يتابع العالم كله، ولاسيما مصر والدول العربية، الأوضاع في السودان عن كثب، خاصة مع تعقد الأزمة بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى الحرية والتغيير، في أعقاب فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو الماضي.

إيلاف من القاهرة: يتمسك الطرفان بموقفيهما، "قوى الحرية والتغيير" تطالب بتسلم السلطة بشكل كامل، وفي سبيل ذلك نفذت إضرابًا عن العمل لمدة يومين في نهاية مايو الماضي، ثم دخلت في عصيان مدني، بينما يصر المجلس العسكري على اتخاذ الإجراءات القانونية ضد إغلاق الطرق وإقامة المتاريس وتعطيل مصالح الدولة، معتبرًا أن ذلك "جريمة مكتملة الأركان".

ويرى الخبراء في الشؤون السودانية أن تمسك كل طرف بمواقفه، واستمرار التصعيد بينهما، إضافة إلى تدخلات القوى الإقليمية في مرحلة ما بعد عمر البشير، ولاسيما قطر وتركيا، يصعب الأزمة، مؤكدين أن الدور المصري واضح في السودان، ويسعى إلى التهدئة والاستقرار، وأن يتم التوصل إلى حلول سياسية سريعة للأزمة.

أعلنت الوساطة الأفريقية في السودان، أمس الثلاثاء، أن الاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي والمعارضة في البلاد بات وشيكًا.

وقال الوسيط الأفريقي، محمد الحسين ليباد، في مؤتمر صحافي، في العاصمة السودانية الخرطوم، إن الاتفاق بين المجلس العسكري والمعارضة أصبح "قاب قوسين أو أقرب". وتابع أن الاتحاد الأفريقي يحث الطرفين على التوافق حول حكومة انتقالية من الكفاءات، مع استمرار مناقشة القضايا الأخرى.

فيما أكد المبعوث الأثيوبي إلى السودان، محمود درير، أن هناك تقاربًا بين الطرفين في ما يتعلق بعدد من النقاط، ويظل الخلاف والتباين حول المجلس السيادي. كما أعرب درير عن اعتقاده بأن الطرفين بإمكانهما الوصول إلى اتفاق عند استئناف التفاوض المباشر.

وقال السفير السابق أحمد حجاج، الأمين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية، إن الأوضاع في السودان في المرحلة الراهنة صعبة جدًا، معتبرًا أنها تمر حاليًا في نفق مسدود، ولكن بشكل موقت.

أضاف لـ"إيلاف" أن هناك آمال معلقة على وساطة رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد، الذي زار الخرطوم، بصفته &الرئيس الحالي للهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) التابعة للاتحاد الأفريقي، وعقد اجتماعات مع رموز المعارضة وقادة الاعتصام، وقيادات المجلس العسكري، وقدم إليهم مقترحات للخروج من الأزمة، وسوف يزور العاصمة الخرطوم مرة أخرى للتناقش حول المقترحات.

وأشار إلى "تدخل القوى الإقليمية في أحوال السودان"، لكن هذه القوى لم تنجح في حلحلة الأزمة حتى الآن، بل زادتها تعقيدًا، لافتًا إلى أن التدخلات الإقليمية لها أهداف مبطنة، وتعمل على التأثير على القوى السياسية المختلفة لخدمة مصالحها، معتبرًا أنه "مهما كانت هذه التدخلات فإن تأثيرها محدود، لأن الأزمة معقدة في ما يخص فقدان الثقة بين طرفيها وهما قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي".

وقال إن التصعيد المتبادل بين طرفي الأزمة لن يؤدي إلى اتفاق، بل سوف يزيدها تعقيدًا، مشيدًا بالدور المصري في محاولة الوصول إلى حل، والحفاظ على أمن واستقرار ووحدة السودان.

ولفت إلى أن الاتحاد الأفريقي يبذل جهودًا كبيرًا في هذا الشأن، متوقعًا أن يبحث القادة الأفارقة الأزمة السودانية خلال قمتهم في النيجر في الشهر المقبل.

وقال الدكتور هاني رسلان، رئيس بحوث السودان وحوض النيل في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الأوضاع في السودان في المرحلة الراهنة صعبة، مشيرًا إلى أن كل طرف في الأزمة يتخذ إجراءات تصعيدية شديدة في مواجهة الطرف الآخر على الأرض.

وأضاف لـ"إيلاف" أن الاجراءات العسكرية التي اتخذها المجلس الانتقالي، ومنها فض الاعتصام اعتقال بعض قيادات قوى الحرية والتغيير، أسهمت في اشعال الأزمة، وفي المقابل ترى المعارضة أن العصيان المدني نجح إلى حد كبير، ولا تقبل إلا بفرض شروطها على المجلس العسكري.

وأوضح أن بعض قوى الحرية والتغيير تريد العودة إلى المفاوضات، ولكن بعد تحقيق مجموعة من الشروط، ومنها عودة القوات العسكرية إلى الثكنات، وتسليم السلطة فورًا إلى المدنيين، معتبرًا أن تحقيق هذا الشروط صعب جدًا، لاسيما أن عملية تسليم السلطة تحتاج ترتيبات كثيرة، وليست بهذه السهولة.

وأشار إلى أن الموقف في السودان يتسم بالخطورة الشديدة، ويحتاج تقديم كل طرف تنازلات، حتى يتم العودة إلى طاولة المفاوضات، للحفاظ على استقرار السودان وأمنه ووحدته، مشيرًا إلى أن الوساطة الأثيوبية تسعى إلى تقريب وجهات النظر وتطرح مبادرة، لكنها تحتاج توافق طرفي الأزمة حولها.

وقدم رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد مبادرة تتضمن "تشكيل مجلس سيادي من 15 شخصًا، تكون الغالبية فيه للمدنيين، (7 إلى 8) لكن المجلس العسكري تحفظ على المقترح.

ويجري رئيس الوزراء الأثيوبي، الوساطة بصفته الرئيس الحالي للهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) التابعة للاتحاد الأفريقي والتي تقدم المبادرة. وقال أحمد في بيان له إن المحادثات التي أجراها مع الأطراف اتسمت بالمسؤولية العالية والوعي بخطورة المرحلة وبالشفافية.

وأوضح أنه أجرى مناقشات صريحة مع الجميع اتسمت بروح عالية من المسؤولية والوعي بدقة وخطورة الظرف الراهن، مشيرًا إلى أنه "يجب أن يتحلى الجيش والقوى الأمنية والشعب والقوى السياسية بالشجاعة والمسؤولية باتخاذ خطوات سريعة للتوجه إلى فترة انتقالية وتوافقية في السودان".

ودعت المبادرة "الجيش والقوى الأمنية والأحزاب السياسية إلى الابتعاد عن تبادل الاتهامات خلال الفترة المقبلة، لبناء الثقة"، وقال: "على الجيش السوداني والمنظومة الأمنية أن يركزا جهودهما للدفاع عن سيادة الوطن وحرمته وأمن المواطنين وممتلكاتهم وعلى القوى السياسية التركيز على مصير مستقبل البلاد لا أن تبقى رهينة وضع العقبات ومعوقات الماضي البائدة".