؛ طائرة درون "أر كيو – 170" التي اعترفت إيران نفسها بأنها نسخة مقلدة من أنموذج أميركي لطائرة أسقطها الحرس الثوري على الأراضي الإيرانية في عام 2011، وقال الخبراء إن هذه الدرون ليست عسكرية بل مجرد "لعبة"؛ طائرة "شاهد 129" نسخة من طائرة "هيرمس 450" الإسرائيلية.

واهنة جدًا

يعني.. في الجولة الأولى، انتصر الكذب الإيراني عن قوة عسكرية عظمى سلاحها صممته أدمغة وطنية، وأنتجته سواعد وطنية. فماذا عن الهالة العظمى التي يحاول كل فرد من ملالي النظام الإيراني أن يعتمرها؟

يقول مختصون في علم سياسات الدول إن ادعاء أي دولة أنها عظمى لا يعني في الحقيقة أنها عظمى. وفي الحالة الإيرانية، ليست إيران بذاتها هي القوية، بمقدار ما أذرعتها فاعلة في المنظقة. فإيران النظام والدولة والمجتمع والشعب منهكة بفعل العقوبات الاقتصادية التي طال أمدها، تعاني أزمات عدة، منها الزيادة الجامحة في أسعار الصرف والذهب والتراجع في قيمة العملة الوطنية وغلاء السلع واحتياجات الحياة، وقيام الشعب في انتفاضات متتالية، وتعرضه للقمع الشديد من الشرطة ومجموعات الباسيج.

يقول مراقبون إن إيران واهنة جدًا، بمعزل عن عنتريات المرشد الإيراني وأترابه. وهي، بنفسها، ليست قادرة على التأثير في مسرح الحوادث الإقليمي والدولي، كما تفعل الآن، أيًا كان هذا التأثير. لكن، سخّر ملالي طهران لأنفسهم مجموعات عسكرية وشبه عسكرية في لبنان وسوريا&والعراق واليمن، تعتبر أذرعة عسكرية تتحكم بها إيران وتمدها بالسلاح.

لا يمكن إنكار ما لهذه الأذرع من تأثير في الساحة الإقليمية... من تأثير سلبي طبعًا. وأي إنجاز عسكري يحققه أي من هذه الأذرع وتستغله إيران لتثبيت ادعاء عظمتها إنما هو تعبير إيران عن إصرارها على مبدأ تصدير الثورة الإسلامية التي افتتحها الخميني في عام 1979.

حزب الله القوي

أول وأقوى الأذرع العسكرية الإيرانية في الإقليم هو حزب الله اللبناني، الذي توسع نشاطه ليشمل سوريا&والعراق واليمن. منذ نشأته، يجاهر هذا الحزب ومن توالوا على أمانته العامة، وصولًا إلى حسن نصرالله، أن حزبهم يعتنق عقيدة الولي الفقيه، والفقيه عندهم هو المرشد الإيراني. ونصرالله قالها مرارًا إن أمواله وصواريخه وسلاحه من إيران، وإنه جندي في جيش ولاية الفقيه. فأي انتصارات حقيقية سجلها نصرالله في سجل الادعاءات الإيرانية؟

أولها تحرير لبنان من إسرائيل في 25 مايو 2000. لا شك في أن عمليات حزب الله أرهقت الإسرائيليين، لكن من السذاجة فعلًا أن يقال إن إسرائيل أهملت كل الحسابات السياسية والعسكرية والأمنية، وانسحبت متقهقرة أمام حزب الله.

في عناقيد الغضب في أبريل 1996، من أنقذ الجنوب ولبنان وحزب الله نفسه كان تحرك رئيس الحكومة اللبناني&رفيق الحريري، الذي يتهم حزب الله اليوم بأنه ضالع في مؤامرة قتله في 14 فبراير 2005.

في حرب يوليو 2006، أعلن حزب الله ومن ورائه إيران أنهما حققا نصرًا إلهيًا غير آبهين بسقوط نحو 1800 قتيل لبناني، بفعل شراسة إسرائيل من جهة وعناد حزب الله من جهة أخرى. وليس هذا النصر إلا "الصمود" 33 يومًا أمام إسرائيل، وإطلاق صواريخ على إسرائيل لم يكن لها ذلك الفعل الذي زعمه نصرالله وإيران.

عظمى؟ أبدًا!

إلى جانب حزب الله، هناك الحشد الشعبي وعصائب الحق وفيلق بدر وجيش المهدي وجيش المختار ولواء أبو الفضل العباس في العراق، وفاطميون وزينبيون وغيرهم في العراق وسوريا، والحوثيون في اليمن. لم يصل هؤلاء إلى القوة التي وصل إليها حزب الله. تقول "غارديان" إن نصرالله "يحصد ثمار المال والدم الذي قدمه في سوريا، فهو وإيران في صعود، وكلاهما يقوم بتشكيل سوريا&ما بعد الحرب، وهو في لبنان يسيطر على ثلاث وزارات، ويتحكم بمفاصل السياسة اللبنانية".

ربما يحل خطر الحوثيين في المرتبة الثانية في سلم الجماعات الإيرانية الخطرة. لكن، خلافًا لحزب الله الموالي ولاء أعمى لخامنئي، لا يمكن القول إن الحوثيين اتباع دينيون وسياسيون لإيران، على الرغم من أن جماعة الحوثي عضو مهم في مظلة محور الممانعة الشيعي الواسع.

لذا، يقول مراقبون إن الحوثيين حلفاء غير متساوين لإيران، يتأثرون بالموقف الإيراني والتوجهات الإيرانية، لكنهم لا يطبقون أوامر إيرانية بدقة حزب الله.

تنسب "البيان" الإماراتية إلى أستاذ علم الاجتماع السياسي خالد الدخيل قوله إن المليشيات وسيلة طهران لبسط النفوذ والسيطرة ومدّ أذرعها خارج حدودها، "فإيران ليست لديها القدرة على احتلال أي دولة، فهي ليست دولة عظمى، لكن المليشيات تعطيها القدرة على مدّ نفوذها، فهي تكلفها ماليًا ولكنها تعطيها مكاسب سياسية"، مؤكدًا أن الدولة غير موجودة في المناطق التي تنشط فيها الميليشيات المدعومة إيرانيًا.

ليس أسطوريًا

إلى الإنجازات التي تزعمها إيران، وتحيطها بهالة أسطورية، ثمة شخصيات تقدمها إيران بعدما تحيطها بهالة أسطورية أيضًا، أبرزها قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، فتصوره "سوبرمان" القادر على قهر كل عدو في أي ميدان.

ولكن... لو كان سليماني هذا قادرًا على فعل ما ادعت إيران أنه قادر على فعله، لما اضطرت روسيا للتدخل بنفسها وجيشها وطائراتها وصواريخها وميليشياتها لإنقاذ بشار الأسد. وقالها سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، مرارًا: "لولا التدخل الروسي، لسقط النظام السوري"، في رسالة واضحة إلى الإيرانيين، مذكرًا إياهم بفشل "صبيهم المدلل" في الميدان السوري.

لم تغادر وسائل الإعلام الإيرانية مناسبة إلا وأشادت فيها بقدرات سليماني العسكرية ودهائه الأمني. لكن الوقائع في سوريا&والعراق إبان المواجهات مع تنظيم الدولة الإسلامية دلت على أن سليماني الأسطوري ليس أسطوريًا، وأن استراتيجيته أخفقت.

في العراق، سرى نبأ عزل سليماني عن إدارة الملف الأمني بعد إخفاقه في تحرير تكريت من داعش. وقيل إن المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني طلب من المرشد الإيراني علي خامنئي الحد من نفوذ سليماني في العراق.

حلف أقليات؟

أخيرًا وليس آخرًا، تعرف إيران أنها ليست بقوية. تعرف أن كل الكلام على منجزات عسكرية، في أي شكل أتت، ليس&إلا زبد بحر، لا أكثر. لذلك، تعود اليوم إلى كلام سابق عن إمكان تنفيذ مشروع تحالف أقليات في المنطقة، كانت اسرائيل قد طرحته مع قيام “المقاومة الفلسطينية” واندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، أي جمع الأقليات المسيحية والعلوية والشيعية واليهودية والارمنية والاشورية والكلدانية وغيرهم في تحالف عريض، تحت شعار حماية حقوق الأقليات، ليكون لها بابًا إلى التأثير الإقليمي.

تقول تقارير دبلوماسية إن إيران هي من يقف وراء النغمة الجديدة لحلف الأقليات، تسوقه من خلال حلفاء لها في المنطقة، كالتيار &الوطني الحر في لبنان، وهو تيار مسيحي يعمل برعاية حزب الله وتغطيته السياسية، أنشأه في الماضي العماد ميشال عون، رئيس الجمهورية اللبناني&الحالي، ويتزعمه اليوم وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل المعروف بتصريحاته الأقلوية المثيرة للجدل، خصوصًا كلامه الدائم عن استعادة ما سلب من حقوق كانت للأقلية المسيحية في لبنان، والدفاع عن المسيحية المشرقية. هذا التيار ليس بعيدًا من هذا الحلف، وورد في مواقف عديدة أطلقها مسؤولوه.

وبحسب تقارير دبلوماسية نشرتها مواقع إخبارية، يرمي المخطط الإيراني من وراء إعادة تسويق هذا الحلف إلى ضرب الاستقرار في دول متنوعة دينيًا وخلق الاضطرابات فيها. فبالاضطرابات وضرب الاستقرار وحدهما تشعر إيران بعظمتها "الوهمية".